سيطرت زيادة مخصصات التسليح والرعاية الاجتماعية على الميزانية العامة لعام 2025 للمملكة العربية السعودية وسط اعتبارات دولية وإقليمية شديدة التقلب.
وقال مركز البيت الخليجي للدراسات والنشر إن هذه الاعتبارات جعلت صانع السياسة المالية السعودية يحتاط في نسج مقدرات ميزانية العام المالي 1446/1447 هجرية، الموافق 2025 ميلادية.
من ذلك حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط من جهة، كذلك التقديرات السلبية على الصعيد العالمي بشأن أسعار النفط في عام 2025، وأيضًا حالة عدم اليقين بخصوص السياسة النقدية.
ويجدر بنا التذكير بأن الميزانية العامة للسعودية تعبر فقط عن الوضع المالي للحكومة، وليس الوضع المالي للدولة، فالأخير يشمل الميزانية الحكومية بالإضافة إلى القطاع الخاص، كذلك المشروعات المملوكة للدولة وغير المدرجة بالميزانية، وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة.
أظهر البيان المالي أن الأصول الرأسمالية لصندوق الاستثمارات العامة قد بلغت نحو 3.47 تريليون ريال سعودي (925 مليار دولار)، مشيرًا إلى العديد من المشروعات التي ينفذها الصندوق، لكن البيان لم يشر إلى أرباح الصندوق لأي من السنوات التي تتضمنها الميزانية، سواءً عام 2024 أو 2025.
ملامح الميزانية
تتضمن البيانات الواردة في البيان المالي للميزانية، الأرقام الخاصة بميزانية 2024 والتوقعات بشأنها، كذلك تقديرات عام 2025، ويُلاحظ أن التوقعات لعام 2024 أكبر بنسبة ما عما كان مقدرًا لها في أرقام الميزانية قبل التطبيق.
على سبيل المثال، كانت الأرقام الخاصة بإجمالي الإيرادات في حدود 1172 مليار ريال سعودي (312.5 مليار دولار) في ميزانية 2024، بينما تذهب التوقعات إلى أعلى من ذلك، وتحديدًا إلى نحو 1230 مليار ريال سعودي (328 مليار دولار).
ذات الملاحظة تنطبق فيما يخص المصروفات التي قدرت في ميزانية 2024 بنحو 1251 مليار ريال سعودي (333.6 مليار دولار) بينما التقديرات المنتظرة على أرض الواقع تذهب إلى نحو 1345 مليار ريال سعودي (358.6 مليار دولار).
وهو ما يعني أن حالة الاحتياط الخاصة بتقديرات ميزانية 2025، قد لا تكون في محلها، لأن الواقع يعكس أداءً مختلفًا، فالإيرادات والمصروفات زادت عما كان مقدرًا لها. وإذا كان الأمر محمودًا في جانب الإيرادات فإنه غير ذلك فيما يتعلق بالمصروفات.
تقدر الإيرادات في ميزانية الدولة للعام 2025 بنحو 1184 مليار ريال سعودي (315.7 مليار دولار)، منها إيرادات ضريبية بنحو 379 مليار ريال، و804 مليار ريال كإيرادات غير ضريبية، أي أن الإيرادات الضريبية لا تمثل سوى 32% من إجمالي الإيرادات العامة.
ولهذا الأمر جانبًا إيجابيًا يتمثل في قلة الأعباء الضريبية على إجمالي النشاط الاقتصادي وعلى كاهل المواطن كذلك، بلا شك، إن تخفيف الأعباء الضريبة يُحسن من مستوى معيشة الأفراد، ويعد الوضع في السعودية معاكسًا للعديد من الدول، سواء المتقدمة منها أو النامية، حيث تعتمد ميزانية الدول بشكل كبير على العوائد الضريبية بنسبة تتراوح ما بين 60% و75%.
وقدرت ضرائب الدخل والأرباح بنحو 31 مليار ريال وعوائد الزكاة بنحو 36 مليار ريال، بينما قدرت الضرائب على السلع والخدمات بـ 290 مليار ريال، ومداخيل الجمارك بنحو 23 مليار ريال.
تحليل المصروفات
قدرت المصروفات الحكومية في الميزانية السعودية للعام 2025 بنحو 1285 مليار ريال سعودي (342.6 مليار دولار) وكعادة الميزانية السعودية، تأتي الأجور والمرتبات في قمة بنود المصروفات التي تستحوذ على 561 مليار ريال بما يعادل 43.6% من إجمالي المصروفات.
وبالنظر إلى هيكل المصروفات من حيث القطاعات الوظيفية بالميزانية، نجد أن الإنفاق العسكري هو الأعلى حيث قدرت مُخصَصاته بنحو 272 مليار ريال، الجدير بالذكر أن السعودية هي الأكبر إنفاقًا على التسليح في منطقة الشرق الأوسط وتأتي في المرتبة الرابعة على مستوى العالم وفق هذا المؤشر.
