تناول تحليل صدر عن مؤسسة كارنيغي الدولية للأبحاث السياسية في واشنطن، مسارات استعادة الديمقراطية البرلمانية في الكويت التي ظلت لسنوات المثال الأكثر ديمقراطيا على المستوي الخليجي.
وبحسب التحليل اعتاد الكويتيون على مشهد سياسي داخلي يشبه أحيانًا المسلسلات الدرامية، حيث تتغير الشخصيات باستمرار، ويكثر التصعيد والمواجهات دون الوصول إلى حلول حاسمة.
وقد أدت الانتخابات البرلمانية التنافسية على مدى أكثر من جيل إلى مجالس منقسمة تصطدم مع الوزراء، مما يؤدي إلى مواجهات واستجوابات برلمانية، وحل الحكومات والمجالس، واستبدالها بأخرى جديدة تكرر الصراع ذاته.
لكن في العاشر من مايو 2024، انتهت هذه الدراما بشكل مفاجئ، فقد قام الشيخ مشعل الأحمد، الأمير الجديد، بحل البرلمان المنتخب حديثًا، وتعليق الحياة البرلمانية إلى أجل غير مسمى، معلنًا عن خطة لمراجعة الدستور تستمر أربع سنوات.
ورغم أن الخطوة كانت جذرية، إلا أن مدى التغيير المستقبلي وطبيعته لا يزالان غير واضحين.
أجبر تعليق البرلمان جميع الفاعلين السياسيين في الكويت على توجيه انتباههم إلى قضايا طويلة الأمد ذات أهمية كبرى، بدلًا من الانشغال بالصراعات السياسية قصيرة الأجل، لكن لا توجد إشارات واضحة حتى الآن بشأن كيفية حل هذه القضايا.
غالبًا ما حجبت الأزمات اليومية تطورات أكثر أهمية على المدى الطويل، فعلى مدار ستة عقود، لم يتغير نص الدستور الكويتي، لكن طريقة عمل المؤسسات الأساسية، لا سيما البرلمان، والعلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، قد تغيرت بشكل كبير.
جاء تعليق البرلمان استجابةً مباشرة لإحباطات القيادة من هذا التناقض، وشعورها بأن المجالس المنتخبة تؤدي إلى الجمود السياسي، والاستعراضات الإعلامية، والفساد.
فهل توقفت تمامًا آلة الحكم التي كانت تصدر ضجيجًا كبيرًا دون تقدم حقيقي؟ وهل ستتخلى الكويت عن تجربتها البرلمانية وتنضم إلى جيرانها في الخليج، حيث المجالس البرلمانية ذات صلاحيات محدودة، والانتخابات إما غير موجودة أو تخضع لقيود شديدة؟* أم أن الكويت ستعود إلى نظامها السابق بعد فترة تهدئة، أو استجابةً لضغط شعبي، كما حدث مرتين في الماضي؟
لا يزال من غير المؤكد في هذه المرحلة، ما إذا كانت الديمقراطية البرلمانية الكويتية ستُعاد كما كانت، أم ستُعاد بشكل مُعدَّل، أم ستُلغى بالكامل، إلا أن قرارات الأمير اثرت بشكل كبير على المشهد السياسي الكويتي، حيث خفتت بعض النقاشات العامة الصاخبة، لكن دون أن تحدد المسار المستقبلي للبلاد.
لا يزال خيار التحول الكامل نحو الحكم الاستبدادي قائمًا، كما أن اللجنة الموعودة لإصلاح الدستور وإعادة البرلمان لم تُفعَّل حتى الآن، لكن هذا الجمود لا يعني بالضرورة نية إلغاء البرلمان نهائيًا، بل ربما يشير إلى أن الإصلاح أو الاستعادة أمران مطروحان على الطاولة.
في جميع الأحوال، لا توجد حتى الآن أي مؤشرات واضحة على طبيعة التغييرات المحتملة، وبينما يبقى احتمال حدوث تغيير جذري قائمًا، قد يكون القادة الكويتيون قد اشتروا لأنفسهم بعض الوقت بدلاً من تقديم حلول نهائية.
ويبدو أن الفاعلين السياسيين الرئيسيين في الكويت يتعاملون مع الوضع ببطء شديد، ما يعني أن الإجابات ستأتي على مدار سنوات وليس أسابيع أو أشهر، وفي هذه الأثناء، يشهد المشهد السياسي الكويتي تغيرات هادئة لكنها عميقة، مما قد تكون له تداعيات كبيرة على مجتمع اعتاد على حياة سياسية حيوية ونشطة.
من الجدير بالذكر أن قطر تخلت عن فكرة الانتخابات بعد تعليق البرلمان الكويتي بستة أشهر، واستبدلتها بمجلس معيّن.
منتصف الطريق بين الملكية الدستورية والمطلقة
يعود دستور الكويت إلى عام 1961 حينما استقلت البلاد عن بريطانيا، ودخل حيز التنفيذ الكامل في عام 1962، وقد صيغت وثيقته من قبل مجلس تألف ثلثا أعضائه من المنتخبين، بينما كان الثلث الآخر من الأسرة الحاكمة، وصدر رسميًا بموجب مرسوم من الأمير.
