أعلنت الحكومة التركية عزمها إبرام اتفاقية للتنقيب عن الطاقة البحرية مع سوريا خلال عام 2026، في خطوة تعكس تعمّق التعاون الثنائي في قطاع الطاقة منذ أواخر عام 2024، وتفتح الباب أمام تحولات محتملة في خريطة التوازنات بشرق البحر الأبيض المتوسط.
وصرح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، بأن أنقرة تخطط لتوقيع اتفاقية محددة للتنقيب البحري مع دمشق العام المقبل، بهدف تقييم الإمكانات المحتملة لموارد الطاقة قبالة الساحل السوري.
وأوضح بيرقدار، أن الخطوة قد تتبعها أبحاث زلزالية بحرية لتحديد طبيعة الحقول ومخزونها المحتمل.
وأشار إلى أن البلدين وقّعا بالفعل اتفاقية إطارية عامة للتعاون في مجال الطاقة في وقت سابق من عام 2025، تشكّل الأساس القانوني والسياسي للانتقال إلى اتفاقيات تنفيذية أكثر تفصيلًا.
وقال الوزير التركي: «نخطط لتوقيع اتفاقية محددة للتنقيب البحري في عام 2026. وبعد توقيعها، قد نجري أبحاثًا زلزالية لمعرفة ما يقدمه لنا الحقل»، محذرًا في الوقت نفسه من أن الاتفاق لا يعني بالضرورة بدء عمليات تنقيب فورية، بل يهدف في مرحلته الأولى إلى التقييم الفني والاستكشاف.
وتأتي هذه الخطوة في سياق توسّع الدور التركي في سوريا بعد انهيار حكومة الرئيس السابق بشار الأسد، حيث برزت أنقرة لاعبًا رئيسيًا في إعادة ترتيب قطاعات حيوية، وعلى رأسها الطاقة والبنية التحتية.
وخلال العام الماضي، انتقلت العلاقات بين الجانبين من التنسيق المحدود إلى شراكات واسعة النطاق، شملت الغاز الطبيعي والكهرباء والنفط والتعدين.
ويرجّح مراقبون أن تثير الاتفاقية البحرية المرتقبة قلق كل من اليونان وقبرص، في ظل مخاوف من أن تمهّد لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة مشتركة بين تركيا وسوريا، ما قد يعيد إشعال التوترات القديمة في شرق المتوسط، حيث تتداخل مطالب السيادة البحرية مع مصالح الطاقة الإقليمية.
وشهد التعاون التركي السوري في قطاع الطاقة تسارعًا ملحوظًا منذ ديسمبر/كانون الأول 2024. ففي 29 مايو/أيار 2025، وقّع الطرفان أكبر اتفاقية طاقة بينهما، شملت مجالات الغاز الطبيعي والكهرباء والتعدين والبترول، مع تركيز خاص على التنسيق الفني، وتبادل البيانات، وتشجيع الاستثمارات المشتركة.
ومن أبرز المشاريع التي نُفّذت في إطار هذه الاتفاقية، الانتهاء من خط أنابيب الغاز الطبيعي بين ولايتي كيليس التركية وحلب السورية في يونيو/حزيران 2025.
وبموجب هذا المشروع، من المتوقع أن تزوّد تركيا سوريا بنحو ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، ما يسمح بتوليد ما يقرب من 1300 ميغاواط من الكهرباء.
كما يشمل التعاون إنشاء خط نقل كهرباء عالي الجهد بقدرة 400 كيلوفولت لربط شبكتي الطاقة في البلدين. ومن المنتظر أن يبدأ تشغيل الخط مطلع عام 2026، مع قدرة على دعم واردات كهرباء تصل إلى 500 ميغاواط، ما يساهم في معالجة النقص الحاد في الطاقة داخل سوريا.
وفي موازاة ذلك، أُبرمت اتفاقية تعاون استراتيجي بقيمة 7 مليارات دولار، تضم شركة كاليون القابضة التركية، وشركة جنكيز القابضة، وشركة UCC القطرية، إلى جانب شركة Power International الأميركية. وتهدف الاتفاقية إلى تنفيذ مشاريع كبرى لتوليد الطاقة داخل سوريا.
وخلال مراسم التوقيع، اتفق الشركاء على إنشاء محطات توليد كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي بنظام الدورة المركبة، بقدرة إجمالية تصل إلى 4000 ميغاواط، موزعة على مواقع في تريفي، وزيزون، ودير الزور، ومحردة.
كما تشمل الخطة بناء محطة طاقة شمسية بقدرة 1000 ميغاواط في منطقة فيديان الربيع، في خطوة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ويرى محللون أن توجه تركيا نحو التنقيب البحري قبالة السواحل السورية يندرج ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذها الإقليمي في قطاع الطاقة، وربط مشاريعها في البر والبحر ضمن شبكة مصالح اقتصادية طويلة الأمد.
ويعكس سعي أنقرة إلى توسيع حضورها في شرق المتوسط، في وقت تتزايد فيه المنافسة على موارد الغاز والطاقة البحرية.
وبينما تؤكد أنقرة أن تحركاتها تستند إلى اتفاقيات ثنائية مشروعة، تبقى التداعيات الجيوسياسية المحتملة محل متابعة حثيثة، خصوصًا في ظل حساسية ملف الحدود البحرية وتشابكه مع صراعات النفوذ في المنطقة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73508