وهناك اعتبارات كثيرة تجعل السعودية أكثر إنفاقًا على التسليح، لحرصها على توفير أمنها القومي في ظل متغيرات أمنية وعسكرية تعصف بالمنطقة منذ عقود، وإن كانت السنوات العشر الماضية جعلت أمر الإنفاق العسكري للسعودية موضع تساؤلات، لما مثله من وضع حرج بسبب عدم نجاح هذا التسلح في حسم الحرب ضد جماعة الحوثيين في اليمن.
وتأتي قطاعات الصحة والتنمية الاجتماعية في المرتبة الثانية بعد الإنفاق العسكري بقيمة تصل إلى 260 مليار ريال، ثم التعليم بميزانية تُقدر بنحو 201 مليار ريال.
ويلاحظ أن مخصصات التعليم في ميزانية عام 2024 كانت بقيمة 210 مليار ريال وتنخفض في عام 2025 إلى 201 مليار فقط، أي أن هناك تراجعًا بنحو 9 مليارات ريال، قد يكون صانع السياسة المالية قد نظر بعين الاعتبار إلى أداء الانفاق على التعليم خلال 2024 والذي يتوقع له أن يكون عند 201 مليار ريال.
العجز والدين العام
يبلغ العجز في ميزانية 2025 نحو 101 مليار ريال (29.9 مليار دولار) وبما يمثل نسبة 2.3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة يمكن التعامل معها دون وجود أزمة مالية، لكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أن هذا العجز الذي بدأ يظهر بالميزانية منذ عام 2023 هو نتيجة لتراجع أسعار النفط في السوق الدولية.
ويعكس هذا أهمية النفط في معادلة الاقتصاد السعودي، وأن جهود التنوع الاقتصادي لازالت دون المستوى الذي يمكن أن تكون فيه هذه الجهود رافعة لاقتصاد البلاد.
ومن هنا، اتجهت السعودية إلى اتساع قاعدة الاعتماد على الدين العام منذ سنوات، وقدر الدين العام في ميزانية 2025 بنحو 1300 مليار ريال سعودي (347 مليار دولار تقريبًا) بما يعادل نسبة 29.9% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
ويعد الدين العام في الميزانية السعودية في إطار المعدلات المقبولة عالميًا، لكن علينا أن نأخذ في الاعتبار أن الدولة لديها صندوق سيادي ضخم يزيد عن 900 مليار دولار، وينبغي أن يكون له دور فاعل في تخفيف أمر الاعتماد على الديون وطرح السندات بشكل كبير.
رعاية محدودي الدخل
يأخذ الحديث عن واقع دعم ميزانية السعودية للطبقات محدودة الدخل، وجهين، أحدهما إيجابي، يتمثل في توفير الرعاية لمحدودي الدخل وتوفير الحد الأدنى لهم من حيث زيادة المخصصات لهذا البند.
والوجه الآخر، هو التساؤل حول السياسات المالية في واحدة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط، التي تتسبب في جعل بعض مواطنيها من محدودي أو مستحقي الدعم، وبخاصة أن حالة الإغناء النفطي ليست بالجديدة للدولة السعودية.
تقدر مخصصات المنافع الاجتماعية في ميزانية 2025 بـ 98 مليار ريال، بينما كانت تقديراتها في عام 2024 بنحو 62 مليار ريال، أي أن الزيادة بين تقدير ميزانية العامين تقدر بنحو 36 مليار ريال.
الملاحظة الإيجابية في هذا السياق هو أن الدولة شديدة العناية بمحدودي الدخل، وأن السياسات التقشفية التي تبتها السعودية منذ عام 2016 قد أضرت بالملاءة المالية للأسر السعودية وأن ما يحدث الآن هو معالجة لهذه السياسات.
تبقى مشكلة الميزانية السعودية الرئيسة هو كونها ميزانية تفتقد إلى المشاركة المجتمعية من حيث الإعداد والمراجعة، وكذلك الدور المحدود للسلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشورى، الذي تأتي العضوية فيه عبر التعيين وليس الانتخاب.
أخيرًا، يبقى التساؤل عن العائد التنموي للمشروعات الكبرى في السعودية على حياة المواطن ماثلاً، فمخصصات الرعاية الاجتماعية المتزايدة تعكس حاجة المواطنين للمزيد من الدعم والرعاية الحكومية، على الجانب الآخر، تراجع معدلات البطالة بين السعوديين هي تطور إيجابي لكنه مرهون بسياسة التوطين أكثر منه ارتباطًا بتوفير فرص عمل مناسبة من خلال المشروعات التنموية الكبرى.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69850