نص الدستور على وجود برلمان منتخب يتمتع بصلاحيات واسعة، بما في ذلك سن التشريعات، ومراقبة الوزراء، والموافقة على ولي العهد، لكنه في الوقت ذاته أبقى على صلاحيات واسعة بيد الأمير، وأبرزها تعيين الوزراء وحل البرلمان.
لم تكن الملكية في الكويت مطلقة تمامًا، لكنها أيضًا لم تكن دستورية بالمعنى الكامل، حيث يحكم الملك من خلال وزراء مسؤولين فقط أمام البرلمان سياسيًا.
وكان مدى استخدام كل طرف لصلاحياته الدستورية يعتمد جزئيًا على عوامل عدة من بينها: شخصية الأمير نفسه (حيث أبدى بعض الأمراء استعدادًا أكبر للعمل مع البرلمان مقارنة بغيرهم)، وموقف كبار أفراد الأسرة الحاكمة (حيث شغل بعضهم مناصب وزارية عليا، وكان أحدهم يشغل عادة منصب رئيس الوزراء وولي العهد في آنٍ واحد حتى وقت قريب)، وتكوين البرلمان، بالإضافة إلى الأعراف والتقاليد السياسية، والتي شهدت تغيرات كبيرة بمرور الوقت.
أما من ناحية تركيبة البرلمان، فقد أصبح المجتمع الكويتي أكثر تنوعًا، وحصلت فئات جديدة من المواطنين (ومن ثم النساء) على حق التصويت، كما انضمت قوى سياسية جديدة، مثل الإسلاميين، إلى الساحة، بينما وجدت القوى التقليدية، وأبرزها القبائل الكبيرة، طرقًا جديدة لتعزيز نفوذها.
بدا أن الأسرة الحاكمة في بعض الفترات، تتجه عمدًا نحو استقطاب شرائح جديدة من المجتمع مع تزايد مطالب الفئات القديمة، ما أدى إلى تعقيد المشهد البرلماني أكثر، وأدى هذا التشظي إلى جعل النواب أكثر تمسكًا بصلاحياتهم القانونية، لكنهم في المقابل أصبحوا أقل قدرة على استخدامها بفعالية لتحقيق أجندة مشتركة.
فقد كان للبرلمان، كمؤسسة، وعي قوي بدوره في تمثيل المجتمع الكويتي بقوة ودون تردد، لكن المجتمع نفسه كان منقسمًا بطرق عدة – وهو ما انعكس على البرلمان أيضًا.
بعض هذه الانقسامات كانت سياسية بوضوح (مثل الإسلاميين والليبراليين الذين شكلوا كتلًا متميزة)، بينما كانت أخرى نابعة من البنية الاجتماعية للكويت، وأثرت على الصراعات البرلمانية لكنها نادرًا ما نوقشت علنًا، وأبرزها التنافس بين من يعتبرون أنفسهم حضر (سكان المدن) ومن يرون أنفسهم بدو (من أصول قبلية).
كما تعرضت الأعراف والتقاليد السياسية لضغوط متزايدة، فبعد أن كانت الأسرة الحاكمة في البداية تحترم الانتخابات البرلمانية، بدأت لاحقًا بالتدخل في القوانين الانتخابية، وتردد في العقود الأخيرة، أن بعض أفرادها قدموا دعمًا سريًا لمرشحين معينين.
بدأ بعض النواب منذ السبعينيات، في محاولات لاستجواب وزراء من كبار أفراد الأسرة الحاكمة، وفي عام 2006، لعب البرلمان دورًا في أزمة الخلافة، وإذا كان هناك في السابق نوع من الاحترام المتبادل بين البرلمان والأسرة الحاكمة، بحيث لا يتدخل أي طرف في شؤون الآخر، فقد انتهى ذلك منذ وقت طويل.
وبالرغم من أن الدستور لم يُعدَّل رسميًا قط، فقد شهدت القيادة السياسية تحولات هيكلية بارزة عدة، ولعل أبرزها كان الفصل بين منصبي ولي العهد ورئيس الوزراء قبل عقدين، إذ كان المنصبان في السابق مدمجين، مما جعل رئيس الحكومة خارج نطاق الرقابة البرلمانية الفعالة إلى حد كبير.
الجمود والأزمة
على الرغم من أن الدستور الكويتي لم يتغير، إلا أن طريقة تطبيقه تغيرت مع مرور الوقت، ففي العقود الأخيرة، وفر إطارًا للكثير من الجدل والنقاش، لكنه في الوقت ذاته عزز سمعة البلاد بالجمود السياسي.
