حرب إسرائيل في غزة تطغى على ملف أوكرانيا لدى الدول الخليجية

تستمر الدول الخليجية العربية في ممارسة لعبة التوازن في سياق الحرب في أوكرانيا، رغم أن انتباهها يتجه بشكل متزايد نحو الصراع المستمر في غزة.

فمنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، شهدت العلاقات الدولية تحولًا كبيرًا، حيث زادت الفجوة بين الغرب وكتلة الدول التي تُعرف بشكل متزايد بالعالم النامي، ومع ذلك، فإن هذا العالم ليس كيانًا متجانسًا، بل يتكون من مجموعات من الدول وأطراف فاعلة كبرى مثل الهند وإندونيسيا، التي تتبنى درجات متفاوتة من معاداة الغرب.

ولقد اتبعت دول مجلس التعاون الخليجي نهجًا دقيقًا في التعامل مع الحرب في أوكرانيا، فلم تتخذ جميع الدول الست في المجلس موقفًا موحدًا، حيث حافظت كل من السعودية والإمارات على علاقات وثيقة مع كلا الجانبين، بينما كانت الكويت وقطر أكثر انتقادًا لروسيا، ومع ذلك، لم تلتزم أي من دول المجلس بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ بداية النزاع.

وتشير التقارير إلى أن الإمارات والسعودية مستعدتان للعب دور أكثر نشاطًا في الوساطة لإنهاء الحرب.

تعتبر العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وروسيا أحد الأسباب التي تفسر عدم دعمها الكامل لأوكرانيا، فعلى سبيل المثال، تجاوزت قيمة التجارة الثنائية الغذائية بين روسيا ودول الخليج 1.6 مليار دولار في عام 2023.

كما زادت التجارة بين روسيا والإمارات من 5.3 مليار دولار في 2021 إلى 11.2 مليار دولار في 2023، بينما ارتفعت التجارة بين روسيا والسعودية من 2.2 مليار إلى 3.3 مليار دولار خلال نفس الفترة، وقد توسعت الروابط التجارية بين روسيا والدول الخليجية الأخرى أيضًا.

وتستمر السعودية في التعاون في مجال الطاقة مع روسيا من خلال تحالف أوبك+ كما ساعدت الإمارات روسيا في إعادة توجيه تجارتها بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي نحو الشرق الأوسط وآسيا، فمنذ عام 2022، ارتفعت التجارة بين الإمارات وروسيا لتصل إلى 11.4 مليار دولار في 2023.

وعلاوة على ذلك، انتقل العديد من الروس الأثرياء إلى دبي، حيث يُعتبر الروس من أكبر المشترين للعقارات في الإمارات.

ومع ذلك، تعبر دول الخليج عن قلقها تجاه الانخراط الروسي في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالروابط العسكرية والسياسية المتوسعة مع إيران، وما يتردد عن محادثات بشأن تسليم روسيا صواريخ للحوثيين في اليمن، استخدمت السعودية والإمارات علاقاتهما كوسيط في النزاع الأوكراني، حيث قامت كل منهما بالتفاوض على تبادل الأسرى، كما استضافت السعودية مؤتمر سلام في أغسطس 2023 بمشاركة أوكرانيا ودول رئيسية، رغم غياب روسيا.

وخلال الصيف، عقدت دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة اجتماعات على مستوى وزاري، تناولت الحرب في أوكرانيا بمشاركة ممثلين من العديد من الدول. وفي يونيو، أرسلت الإمارات 250 طنًا من المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا، وانضمت السعودية والإمارات إلى أكثر من 90 دولة في “قمة السلام” في سويسرا، التي لم تضم روسيا، ومع ذلك، اختارت السعودية والإمارات عدم التوقيع على الوثيقة النهائية، بينما قامت قطر بذلك، بينما كانت دول المجلس مستعدة لدعم بعض قرارات الأمم المتحدة التي تدين تصرفات روسيا، إلا أنها لم تتخذ خطوات جادة للضغط على موسكو، مثل تنفيذ العقوبات الغربية.

ومنذ أواخر عام 2023، ومع تصاعد الحرب في غزة، بدأ الصراع الأوكراني يتراجع في أولويات دول الخليج. يُنظر إلى مأساة غزة على أنها أقرب جغرافيًا وثقافيًا، بينما يُعتبر الصراع في أوكرانيا نزاعًا أوروبيًا بحتًا لا يشكل تهديدًا مباشرًا للمنطقة الخليجية، على الرغم من ذلك، حاولت الإمارات تسهيل التبادلات بين كييف وموسكو من خلال اتصالات سياسية وتبادل الأسرى.

وتستمر دول الخليج في البحث عن فرص دبلوماسية وتجارية في الحرب الأوكرانية. كقوى متوسطة طموحة، تسعى السعودية والإمارات إلى تعزيز الروابط التجارية والاستثمارية مع روسيا، مع إظهار تضامنها العلني مع الأوكرانيين.

وتبقى أوكرانيا مهمة كمصدر رئيسي للغذاء للعالم النامي، حيث ترغب السعودية والإمارات في تقديم نفسيهما كفاعلَين رئيسيين.

إن الحرب في أوكرانيا، على الرغم من اعتبارها في أماكن أخرى مثالًا صارخًا على انتهاك المعايير الدولية فيما يتعلق بالسيادة وحدود الدول، تقدم فرصًا وتحديات للدول الحيادية. حتى الآن، تمكنت دول الخليج من التنقل عبر الفجوة المتعلقة بأوكرانيا لتحقيق منافعها الخاصة، حيث تسعى كل من أوكرانيا والدول الغربية وروسيا إلى كسب تأييدها في القضايا الحيوية المتعلقة بالصراع والأمن العالمي، ومع اقتراب ترامب من ولاية ثانية في يناير 2025، من المتوقع أن تزداد الضغوط الدبلوماسية من أجل حل النزاع، ومن المرجح أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي لعبة التوازن استجابةً لجهود الولايات المتحدة لإنهاء الصراع.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.