لاحت بوادر انتكاسة لاستئناف العلاقات الخليجية الإيرانية على خلفية عودة خلاف عمره أكثر من نصف قرن إلى الواجهة يتعلق بأزمة حقل الدرة.
وقال مركز “البيت الخليجي للدراسات والنشر” إن تجدد أزمة حقل الدرة يأتي في وقت ظنّ الكثيرون فيه أنّ السلام قد حلّ بين إيران ودول الخليج، وأنها مرحلة سيتجنب الطرفان فيها أيّ نوع من التوترات.
وبحسب المركز يبدو أن الاتفاق الصاخب الذي وقعته طهران والرياض في بكين دخل مرحلة تخلو من دهشة البدايات، وهذا ما يشق الطريق للخلافات القديمة كي تطفو إلى السطح.
في المياه الضحلة شمال الخليج العربي، ثمة حقل للغاز تسميه كل من الكويت والسعودية حقل “الدرة” بينما تطلق عليه إيران حقل “آرَش”.
ومن المتوقع أن ينتج هذا الحقل مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميًا و84 ألف برميل يوميًا من المكثفات، وفقًا لبيان صادر عن مؤسسة البترول الكويتية. ويبلغ احتياطي الحقل الغازي المذكور 20 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وأكثر من 300 مليون برميل نفطي.
اكتُشف حقل الدرة عام 1967 على يد شركة AOC اليابانية في وقت لم يكن هناك أي اهتمام نحو موارد الغاز، لم يكن الغاز يعد من الأصول الاستراتيجية المهمة التي تسعى الدول للحصول عليها وفق تقرير لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن.
لم يُستثمر الحقل حتى اليوم، ليس لأسباب فنية بل لأسباب تعود إلى الخلاف حول ترسيم الحدود. وكلما تقدمت أي من الجهات بخطوة في مسار الاستثمار اعترضت الجهات الأخرى بطريقة أو أخرى، ما جعل الحقل بكرًا حتى الآن.
أجرت إيران والكويت على مدى أعوام مباحثات لتسوية النزاع حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين إلا أنها لم تسفر عن نتيجة.
ويعود النزاع بين إيران والكويت الى ستينات القرن الماضي، إذ منحت الكويت وإيران امتيازات بحرية متداخلة بسبب الحدود البحرية غير المتفق عليها.
في ذلك الوقت، منحت إيران امتياز التنقيب والاستغلال للشركة الإيرانية – البريطانية للنفط (BP) في حين منحت الكويت الامتياز لشركة “رويال داتش شل”. وتداخل الامتيازان في الجزء الشمالي من الحقل المليء بالاحتياطات من الغاز.
لاحقا، طوّرت الكويت والسعودية منطقة محايدة، تُعرف باسم المنطقة المحايدة المقسومة، وهي منطقة تغطي منطقة الحدود البرية والبحرية وتضم حقولا نفطية هامة، من أبرزها الخفجي والوفرة.
وتم توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتقسيم المنطقة المحايدة وتقسيم المنطقة المغمورة المحاذية لها بحيث تُطَوَّر جميع حقول الهيدروكربونات فيها بالاشتراك بين شركات النفط الوطنية في البلدين.
تعود القضية الرئيسية لهذا النزاع إلى ترسيم حدود المياه بين إيران والكويت، يقول الجانب الخليجي إن الحدود البحرية لم تكن موضحة كما هي عليه الآن.
وتستشهد الكويت بنتائج الأبحاث السيزمية التي أجرتها شركة “شل” التي ترسم وفقها حدودًا تضع الحقل بأكمله في الأراضي المحايدة للكويت والسعودية.
قبالة ذلك، تقول الأوساط الإيرانية إن الحدود البحرية لإيران تم ترسيمها دوليا في السنوات التي سبقت ثورة 1979 واستنادا إلى القوانين الدولية التي تقبلها طهران حتى اليوم. وبهذا الترسيم، يقع حوالي 40٪ من حقل “الدرة/آرش” داخل حدود إيران.
بدون الخوض في تفاصيل الأخبار، يكمن الخلاف في ملكية الحقل وحق التنقيب عنه. إذن، يأتي الخلاف حول هذا الحقل بسبب إصرار إيران على أن ترسيم الحدود يكون على أساس الجسم القاري، وعليه، يكون 40% من هذا الحقل في مياه إيران الإقليمية.