لقد تعاملت الأسرة الحاكمة مع القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية منذ استقلال الكويت، من خلال العملية البرلمانية بشكل أساسي، ولكن مع بعض الاستثناءات الملحوظة، ففي مناسبتين خلال أواخر القرن العشرين، اتهم الأمراء البرلمان بخرق الأعراف السياسية للبلاد، وردوا بتعليق أو تعطيل المواد الدستورية التي تنص على وجود برلمان منتخب، وفي كلتا الحالتين، لم تواجه هذه الإجراءات مقاومة فورية، وبالتالي تم تنفيذها بالكامل.
وعلى الرغم من أن الأمراء تعهدوا بإعادة العمل بالدستور بعد تعديله بطريقة غير محددة، فإن أي تعديلات لم تحدث، وتمت إعادة البرلمان كما كان.
وقع الحدث الأول عام 1976، عندما كان الشيخ صباح السالم مريضًا، وظهرت شائعات عن خلاف حول ترشيح ولي العهد.
كان الشيخ جابر العلي، المدعوم من غالبية في البرلمان، في منافسة مع الشيخ سعد العبد الله، الذي حظي بدعم ولي العهد آنذاك، الشيخ جابر الأحمد، وأدى هذا الصراع إلى تعليق البرلمان وتعيين الشيخ سعد العبد الله وليًا للعهد.
أما الحدث الثاني، فكان في عام 1986، عقب تصاعد الانتقادات الشعبية بسبب كارثة انهيار سوق المناخ في عام 1982، حيث زادت الأزمة حدة مع توجيه اتهامات بالفساد لبعض أفراد الأسرة الحاكمة، وتم تعليق البرلمان في الوقت الذي كان يستعد فيه لإجراء تحقيق في القضية.
أدى التعليق هذه المرة إلى تعبئة مضادة ومواجهة مباشرة، فقد رفض جزء كبير من المجتمع الكويتي محاولات السلطة لاستبدال البرلمان بمجلس بديل، مما دفع العديد من النواب السابقين إلى قيادة حركة احتجاجية، غير أن المواجهة المتصاعدة قُطعت بسبب الغزو العراقي للكويت عام 1990.
اتفق أفراد الأسرة الحاكمة مع الشخصيات الكويتية البارزة، بمن فيهم المعارضون، على إعادة العمل بالدستور بالكامل بعد التحرير – وهو تعهد عززته الضغوط الأمريكية التي لعبت دورًا حاسمًا في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
عند إعادة انعقاد البرلمان، أصبح أكثر نشاطًا لكنه كان أيضًا أكثر انقسامًا من الناحية الأيديولوجية والاجتماعية والقبلية والجغرافية، وخلال العقود الثلاثة التالية، ازداد انقسام البرلمان، مما أدى إلى عرقلة اتخاذ قرارات حاسمة، لكنه أتاح مساحة أكبر للنقاش السياسي الحر مقارنة بأي مكان آخر في المنطقة، وكشف العديد من القضايا الاجتماعية وملفات الفساد، وساهم في ترسيخ مفهوم المواطنة بطريقة غير مسبوقة.
أكدت تداعيات الغزو على دور البرلمان في طرح القضايا العامة والتعبير عن المطالب الشعبية، ورغم أن حكام الكويت أبدوا إحباطهم من النظام، فإنهم لم يتحركوا ضده.
لكن التزام الأسرة الحاكمة بالنظام البرلماني واجه اختبارات عديدة، أبرزها الحركات الاحتجاجية، مثل تلك التي وقعت في 2011، والتي طالبت باستقالة رئيس الوزراء القوي، الشيخ ناصر المحمد.
استجاب الأمير حينها لمطالب المحتجين، وقبل استقالة رئيس الوزراء.
احترمت السلطة الدستور، إلا أنها كانت ترد على الأزمات البرلمانية بالدعوة إلى انتخابات جديدة، ورغم أن احتمال تعليق البرلمان للمرة الثالثة لم يكن مطروحًا بشكل علني، إلا أن التلويح به ظل قائمًا، لكنه كان يبدو خيارًا بعيد المنال بالنسبة لحكام الكويت.
تولى الشيخ مشعل الأحمد مقاليد الحكم في ديسمبر 2023. وكانت خبرته في الحُكم أقل من العديد من أسلافه، وبدا أنه يميل إلى جانب أفراد الأسرة الحاكمة الأقل تسامحًا مع النقد والنقاش الديمقراطي، وبعد أقل من خمسة أشهر، اتخذ خطوة حاسمة، ولم يقتصر الأمر على تعليق البرلمان كما حدث في المناسبتين السابقتين، بل استخدم نفس العبارات التي وردت في قرارات التعليق السابقة لتوجيه اتهامات مشابهة للنواب.
ورغم مرور أكثر من ستة أشهر على هذه الخطوة، لم يظهر أي رد فعل واضح من القوى السياسية الكويتية الرئيسية، ولا يوجد مؤشر حاسم على ما إذا كانت البلاد تتجه نحو استعادة الديمقراطية، ترسيخ الحكم المطلق، أو نوع من الإصلاح.
سياسة بلا برلمان
على الرغم من أن تعليق البرلمان في عام 2024 ليس سابقة تاريخية، إلا أنه يعد خطوة فريدة وجذرية في السياق السياسي الذي جرى فيه.
