حرب إسرائيل على غزة ولبنان.. دول الخليج في نيرات المواجهة

مع دخول حرب إسرائيل على غزة ولبنان والمواجهة مع محور المقاومة عامها الثاني، كذلك تصاعد وتيرة الأحداث العسكرية بصورة غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع إسرائيل، لم تكن دول الخليج بمنأى عن تداعياتها المباشرة وغير المباشرة.

وتجد دول الخليج نفسها بين نيران المواجهة، لاسيما مع دخول أنصار الله (الحوثيين) في اليمن على الخط، فيما اسمّاها المحور بفتح “جبهة الإسناد” لغزة، بحسب تحليل سياسي نشره مركز البيت الخليجي للدراسات والنشر.

ومع بداية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، تباينت مواقف دول الخليج بين الإدانة “الصريحة” لحماس وللهجوم، لاسيما من الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وبين الموقف المتحفظ على العملية دون إدانة صريحة لحماس، وإلقاء المسؤولية على العنف الإسرائيلي الذي تنامى بعد تولي اليمين المتطرف الحكومة.

وقد تلاشى هذا التباين “المُعلن” مع التوحش الإسرائيلي في غزة لرد الاعتبار العسكري والاستخباراتي، وتشكٌّل رأي شعبي عربي وإسلامي مناهض لأعمال الإبادة والتدمير لقطاع غزة داعيًا هذه الحكومات للضغط لوقف الحرب.

ورغم الإدانة الرسمية للأعمال العسكرية الإسرائيلية التي لوحت بإشعال حرب إقليمية ودعوتها لوقف الحرب على غزة، إلا أن لهذه الدول اعتباراتها وتحفظاتها السياسية والأمنية “المتباينة” تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية، كذلك تجاه محور المقاومة التابع لإيران الذي استهدف لعقود أمن ومصالح دول كالسعودية والإمارات والبحرين والكويت، عسكريًا وأيديولوجيًا، حد قطع وتوتر العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

ومع احتفاظ سلطنة عُمان وقطر بعلاقات دبلوماسية جيدة مع إيران، تمكنت الأولى من لعب دور قناة التواصل بين طهران وواشنطن منذ مفاوضات الاتفاق النووي في 2015، ولتبادل الرسائل منذ التصعيد العسكري في أكتوبر إلى جانب وساطتها بين أطراف الصراع لتبادل وجهات النظر حول مسار السلام في اليمن.

بالتوازي، لعبت قطر دور الوسيط -إلى جانب مصر- في المفاوضات بين حماس وإسرائيل منذ بداية الحرب لعلاقتها مع الولايات المتحدة واستضافتها أعضاء المكتب السياسي لحماس منذ عام 2012 بناءً على الطلب الأمريكي وقتئذ.

ومع إعلان دول الخليج عدم اعتبارها طرفًا في الصراع، دعت جميع الأطراف إلى خفض التصعيد وإنهاء الحرب التي قد تستهدف مصالحها الإستراتيجية في المنطقة.

الحرب في غزة ومسار التطبيع

منذ بدء مسار التطبيع الخليجي مع إسرائيل عبر الاتفاقيات الإبراهيمية التي وقعتها كلٌ من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب عام 2020 برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب لدواعي استراتيجية واقتصادية وأمنية خاصة بها، لم تتحقق هذه الاتفاقات أية نتائج إيجابية على مستوى الصراع الفلسطيني في الأراضي المحتلة مع إسرائيل، رغم ما أعلنته دبلوماسيتها من استعداد إسرائيلي لتقديم تنازلات للجانب الفلسطيني، الذي لم يكن بالأساس طرفا في هذه الاتفاقيات.

إدارة الرئيس بايدن بعد مواقفها الانتخابية التي تبنت عزل السعودية إقليميًا ودوليًا، سعت نحو تحقيق انفراج سياسي مع الرياض، لاسيما بعد الحرب الروسية – الأوكرانية ورفض السعودية زيادة معدلات إنتاج النفط والالتزام بالإنتاج وفق إتفاق أوبك بلس.

مضت واشنطن منذ بداية عام 2023 في الدفع باتفاقية تطبيع تاريخية بين السعودية وإسرائيل لتحقيق مكسب سياسي وازن في الانتخابات الرئاسية، وهو ما توافق مع التوجه السعودي في دولة مزدهرة اقتصاديًا وأمنيًا في منطقة مستقرة خالية من الصراعات وفق رؤية 2030.

