في الرابع عشر من مايو/أيار الجاري شهدت تركيا انتخابات رئاسية وبرلمانية اعتبرت مفصلية بالنسبة لتاريخها السياسي.
وجرت الانتخابات في ظل حالة استقطاب حادة يعيشها المجتمع التركي بسبب عدد من التحديات السياسية والاقتصادية.
وتزامنت الانتخابات مع استمرار الاضطرابات الإقليمية والتحديات الدولية التي فرضت حالة من التحشيد ضد الحكومة التركية الحالية.
وتناول مركز “الفكر الاستراتيجي للدراسات والنشر” ما اكتسبته انتخابات تركيا من أهمية خارجية نظراً للدور التركي الفاعل على المستوى الإقليمي والدولي.
وقد انعكس هذا الاهتمام الدولي في عناوين الصحف الغربية التي هاجمت مرشح ائتلاف الجمهور الحاكم لاعتبارات عدة أبرزها معارضة تلك الدول للسياسات المستقلة التي تبنتها تركيا في السنوات الأخير.
في حين أن فوز المعارضة بزعامة كليتشدار أوغلو، كان سيسمح لتركيا بمزيد من الانخراط في تأييد الدول الغربية وحلف الناتو في العديد من النزاعات الدائرة حالياً، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا.
بالمقابل تريد أطراف دولية وإقليمية أخرى، على غرار روسيا، استمرار الحزب الحالي، من أجل المضي في الاتفاقات الأمنية والسياسية التي شكلت المنطقة في السنوات الأخيرة.
وقد تفوق ائتلاف الجمهور الحاكم بالأغلبية البرلمانية عكس حالة إحباط للتيار الغربي الذي توقع سقوطه، وانعكس ذلك في طريقة تناول وسائل الإعلام الغربية للنتائج الأولى للانتخابات التركية.
هذا الإحباط سيخفف من حالة التحشيد الغربي الداعمة لتيار المعارضة، كما أن ردود الفعل هذه سيكون لها انعكاس على الناخب التركي.
إذ يبرز الحس القومي التركي لدى مختلف التيارات السياسية– خصوصاً اليمينية منها- بأن تركيا يجب أن يكون لها حضور قوي ومؤثر في المنطقة والعالم، والاختلاف يكون في بعض التفاصيل المتعلقة بماهية هذا الحضور، وما إن كان يمكن تمثيله عن طريق التدخل العسكري في سوريا، أو الاضطلاع بدور الوسيط في أوكرانيا، أو رفض انضمام السويد لحلف الناتو.
الجولة الثانية.. عوامل الحسم وتحدياته
على الرغم من تقدُّم أردوغان بأكثر من مليونين و500 ألف صوت، لم ينجح في تأمين الأصوات الكافية لحسم الرئاسة من الجولة الأولى، لكونها تشترط حصول الفائز على الأغلبية من الأصوات الصحيحة (50%+1)، وهو ما تسبب في الذهاب إلى الجولة الثانية.
وفي ظل معطيات الجولة الأولى من الانتخابات، والعوامل المؤثرة في سيرورة الجولة الثانية يمكن استشراف إمكانيات الربح والخسارة لكل من مرشح ائتلاف الجمهور الحاكم وائتلاف الأمة المعارض.
وفقاً لقراءة مخرجات الجولة الأولى في الانتخابات يمكن استشراف قدرة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان على حسم الجولة الثانية لمصلحته، ويعزز ذلك:
– حصول ائتلافه على الأغلبية البرلمانية، ويُتوقع أن ينعكس ذلك إيجابياً على معنويات أنصاره.
– الفارق البسيط في مجموع الأصوات من أجل الحصول على الأغلبية، إذ حصل على 49.52%، وهي نسبة يمكن تحقيقها في حال معالجة الأصوات الملغية، وقناعة الأصوات المترددة، وتصويت أنصار محرم إنجه غير المقتنعين بمرشح المعارضة.
– تماسك الكتلة السياسية الداعمة له تعزز من ثقة الناخب، وينعكس ذلك بالتصويت له.
– تركيزه على المشاريع والإنجازات عزز من ثقة الناخب به، خصوصاً أنه التزم بتنفيذ معظم المشاريع التي وعد بها خلال مسيرته السياسية.
