تسعى تركيا للحصول على دعم دول الخليج لضمان استقرار سوريا، حيث زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان في أبوظبي لمناقشة الأوضاع الإقليمية.
فبعد انهيار نظام بشار الأسد في سوريا بشكل مفاجئ خلال 11 يومًا فقط، الأمر الذي صدم العالم ووضَع تركيا كلاعب رئيسي في تشكيل مستقبل البلاد، ومع ذلك، لا يزال المسؤولون الأتراك في أنقرة حذرين، فهم مصممون على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت خلال “الربيع العربي” في العقد الماضي، والذي غرق المنطقة في الفوضى.
كما أنهم يدركون ضرورة الحصول على دعم حلفاء إقليميين وقوى غربية من أجل استقرار سوريا، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة، فلم تنسَ أنقرة المخاطر التي شهدتها في الماضي، مثل احتمال تحول سوريا إلى دولة مفككة على غرار ليبيا، حيث قسمت الفصائل المتحاربة البلاد، أو على غرار مصر حيث تم سحق تجربة ديمقراطية قصيرة بعد عام واحد فقط.
ويسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على سبيل المثال، إلى إشراك دول الخليج – التي كانت حذرة من حركات مثل الإخوان المسلمين – لضمان دعمها طويل الأمد لمستقبل سوريا.
وقال مصدر مطلع على تفكير الحكومة التركية “يعتقد الرئيس أن المخاوف التي طرحتها السعودية، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، يجب أن تُسمع، وأن نصائحهم في سوريا يجب أن تُقدّر”.
ومن المقرر أن يحضر أردوغان قمة في القاهرة يوم الخميس المقبل، حيث من المتوقع أن يناقش مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حكومة سوريا الجديدة. ويعرف السيسي بمواقفه المعارضة للجماعات الإسلامية، ويتشارك مع تركيا القلق بشأن صعود “هيئة تحرير الشام” (HTS) في دمشق، التي كانت مركزًا للقومية العربية في يوم من الأيام.
لكن طموحات أنقرة تتجاوز مجرد الحوار، فهي تشمل ديناميكيات جيوسياسية معقدة مترابطة مع القضايا الواقعية التي ستشكل أجندة الحكومة السورية الجديدة.
وعلى الرغم من أن تركيا لطالما نفت دعمها المباشر لـ “هيئة تحرير الشام” – التي كانت في السابق فرعًا لتنظيم القاعدة وهزمت قوات الأسد واحتلت دمشق – فإنها لا تخفي تأثيرها على المجموعة.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في تصريح تلفزيوني الأسبوع الماضي: “لا أحد يعرف هذه المجموعة أفضل من تركيا”.
ومنذ ذلك الحين، قام فيدان بتنسيق الجهود مع عدة جهات إقليمية ودولية، بما في ذلك مجموعة الاتصال العربية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، خلال قمة في العقبة بالأردن. وأكد البيان الختامي للقمة على ضرورة تأسيس حكومة سورية شاملة وغير طائفية وتمثيلية عبر عملية شفافة، مع التأكيد على احترام حقوق النساء والأقليات.
وقال مسؤول تركي: “لم نعبر بعد عن توقعات محددة من الدول الإقليمية”.
ومع ذلك، يستمر المسؤولون الأتراك في التأكيد على رغبتهم في أن تكون سوريا محايدة.
وقال فيدان في تصريح له يوم الجمعة: “رغبتنا هي ظهور سوريا لا تشكل تهديدًا للدول الأخرى – خصوصًا من ناحية الإرهاب”. وأضاف أن تركيا لا تريد أن تكون سوريا تحت الهيمنة الإيرانية أو التركية.
كما دعت أنقرة إسرائيل إلى وقف غاراتها الجوية على المواقع العسكرية السابقة للأسد، متهّمة إياها بخرق الحدود والاقتراب أكثر من دمشق.
الهدف الآخر للمسؤولين الأتراك هو إقامة نظام إقليمي جديد، وقال فيدان: “نحن لا نريد هيمنة إيرانية في المنطقة، ولا نريد هيمنة تركية أيضًا”.
وأضاف: “يجب على السعودية والإمارات وقطر وتركيا ودول أخرى أن تتعاون في إطار ثقافة من التعاون واحترام حدود وسيادة كل دولة، بخلاف الاحترام، يجب أن نلتزم بحماية بعضنا البعض، وإلا ستتدخل القوى الخارجية، وتستغل الاستقطاب الإقليمي، مما يتسبب في صراعات طويلة الأمد ومكلفة”.
وقد أدت محاولات تركيا في التقارب مع الإمارات إلى تغيير في الخطاب لدى القادة الخليجيين، الذين كانوا يدعمون في السابق عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية.
وقد غيّر عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي المقرب من حكام الإمارات، نبرته مؤخرًا بعد التواصل المباشر مع حكومة “هيئة تحرير الشام”، قائلاً إن أبوظبي ستكون في طليعة الدول التي تستثمر في الاقتصاد السوري.
ويدرك المسؤولون الأتراك أن أي جهود لإعادة إعمار سوريا ستتطلب تمويلًا من دول الخليج مثل الإمارات، وكذلك من القوى الغربية مثل الاتحاد الأوروبي.
حيث أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال زيارة إلى أنقرة يوم الثلاثاء، أن بروكسل ستزيد من مشاركتها في جهود التعافي المبكر في سوريا، بما يشمل خدمات أساسية مثل الكهرباء والمياه والبنية التحتية.
وقالت: “لقد أطلقنا جسرًا جويًا إنسانيًا، ومن المتوقع وصول أولى الإمدادات هذا الأسبوع”، مما يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي مستعد للمشاركة في جهود إعادة الإعمار في سوريا، وهي خطوة لقيت ترحيبًا من المسؤولين الأتراك.
ومع ذلك، تبقى روسيا، التي تحتفظ بقاعدة عسكرية في سوريا، حيث تطالب بعض دول الاتحاد الأوروبي بانسحاب روسيا من سوريا قبل أن تلتزم بدعم الحكومة الجديدة، ومن المتوقع أن موسكو تجري مفاوضات مع مسؤولي “هيئة تحرير الشام” بشأن مستقبل وجودها العسكري.
واحدة من الحوافز المحتملة لـ “هيئة تحرير الشام” هي إمكانية إزالة اسمها من قائمة الإرهاب في الأمم المتحدة، حيث تمتلك روسيا حق الفيتو.
وتأمل أنقرة أن تعترف كل من روسيا وإيران بالإدارة التي تقودها “هيئة تحرير الشام”، وتعيد فتح سفاراتها في دمشق، وتساهم في جهود الاستقرار.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69724