فبعد التعليقين السابقين، حدثت تحولات كبيرة في العلاقة بين الأمير والأسرة الحاكمة، وكذلك في قنوات التواصل السياسي بين الحكومة والجمهور، وخلال ذلك الوقت، لم يتغير النص الدستوري، لكن البرلمانات أصبحت أكثر صخبًا، وأكثر نشاطًا، وأقل تماسكًا.
مكن تجاوز البرلمان مؤخرًا – وبالتالي تجاوز النقاش العام الصاخب – من تعزيز السلطة على المدى القصير، لكن التغييرات التي طرأت لم تتمثل في إقصاء النواب المنتخبين فحسب، بل إن التعليق رافقته تغييرات أخرى في طريقة عمل المسؤولين المركزيين والأسرة الحاكمة، كما أنه بدأ في تشكيل مفهوم جديد للمواطنة الكويتية.
من الواضح أن الأمير عزز سلطته من خلال تعيين ولي للعهد دون المرور بآلية الموافقة البرلمانية المطلوبة دستوريًا، فقد قام في يونيو 2024 بتعيين الشيخ صباح الخالد، بعد حوالي شهر فقط من تعليق البرلمان.
واجبرت قراراته بشأن تعيين كبار المسؤولين الحكوميين جميع الأطراف السياسية والاجتماعية على البحث عن طرق فردية للتأثير على سياسات الحكومة، وضمان الامتيازات الاقتصادية، وخدمة جماعاتهم الاجتماعية، بشكل أقل وضوحًا، وبدرجة كبيرة من الأهمية.
ورغم أن هذه الإجراءات قد تبدو وكأنها عززت نفوذ الأسرة الحاكمة، إلا أن العديد من أفرادها فقدوا نفوذهم بالفعل، بمن فيهم من كانوا يسعون إلى ولاية العهد أو إلى مناصب رئيسية داخل الأسرة والحكومة، مثل أحمد النواف، نجل الأمير الراحل، وأحمد الفهد، وغيرهم، وبالتالي، قد يبدو ان تعليق البرلمان إشارة إلى زيادة سلطة الأسرة الحاكمة، إلا أنه في الواقع يؤكد على تعزيز سيطرة الأمير ليس على البرلمان والمجتمع المدني فحسب، ولكن حتى على الأسرة الحاكمة نفسها.
ويمكن ملاحظة هذا الديناميك من خلال دراسة التعيينات الوزارية الأخيرة في الحكومة.
كانت التعيينات الوزارية في السابق تُستخدم كآلية لإظهار النفوذ السياسي، حيث كان منصب رئيس الوزراء تقليديًا هو الأكثر قوة، يليه وزيرا الدفاع والداخلية، ولكن، بعد تعليق البرلمان، تم استبعاد من شغلوا هذه المناصب سابقًا من جميع الأدوار الحكومية بظروف مختلفة، فقد تم محاكمة وسجن وزير الداخلية والدفاع السابق، طلال الخالد الصباح.
ومنذ التعليق، احتفظ الشيخ أحمد العبدالله بمنصبه كرئيس للوزراء، بينما تولى فهد اليوسف وزارة الداخلية، وفي فبراير 2025، تم تعيين عبد الله علي الصباح وزيرًا للدفاع.
من المهم ملاحظة أن فهد اليوسف ليس من ذرية مبارك الصباح، مما يجعله غير مؤهل لولاية العهد، كما لم يتم تعيين أي من أفراد الأسرة في مناصب وزارية منذ التعليق، باستثناء عبد الله علي الصباح، بينما كانت الحكومة سابقًا الساحة الأساسية لتمثيل النفوذ داخل الأسرة الحاكمة.
شدد الأمير في خطابه الذي أعلن فيه تعليق البرلمان، على قضايا الفساد التي ارتكبتها الحكومة والبرلمان السابقان، زاعمًا أنها أضرت بالدولة ومؤسساتها، خاصة فيما يتعلق بالمواطنة والهوية الوطنية.
لكن المسألة لا تتعلق فقط بإعادة ترتيب موقع الأسرة الحاكمة، إذ يبدو أن الحكومة منذ تعليق البرلمان تعمل على تغيير طبيعة المواطنة الكويتية بشكل منهجي، وهو أمر كان من الصعب تصوره في ظل وجود برلمان معارض.
لقد قامت الحكومة خلال الأشهر الماضية، بسحب الجنسية من أكثر من أربعين ألف شخص، ضمن ثلاث فئات:
+ أولئك الذين اتُّهموا بتزوير العلاقات الأسرية للحصول على الجنسية.
+ النساء اللواتي حصلن على الجنسية من خلال الزواج.
+ الفنانين والمغنين وغيرهم من الشخصيات الثقافية الذين حصلوا على الجنسية تحت مبرر “الأعمال الجليلة”.
وقد نوقشت هذه الإجراءات في مقابلة أجريت مؤخرًا مع وزير الداخلية، فهد اليوسف، وفي مقاطع فيديو أخرى نشرتها وزارة الداخلية.