فيما تصر الكويت على أن يكون الترسيم طبقًا للحدود البرية ما يعني أن إيران خارج الحقل بشكل كامل.
في السياق، يذكر أن الحدود التي رسمها السياسي البريطاني بيرسي كوكس في عام 1922 عبر معاهدة العقير التي اعتمدتها الدول الثلاث، لم تكن واضحة فيما يتعلق بالكنوز التي تمتلئ في باطنها.
وهذا ما حدث في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت التي تحظى بحقليّ نفط بإمكانهما إنتاج 500 ألف برميل يوميًا، إضافة إلى حقل الدرة الذي ينتظر أن ينتج منه الغاز خلال الفترة المقبلة.
تشترك إيران مع دول جوارها وأهمها الدول الخليجية والعراق في 28 حقلًا نفطيًا وغازيًا تضم 20% من احتياطيات النفط و30% من احتياطيات الغاز الطبيعي لإيران، أشهرها الحقل الذي يعرف في إيران باسم “فارس الجنوبي” وفي قطر باسم حقل الشمال، وذلك وفق بيانات شركة هيرت إنرجي (Hart Energy).
كما تشترك إيران والسعودية في حقلي “لولو” (أو “إسفنديار” وفق التسمية الإيرانية) و”المرجان” (أو “فُروزان” وفق التسمية الإيرانية).
ورغم ذلك، فإن كمية الغاز التي تمتلكها إيران في الحقول المشتركة مع جيرانها غير واضحة نظرا للاحتياطيات غير المستغلة والنزاعات الحدودية المستمرة، بحسب معهد الشرق الأوسط (MEI) في واشنطن.
بالعودة إلى حقل “الدرة”، تبدو احتياطات الغاز في الحقل مهمة للكويت التي تسعى لزيادة قدراتها الإنتاجية منه وتقليل فاتورة الاستيراد.
ويوضح معهد الشرق الأوسط أن الكويت ستحتاج إلى 4.0 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030 لتلبية الاحتياجات المحلية. وتشير إيكونوميست إلى أن الكويت ترغب “في الاستفادة من الوضع الجيوسياسي المعتدل بشكل متزايد في الخليج لتعزيز تطوير حقول الغاز البحرية”.
بالنسبة لإيران، يعزز إبرام اتفاق في هذا الشأن من قدرة إيران على إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال، كما أن تسوية الملف تنسجم مع مساعي السعودية لزيادة إنتاجها من الغاز 60 في المئة وفق “رؤية 2030”.
بعد قطع العلاقات بين إيران والسعودية مطلع عام 2016، أعادت الكويت سفيرها من طهران وقلصت العلاقات إلى مستوى القائم بالأعمال.
لكن بعد سبع سنوات من تراجع العلاقات أي بعد المصالحة الإيرانية – السعودية مباشرة، أرسلت الكويت سفيرها إلى طهران مرة أخرى بينما واصل السفير الإيراني في الكويت نشاطه خلال هذه الفترة.
يبدو اتفاق المصالحة وتحسن العلاقات بين طهران والرياض قادرًا على أن يجمع مختلف الأطراف إلى إجراء تفاوضي لحل القضية، خصوصا وأن التصريحات الإيرانية تبدو ناعمة ونسبت لشركات التنقيب، ما يعني أن إيران تريد أن توضح أن القضية لها أبعاد اقتصادية واستثمارية وليست سياسية.
ورأى المركز أن أي اتفاق جديد لترسيم الحدود سيكون نافذة يتم من خلالها الولوج إلى خلق تفاهمات بين دول المنطقة لحماية الخليج من العودة إلى التوتر.
إذ أن الخلاف بين إيران من جهة والسعودية والكويت من جهة أخرى بشأن حقل الدرة في الخليج ليس البؤرة الساخنة الوحيدة بين طهران ودول الخليج، هناك أيضًا الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران والإمارات وملفات أخرى.
وختم المركز بأن “اجتياز الثنائي الإيراني – الخليجي لهذا الاختبار سيمنح صفقة السلام بين إيران والسعودية استحكاما وجذورًا أعمق مما هي عليه الآن”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=65077