– الخطوات التي اتخذها عقب إعلان النتائج، على غرار خطبة الشرفة، واعترافه بقصور حزب العدالة وحاجته إلى النقد والتقويم، عزز من ظهوره قائداً قوياً، وأغلق الباب على انتقادات المعارضة.
– الاهتمام الكبير بمناطق الزلزال، دون انتقاد المحافظات التي لم تصوت له- على عكس ما فعلت المعارضة- عزز من مستوى قبوله لدى مختلف الشرائح التركية.
– إعلان سنان أوغان دعمه لمرشح ائتلاف الجمهور.
يقلل من إمكانية عدم الفوز في الجولة الثانية:
– إمكانية حدوث مفاجآت في النتائج من جراء تدخل الخارج.
– استغلال المعارضة لورقة اللاجئين وتنامي خطابها المضاد لحزب العمال الكردستاني أملاً في كسب التيار القومي.
– إمكانية تصويت جزء من كتلة سنان أوغان لمرشح المعارضة.
إمكانية فوز مرشح ائتلاف الأمة المعارض
يعزز هذا السيناريو:
– تحالفه مع الأكراد أكسبه أصوات المناطق الشرقية في تركيا، هذه الأصوات ستستمر في دعمه في الجولة الثانية، ما يعني احتفاظه بنسبة الأصوات التي دعمته في الجولة الأولى، وهذا له تأثيراته في الجولة الثانية.
– في حال تمكن من تجاوز أخطائه وإبراز مشروعه البديل يمكن أن يستعيد ثقة بعض الناخبين.
– في حال تمكن من التوصل إلى تسوية وتوافق مع مرشح ائتلاف الأجداد فقد يحصل على أصواته الانتخابية.
– مشاركة أكرم إمام أوغلو في الحملة الانتخابية للجولة الثانية قد يكون لها تأثير إيجابي في مصلحة مرشح المعارضة.
ومما يضعف هذا السيناريو:
بالنظر إلى العوامل المؤثرة في سيرورة الجولة الثانية يمكن استشراف صعوبة حسم كمال كليتشدار أوغلو الجولة الثانية لمصلحته، ويعزز ذلك:
– فارق الأصوات التي حصل عليها مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو كبير، ولا يمكن حسمه بسهولة.
– ضعف الحملة الانتخابية، وفشل الرهانات التي بني عليها ائتلاف المعارضة.
– عدم تماسك كتلة ائتلاف المعارضة بسبب الاختلافات الجذرية التي لا تساعد على تأسيس تحالف سياسي، بقدر ما تقتصر على جمعهم على أهداف انتخابية تكتيكية.
– عدم خروجه بإعلان موحد عقب الانتخابات عكس حالة التخبط التي يعيشها الائتلاف المعارض، وقلل من ثقة الناخب التركي به؛ بأنه قائد قادر على توحيد وإدارة خلافات ائتلافه.
– العزوف المتوقع لبعض أنصار المعارضة عن التصويت لأسباب عدة، أبرزها: صعوبة العودة إلى النظام البرلماني الذي كان سبب حماس البعض في الجولة الأولى، وتراجع التطلعات المركزية للحزب الجيد، واكتفاء التيار المحافظ في التحالف بالمقاعد البرلمانية، وترجيح نجاح مرشح الحزب الحاكم.
خاتمة: انطلاقاً من القراءة الأولية لنتائج الانتخابات التركية، بالإضافة إلى تنامي العوامل والمتغيرات المؤثرة في سيرورة الجولة الثانية، يبدو أن حظوظ مرشح ائتلاف الجمهور الحاكم في حسم الجولة الثانية من الانتخابات التركية لمصلحته أكبر من حظوظ مرشح ائتلاف الأمة المعارض.
والسبب الرئيسي يكمن في حالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي القائم في الداخل التركي، بالإضافة إلى التحديات التي تفرضها الظروف الخارجية، والتي تجعل من مسألة الركون إلى تجربة سياسية جديدة في الحكم نوعاً من المخاطرة التي قد تضر باستقرار تركيا ومضيها في مشاريعها الداخلية والخارجية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=62820