وقد دعمت المحكمة هذه القرارات من خلال تصنيف قضايا الجنسية على أنها “أعمال سيادية”، أي أنها قرارات لا تخضع للرقابة القضائية.
لقد أصبحت هذه القضية مصدرًا لانتقادات واسعة ومخاوف بين المواطنين منذ تعليق البرلمان، إلى جانب كونها تُعد أولوية لدى الحكومة، كما أكد الأمير في خطابه وتوجيهاته، وتصدرت قضايا سحب الجنسية عناوين الأخبار، وازدادت الانتقادات لها من قبل نواب سابقين من خلفيات أيديولوجية واجتماعية مختلفة.
وادى استهداف النساء اللواتي حصلن على الجنسية وفقًا للمادة الثامنة من قانون الجنسية على وجه الخصوص إلى ردود فعل غاضبة على نطاق واسع، فقد أعرب نواب سابقون مثل محمد الصقر، وعبد العزيز الصقعبي، وصالح الملا، وسعود العصفور، وخالد العتيبي، وغيرهم، إلى جانب أحزاب سياسية مثل الحركة الدستورية الإسلامية (حدس – الإخوان المسلمون)، وحشد، والتيار التقدمي الكويتي، عن قلقهم إزاء هذه القضية، رغم اختلافاتهم الأيديولوجية والاجتماعية.
إن سحب الجنسية ليس بالأمر الجديد، لكنه لم يحدث من قبل بهذا الحجم وبهذه الطريقة التصنيفية غير المسبوقة.
لقد تم استخدام هذا الإجراء في عام 2014، كأداة لاستهداف شخصيات سياسية معارضة، لكنه الآن أصبح حملة أوسع بكثير.
ركز الأمير والمسؤولون الحكوميون في البداية، على معالجة حالات التزوير، لكن التحول المفاجئ نحو استهداف النساء اللواتي حصلن على الجنسية قانونيًا عبر الزواج – وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد المسحوبة جنسيتهم أسبوعيًا – لا يتماشى مع هذا الهدف.
لقد أدى هذا النهج بالفعل، ومن المرجح أن يستمر، في توحيد الفصائل السياسية المختلفة ضد هذه الإجراءات، مما يهدد استمرار حالة الخوف والصمت التي سادت منذ تعليق البرلمان.
أن استمرار الأمير في ترسيخ سلطته يعتمد على منع أو عرقلة أي تحرك جماعي من قبل الجمهور، وتبدو قرارات سحب الجنسية القضية الأكثر احتمالًا لدفع الخصوم الأيديولوجيين إلى تجاوز خلافاتهم والتوحد في معارضة هذه الإجراءات.
استبدال النقاش البرلماني بأحاديث خاصة
غالبًا ما تشكّل البرلمانات قناة حيوية للتواصل بين المسؤولين الكبار والمواطنين بغض النظر عن صلاحياتها الرسمية.
كان هذا التواصل في الكويت قبل عام 2024، يأخذ شكل مناقشة الشائعات والمخاوف العامة بشأن السياسات الحكومية.
فعند انتشار شائعة ما على سبيل المثال بشأن تغيير محتمل في السياسة، كان النواب يوجهون أسئلة برلمانية تُلزم الوزير المعني بتقديم رد رسمي.
لعب البرلمان دورًا مهمًا في تهدئة المخاوف العامة والتعامل مع التذمر الشعبي والشكوك التي تثيرها الشائعات.
لكن منذ تعليق البرلمان، اختفت هذه القنوات، مما أجبر الحكومة على مواجهة هذه التحديات بشكل مباشر، ما قيّد قدرتها التقليدية على المناورة.
كان يمكن للحكومة في الماضي، اختبار الرأي العام من خلال السماح بانتشار الشائعات، ثم إما نفيها أو التعامل معها بناءً على رد فعل الشارع، ولكن مع غياب البرلمان كوسيط، تواجه الحكومة الآن ضغطًا مباشرًا، حيث بات من الصعب على الجمهور التمييز بين الشائعات الحقيقية وتلك التي ربما تنشرها الحكومة نفسها.
برزت قناتان رئيسيتان كبدائل للتواصل بين القيادة والجمهور، الأولى هي الاجتماعات غير الرسمية للأمير مع العائلات البارزة، والتي يتم الإعلان عنها علنًا.
هذه الاجتماعات ليست جديدة، إلا أنها أصبحت منصة يشارك فيها الأمير رؤاه وأفكاره مع الحضور بشكل متزايد، في حين تتيح لهؤلاء الأفراد نقل الشكاوى والتطلعات نيابة عن شرائحهم الاجتماعية.
أما القناة الثانية، فتتمثل في الزيارات المتكررة التي يقوم بها فهد اليوسف إلى الديوانيات، حيث تبدو ان زيارات اليوسف تستهدف شرائح أوسع وأقل امتيازًا، على عكس اجتماعات الأمير، مما يتيح تمثيل الفئات التي قد لا تتمكن من الوصول المباشر إلى الأمير أو التمثيل عبر العائلات النخبوية.