في سبيل ذلك، أعادت الرياض في أبريل 2023 علاقاتها الدبلوماسية مع طهران برعاية الصين فيما عرف بـ “إتفاق بكين” دون الحاجة لواشنطن، وأدارت الرياض محادثات التطبيع مع الولايات المتحدة باشتراط تحالف دفاعي مشترك وتعزيز إمكانيات المملكة النووية (المدنية)، إلى جانب الالتزام بمسار لدولة فلسطينية، بحسب تصريحات الدبلوماسيين السعوديين، أو وفق ما نصت عليه المبادرة العربية لضمان حق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة.

عملية السابع من أكتوبر والحرب على غزة أجبرت جميع الأطراف على إرجاء الاتفاق في ظل التصعيد العسكري على عدة جبهات إقليمية ورأي عام بات أكثر تعاطفًا مع المعاناة الإنسانية في غزة.

ومع انعدام أي أفق قريب لعقد إتفاق تطبيع سعودي – إسرائيلي، بات خطاب الرياض أكثر تأكيدًا على إقامة الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع.

العلاقات بين إسرائيل والدول المطبَعة كالإمارات والبحرين التي اعتبرت عملية السابع من أكتوبر عملية “إرهابية”، استمرت قبل أن تتراجع عن نبرتها وتستخدم نبرة أكثر حدة في خطابها السياسي نحو العنف الإسرائيلي في ظل الاستنكار الشعبي للجرائم الإسرائيلية، وتصريحات الحكومة الإسرائيلية (الاستفزازية) التي ألقت بمسؤولية إعادة الإعمار على عاتق دول الخليج، حيث نشر وزير الخارجية الإماراتي على صفحته في اكس عن عدم استعدادية الإمارات “لدعم اليوم التالي من الحرب في غزة دون إقامة دولة فلسطينية”.

الموقف من حماس والجهاد الإسلامي

تتشارك الرياض وأبوظبي الرؤية الأمنية تجاه الميليشيات المسلحة التابعة لمحور المقاومة، ومن بينها الفصائل الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي.

وتعتبر السعودية والإمارات حماس حركة إرهابية بحكم انتمائها الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين رغم سعي حماس للانفصال عنها عمليًا بعد إعلانها وثيقة المبادئ والسياسات العامة في 2017، كذلك لانقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في 2006، وهو ما عارضته هذه الحكومات باعتبار حماس تعزز الانقسام داخل المنظومة السياسية الفلسطينية.

ارتباط حماس السياسي والعسكري بمحور المقاومة – المدعوم إيرانيًا – جعل هذه الحكومات تبدي الكثير من التحفظ على الأعمال العسكرية والمواقف السياسية للحركة، لاسيما في ظل الصراعات والاستقطابات الطائفية التي عمّت المنطقة بعد أحداث الربيع العربي وصعود الحوثيين في اليمن وهجماتهم التي استهدفت المنشآت النفطية في أرامكو ومنشآت حيوية في أبوظبي ودبي.

ورغم الدور السعودي والإماراتي في إرسال المساعدات الإنسانية لغزة وإدانتها لاستهداف المدنيين ولأعمال الإبادة والتدمير للقطاع إلا أنه من الواضح أن كلا من الرياض وأبوظبي لا تمانعان تحجيم سلطة حماس على القطاع.

يذكر أن القمة العربية الإسلامية المشتركة “غير العادية” التي استضافتها السعودية في نوفمبر 2023 قد تمخضت عن تشكيل لجنة مصغرة من وزراء الخارجية، ترأسها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لممارسة الضغط الدولي لإنهاء الحرب وللاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنها لم تنجح في إحراز أي نتائج ملموسة حتى اللحظة.

الحرب على لبنان

دخل حزب الله خط المواجهة العسكرية مع إسرائيل مبكرًا ووجد الحزب نفسه بعد عام أمام حرب ثانية مع إسرائيل مختلفة عن حربه الأخيرة في تموز 2006. تعرض الحزب لاستهداف عسكري واستخباراتي عبر ضربات غير مسبوقة منذ تأسيسه.

