كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن وساطة سرية تقودها الإمارات بين إسرائيل والنظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وسط مؤشرات على حوار غير مباشر يتناول ملفات أمنية وسياسية حساسة بين الطرفين.
ورغم النفي الرسمي من وزارة الخارجية الإماراتية، أكّد الرئيس السوري خلال زيارة إلى باريس أن محادثات غير مباشرة “بوساطة دولة ثالثة” تجري بالفعل، دون أن يسميها. لاحقًا، أشارت مصادر مطلعة إلى أن الدولة الوسيطة هي الإمارات.
ووفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت، عُقدت ثلاث جولات من المحادثات حتى الآن في أبو ظبي، داخل منزل خاص يعود إلى مسؤول إماراتي رفيع. وجمعت اللقاءات بين وفد سوري يتألف من ثلاثة من مستشاري الرئيس الشرع، وممثلين إسرائيليين هما أكاديميان يحملان خلفية أمنية بارزة.
وخلال المحادثات، نقل الوفد السوري طلبًا واضحًا لوقف الغارات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية، ومنح القيادة الجديدة في دمشق مزيدًا من الوقت “لإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية”، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد.
كما عبّر الجانب السوري عن امتعاضه من استمرار السيطرة الإسرائيلية على تسعة تلال استراتيجية داخل الأراضي السورية، مشيرين إلى أن ذلك يُعدّ عقبة رئيسية أمام أي تقدم سياسي.
أجواء ودية ورسائل تطمينية
بحسب المصادر، جرت اللقاءات في أجواء “غير رسمية ومريحة”، حيث جلس الطرفان وجهًا لوجه في حضور ضيافة إماراتية وصفت بأنها “فاخرة”، بهدف تسهيل المناقشات.
وأكد مسؤول إسرائيلي مشارك أن “الوساطة الإماراتية تميزت بالصبر والاحتراف”، مشددًا على أن الجولات كانت “تمهيدية وغير ملزمة”، لكنها أطلعت القيادتين في تل أبيب ودمشق بنتائجها.
المحادثات شهدت تغييرًا ملحوظًا في لهجة الخطاب السوري. فوفق مسؤولين إسرائيليين، توقف ممثلو دمشق عن استخدام مصطلحات عدائية مثل “الكيان الصهيوني”، وبدأوا بالإشارة إلى “دولة إسرائيل”، وهو ما عُدّ مؤشراً على تبدل في الخطاب الرسمي.
رسائل إلى إسرائيل: لا مواجهة… ولا وجود إيراني
في الجولة الأخيرة، التي عُقدت بعد زيارة الرئيس الشرع إلى أبو ظبي في 13 أبريل، نقل المندوبون السوريون رسالة مباشرة من الرئيس، أكد فيها أن دمشق “لا تسعى إلى الدخول في أي صراع مع جيرانها”، بما في ذلك إسرائيل.
وفي تطور بارز، أكّد أحد أعضاء الوفد السوري أن “إيران طُردت من سوريا”، مشيرًا إلى أن النظام الجديد “لن يسمح لها بالعودة”، في إشارة فسّرها مراقبون على أنها محاولة لطمأنة الجانب الإسرائيلي وإثبات استقلالية القرار السوري الجديد عن طهران.
وتُشير التقارير إلى أن الطرفين عبّرا عن رغبة مبدئية في توسيع المحادثات لتشمل ملفات ذات طابع إنساني واقتصادي. من بين المقترحات التي طُرحت: مساعدات طبية إسرائيلية للمناطق المنكوبة في سوريا، وتبادل أكاديمي يشمل إرسال طلاب سوريين للدراسة في إسرائيل.
كما ناقش الجانبان أوضاع الطائفة الدرزية في سوريا، حيث شدد ممثلو تل أبيب على أن إسرائيل “لن تتسامح مع أي تهديد يطال إخوانها من الطائفة الدرزية”، رغم إشادتهم بنبرة الاعتدال التي حملها الوفد السوري.
الدور الإماراتي: تنسيق رفيع المستوى
وبحسب الصحيفة، فإن وزارتي الخارجية والمخابرات الإماراتية – وكلاهما يقودهما شقيقا رئيس الدولة – تولتا تنظيم المحادثات والإشراف عليها بشكل مباشر. ويرى مراقبون أن هذا يعكس رغبة إماراتية في لعب دور محوري في إعادة تشكيل خريطة العلاقات في المنطقة بعد التغيرات الأخيرة في سوريا.
يُذكر أن ممثلين عن الجانبين السوري والإسرائيلي التقوا مؤخرًا في منتديات دولية بأوروبا، حيث لوحظ انفتاح غير مسبوق من الجانب السوري في الحوار مع الإسرائيليين، ما اعتُبر تمهيدًا للقاءات أبو ظبي.
ورغم المؤشرات الإيجابية، لا تزال المحادثات في مراحلها الأولية، وتواجه عقبات سياسية وميدانية معقدة. غير أن التحول في الموقف السوري، والانفتاح الإماراتي على الوساطة، قد يفتحان نافذة جديدة لمسار تفاوضي لم يكن مطروحًا منذ سنوات.
ويؤكد محللون أن استمرار هذه اللقاءات سيعتمد إلى حد بعيد على مدى استعداد إسرائيل لخفض منسوب العمليات العسكرية في سوريا، وعلى قدرة النظام الجديد في دمشق على تقديم ضمانات أمنية حقيقية وتحقيق الاستقرار الداخلي.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71526