لكن هذه الديناميكيات الجديدة تعاني من نقاط ضعف كبيرة، فلا تعكس أي من القناتين الطيف الكامل لوجهات النظر والمخاوف والتذمر العام، إذ تقتصر اجتماعات الأمير غير الرسمية على الفئات الاجتماعية المتميزة، مثل العائلات الثرية أو المجموعات البارزة (مثل عائلة المطوع)، مما يترك العديد من الأصوات غير مسموعة.
ورغم أن جهود اليوسف تبدو محاولة لمعالجة هذا الخلل، إلا أن نطاقها لا يزال محدودًا وتفتقر إلى الشمولية الضرورية لتمثيل التنوع المجتمعي.
كما لم تفلح هذه القنوات في حل مشكلة التواصل المزمنة للحكومة، فبدلاً من تقليل الغموض العام، أدى غياب المؤتمرات الصحفية والتغطية الإعلامية المباشرة أو التواصل المنهجي إلى تفشي الشائعات، مما زاد من تآكل الثقة.
يمكن ملاحظة هذه الديناميكيات من خلال الشائعات حول تغييرات محتملة في سن التقاعد ومعاشات موظفي القطاع العام، فعندما انتشرت شائعة حول رفع سن التقاعد وتقليص المعاشات، تقدم أكثر من 2300 معلم بطلبات للتقاعد المبكر، قبل أن يخرج المتحدث الرسمي للحكومة في النهاية لنفي هذه الشائعة.
وأظهرت هذه الاستجابة المتأخرة مدى صعوبة تعامل الحكومة مع الرأي العام في غياب البرلمان كوسيط، ومن اللافت أن المتحدث الرسمي استقال بعد ذلك بوقت قصير، مما أبرز تحديات المسؤولين الحكوميين في التعامل مع مثل هذه الأزمات.
ولم تعالج الحكومة بعد مشكلة التواصل، حيث لا تزال تعتمد على قنوات قديمة مثل إصدار بيانات نصية حول مناقشات مجلس الوزراء الأسبوعية، دون عقد مؤتمرات صحفية أو توفير تغطية إعلامية مباشرة.
يفتقر هذا النهج إلى التفاعل مع المخاوف العامة، حيث يتبع نموذجًا من أعلى إلى أسفل، لا يسمح للجمهور بطرح الأسئلة أو التعبير عن القضايا التي قد تفضل الحكومة تجنبها أو لم تلتفت إليها.
التفكير في المستقبل والاستعداد له
منذ تعليق البرلمان، تكهن العديد من السياسيين والأكاديميين والمفكرين بمستقبل الكويت.
ويمكن تلخيص هذه التوقعات في ثلاث رؤى رئيسية:
الأولى، وهي الأكثر تطرفًا، ترى أن الكويت قد تتبع مسارًا جديدًا مشابهًا لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث يتم إعطاء الأولوية للتنمية والتقدم الاقتصادي على حساب الحريات السياسية والهوية السياسية الفريدة للكويت.
أما الرؤية الثانية، فتتوقع عودة البرلمان بعد تعديلات دستورية قد تُضعف سلطاته أو تعالج بعض الجوانب الإشكالية فيه.
في حين تقول الرؤية الثالثة إن هذه الفترة استثنائية وستنتهي، ليعود النظام السياسي السابق كما كان، بجوانبه الإيجابية والسلبية، دون تغييرات جوهرية.
لكن الكويتيين لا ينقسمون حول احتمالات تحقق كل من هذه السيناريوهات فحسب، بل حول مدى تفضيلهم لأي منها ايضًا، فالكثيرون يرون أن البرلمان نفسه كان جزءًا من المشكلة.
هناك اختلافات بين الذين يشعرون بالإحباط من سنوات الجمود السياسي، حول مستقبل البرلمان: فبينما يعارض البعض عودته بشكل جذري، يأمل آخرون في إصلاحه واستمراره.
لا توجد طريقة واضحة لمعرفة الرأي العام بشكل دقيق في ظل غياب الانتخابات وتقييد النقاش العام، كما لم يتمكن الكويتيون بعد من إيجاد وسيلة لتحويل آرائهم الخاصة إلى عمل عام.
من الواضح أن الكويتيين يتشاركون وجهات نظرهم على نطاق واسع في الأحاديث الخاصة، ومن السهل ملاحظة تزايد مشاعر الرفض للوضع الحالي، ويبدو أن فكرة عودة البرلمان أصبحت تحظى بمزيد من القبول، خاصة في ظل تراجع قنوات التواصل، وسحب الجنسيات، والإخفاقات في تحقيق الوعود التنموية، التي باتت تشكل مصادر رئيسية للإحباط العام.
وتلك الخيبة يمكن أن تكون مؤثرة، فقد أتاح الإحباط الناجم عن الجمود السياسي والتعطيل مساحة سياسية جعلت تعليق البرلمان ووعد الإصلاح يبدو جذابًا حتى للعديد من الكويتيين الذين كانوا يفخرون بانفتاح مجتمعهم، لكن استمرار الإغلاق السياسي دون تحقيق تحسين في الحسم والأداء قد يؤدي في النهاية إلى رد فعل شعبي.