ومنذ دخول الحرب على لبنان مرحلة جديدة في سبتمبر الماضي بعد اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله وتصفية بنيته السياسية والعسكرية واستهداف المناطق المدنية ونزوح الآلاف من سكان الجنوب الذين يمثلون الحاضنة الشيعية للحزب، أطل شبح الحرب الاهلية برأسه على الاستقرار السياسي الهش بين الطوائف في لبنان.

كان لهذا التصعيد العسكري في لبنان صداه “الخجول” في الخليج في شكل إدانات تحذّر الأطراف من “اتساع رقعة العنف في المنطقة” و”الحفاظ على السيادة اللبنانية”، ما يعبرعن موقف متحفظ لهذه الحكومات نحو الوضع العام في لبنان والعلاقات المتوترة مع حزب الله الذي لا تمانع أغلبية دول الخليج تقليم مخالبه.

وكان حزب الله بوصفه ذراع إيران الرئيسية قد ضاعف من هجماته الإعلامية على دول الخليج، لاسيما بعد تضخم شعور “المنتصر” بعد حربه الأولى مع إسرائيل.

بالتوازي، تداعت شعبية الحزب بعد تدخّله العسكري في سوريا في 2013، وهو ما دفع دول الخليج – التي انحازت إلى جماعات المعارضة – إلى تبني مواقف أكثر سلبية من حزب الله إلى جانب دوره في دعم جماعات المعارضة في السعودية والبحرين، حيث تم تصنيفه في بعض دول الخليج كمنظمة إرهابية في عام 2016.

ورغم التوتر بين حزب الله ودول الخليج والموقف الخليجي المناهض لهيمنة حزب الله على السياسة اللبنانية والفراغ الرئاسي، أرسلت هذه الدول مساعدات إغاثية إلى لبنان امتدادا لمساهماتها في دعم الشعب اللبناني منذ الحرب الأهلية ومساهمتها في إعادة الإعمار بعد حرب 2006 ودعم المؤسسات اللبنانية، كما دعت الرياض إلى عقد “قمة متابعة عربية وإسلامية” في 11 نوفمبر الجاري لبحث استمرار العدوان على غزة ولبنان.

الخليج ومآلات المواجهة

منذ التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة ولبنان وغيرها من جبهات محور المقاومة وصولاً إلى استهداف إيران وردها على إسرائيل، اختارت دول الخليج الحياد لأراضيها وأجوائها والبناء على العمل الدبلوماسي لتجنب آثار التصعيد عليها.

حافظت السعودية على علاقاتها مع إيران في إطار إتفاق بكين واستقبلت دبلوماسيين إيرانيين للتباحث منذ بدء التصعيد في أكتوبر الفائت.

تجد إيران نفسها مُجبرة على الالتزام بالاتفاق في ظل محاولاتها تجنب الحرب الشاملة التي قد تهدد نظامها السياسي، وللدفع بضغوط أكبر على الولايات المتحدة عبر حلفاؤها في الخليج، وهو الأمر الذي انعكس في ضربة إسرائيلية تم تحجيمها حتى لا تستهدف مرافق ومنشآت إيران النفطية.

تجمع دول الخليج على رفض الواقع الإنساني الكارثي في الأراضي الفلسطينية الذي تسعى من خلاله إسرائيل إلى تأمين حدودها من أي عمليات مماثلة لعملية السابع من أكتوبر عبر إمكانية التواجد العسكري في غزة، ما يؤجل أي اتفاقية للتطبيع دون إلغائها.

وفي ظل عدم وجود أي مصلحة لدول الخليج في خروج حزب الله وباقي فصائل المحور منتصرين من هذه الحرب، وعلاقة دول الخليج السلبية بحزب الله في لبنان، قد لا تقوم بعد قمة “المتابعة” بعمل دبلوماسي مماثل لعملها الدبلوماسي في 2006 لدعم الحكومة اللبنانية في إصدار القرار 1701.

الأقرب هو أن تتبنى دول الخليج ترك الذراع الإيراني في لبنان هذه المرة لـ “اللوي” على يد إسرائيل وعلى يد أعدائه في الداخل اللبناني، ثم تعود دول الخليج لممارسة ثقلها في لبنان لتثبيت اتفاق الطائف ولدعم تطبيق القرار 1701.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.