يتجه الغضب الشعبي بشكل خاص نحو الحكومة بسبب فشلها في تنفيذ أجندة التنمية في البلاد، فهي لم تقدم بعد خطتها السنوية كما يفرض الدستور، في حين تواصل الحكومات المجاورة تحقيق تقدم في أهدافها التنموية، وعقد المؤتمرات، وتنظيم الفعاليات، والإعلان عن مشاريع في مختلف القطاعات مثل السياحة والترفيه.
فقد حصلت السعودية مؤخرًا على ترشيح لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2034، فيما ركزت الحكومة الكويتية على قضايا أكثر تواضعًا ومحلية مثل ملفات الجنسية واستضافة كأس الخليج العربي، مما يبرز الفجوة الكبيرة بين جهود الكويت والمشاريع الطموحة التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
سياسيًا، شعر العديد من المواطنين في البداية بالطمأنينة بفضل وعد الأمير بتشكيل لجنة لمراجعة واقتراح تعديلات دستورية خلال فترة ستة أشهر، على أن يتم إقرار هذه التعديلات إما عبر استفتاء شعبي أو تصويت في برلمان منتخب، وبالتالي، فإن الفشل حتى الآن في الوفاء بهذا التعهد قد زاد من حالة عدم الثقة بين الشعب والحكومة، ويعتقد الكثيرون أن الاهتمام قد انحرف عن معالجة المشكلات الأساسية للكويت، مثل الإصلاح الدستوري وكفاءة الحكومة، مما زاد من عمق الشكوك الشعبية.
لكن هل يمكن أن تتحول هذه المشاعر الخاصة إلى تحرك علني؟ هناك بعض المؤشرات الأولية على أن ذلك قد يحدث قريبًا.
يبدو أن الغضب الشعبي تجاه النواب بدأ يتحول نحو الحكومة، مع تصاعد المطالبات بأن يتحدث النواب السابقون علنًا.
كان أعضاء البرلمان السابقون حذرين في البداية من معارضة الإجراءات المتخذة ضد البرلمان، نظرًا للإحباط الشعبي والوعود القوية التي قدمها الأمير لمعالجة القضايا الرئيسية، فاختاروا التراجع وانتظار اللحظة المناسبة، لكن في الآونة الأخيرة، بدأ نواب مثل عبد العزيز الصقعبي، وسعود العصفور، وخالد العتيبي، ومهند الساير، وهم أعضاء في البرلمان المعلق، في نشر مقالات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، كما كثفوا زياراتهم إلى الديوانيات، التي تعد مساحات مهمة لتقييم وفهم الرأي العام حول التطورات السياسية الأخيرة.
ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تزال محدودة النطاق وتتم بهدوء، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن النواب، إلى جانب الشخصيات السياسية والمنظمات الأخرى، لم يتمكنوا بعد من حل مشكلة العمل الجماعي، فلا تزال القناعة الشعبية خاضعة للتردد في العودة إلى الوضع قبل تعليق العمل بالدستور، والذي اتسم بعدم الكفاءة والجمود البرلماني.
هناك أيضًا حسابات استراتيجية مختلفة إلى جانب التنافس التقليدي، فمن بين النواب الذين يعارضون التعليق ويدعون إلى عودة البرلمان، ظهرت حجتان رئيسيتان:
الاولى، يعتقد البعض أن ولي العهد، بمجرد أن يصبح أميرًا، سيعيد الالتزام بالدستور نظرًا لشخصيته وخبرته الواسعة في التعامل مع الديناميكيات البرلمانية في الكويت منذ عام 2003.
يُنظر إلى الأمير الحالي على أنه شخصية من خارج المؤسسة السياسية، حيث لم يشغل أي منصب وزاري أو في الخدمة المدنية، بينما يُنظر إلى ولي العهد على أنه أكثر انسجامًا مع النظام.
وتنبع خلفية الأمير الحالي من الأجهزة الأمنية، وهي مؤسسات تركز بشكل أساسي على الشؤون الداخلية ولها تاريخ في الحفاظ على السيطرة السياسية محليًا، مما أثر على نهجه ويفسر إحباطه من النظام السياسي.
الثانية، يجادل بعض النواب بأن زيادة الضغط الشعبي ستؤدي في النهاية إلى انتقادات واسعة للحكومة، ويعتقدون أن هذه الانتقادات ستتحدى التصورات بشأن كفاءة الأسرة الحاكمة وستثير تساؤلات بشأن ما إذا كان هيكل الدولة وإرثها قادرين على الاستمرار دون برلمان يعمل بشكل طبيعي لفترة طويلة ويفضلون الانتظار حتى تصبح أوجه القصور في النظام الجديد أكثر وضوحًا على نطاق واسع قبل قيادة تحرك مباشر.
أما الحجة الثالثة المحتملة، التي نادرًا ما يتم التطرق إليها بشكل صريح، فهي أن بعض الأنظمة المجاورة تنظر إلى انفتاح الكويت بعدم ارتياح وهناك دعمًا إقليميًا واضحًا لعملية التحول السلطوي في الكويت على الرغم من الصمت العلني بشأن هذا الموضوع، وقد يتجلى هذا الدعم بطرق مختلفة، مثل تقديم المساعدة الفنية في أفضل ممارسات السيطرة، بما في ذلك أدوات التكنولوجيا المتقدمة، ومراقبة الاتصالات، والتقنيات الأخرى التي تسهل عمليات ضبط المجال السياسي.
ومهما كانت الأسباب قصيرة المدى لجمود الحكومة، فإنها لن تزيد من احتمالية الاستقرار على المدى الطويل، ففشل النظام الحالي في تقديم سياسات أكثر كفاءة أو حتى اتخاذ قرارات حاسمة بشأن العديد من القضايا الأساسية قد يؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية، وإذا حدث ذلك، فقد تواجه المطالب الشعبية نظامًا أقل تماسكًا وأسرة حاكمة أقل وحدة مما يبدو عليه الحال الآن.
لقد عزز الأمير موقعه من خلال إعادة ترتيب الأدوار داخل الأسرة الحاكمة، لكنه أيضًا خاطر بعزل نفسه.
يشير الإطار الحاكم في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي إلى أن الأسرة الحاكمة تلعب دورًا مهمًا في السياسة، إلا ان الإجراءات الجديدة التي اتخذها الأمير تمثل خروجًا عن هذا الإطار، حيث أصبحت سلطته أكثر بروزًا دون دعم واضح من باقي أفراد العائلة الحاكمة.
يشير كتاب الباحث المتخصص في شؤون الكويت، مايكل هيرب، بعنوان (كلهم في العائلة: الاستبداد، الثورة، والديمقراطيةفي الملكيات الشرق أوسطية (1999))، إلى أن الأسر الحاكمة التي لا تمتلك نظام خلافة محدد (مثل الاعتماد على الابن البكر) قد تكون أكثر استقرارًا، لأن الشخصيات القيادية يتم مكافأتها بمناصب رفيعة، مما يقلل من احتمالية المنافسة الحادة.
شهدت بعض الملكيات الخليجية في السنوات الأخيرة، تحول السلطة من العائلة الحاكمة إلى الملك (أو في السعودية، ولي العهد)، مع تضييق نطاق الخلافة أو تحديدها (كما في البحرين)، وقد تكون الكويت تسير في مسار مشابه، مما يزيد من احتمالية أن يحكم أمير مستقبلي دون دعم واسع أو تمثيل كبير من مختلف أفراد الأسرة والفصائل السياسية.
أصبحت الحكومة خالية تقريبًا من الشيوخ المنتمين إلى خط مبارك الصباح منذ تعليق البرلمان، باستثناء رئيس الوزراء الحالي وتعيين وزير الدفاع مؤخرًا.
يعزز هذا التعيين الحجة القائلة بصعوبة الحكم دون دعم العائلة الحاكمة.
قد يكون الأمير الحالي قادرًا على إدارة هذه التوترات، إلا أنها قد تصبح أكثر حدة في حال حدوث خلافة.
يبلغ الأمير من العمر أربعة وثمانين عامًا، وعند وفاته، من المرجح أن يتولى ولي العهد الحالي، الشيخ صباح الخالد، منصب الأمير، وإذا استمر الوضع الحالي دون تغيير، فإن التحديات التي ستواجه الأمير القادم ستكون هائلة، وعلى رأسها المهمة الدقيقة لاختيار ولي عهد دون المخاطرة بفقدان الدعم داخل الأسرة الحاكمة.
وسيواجه أي خليفة هذه الضغوط دون وجود دعم شعبي منظم، فولي العهد الحالي سيواجه إرثًا من عدم الثقة والمعارضة المتزايدة، والتي ستزيد من المطالب بإعادة البرلمان.
وسيصبح من الصعب إقناع الجمهور بأن الوضع الراهن هو الأفضل مع تراجع فاعلية الحجة القائلة بأن الجمود البرلماني يعيق كفاءة الحكومة والتنمية، خاصة في ظل تصاعد الانقسامات داخل الأسرة الحاكمة بنفس درجة الانقسامات البرلمانية.
وهكذا، فإن الإجراءات التي اتُخذت عام 2024 والتي قُدمت على أنها مؤقتة، قد تكون في الواقع أقل دوامًا مما كان متوقعًا.
هناك طرق أخرى للتعامل مع قضايا الخلافة، مثل العملية الانتخابية الداخلية داخل العائلة كما هو الحال في هيئة البيعة السعودية، لكن إعادة البرلمان قد توفر للأمير هامشًا من الفصل بينه وبين أي صراعات داخلية أو تنافس على منصب ولي العهد.
فهل يُحتمل أن تتم إعادة البرلمان؟ ربما، لكن من غير الواضح متى أو كيف سيحدث ذلك.
هل سينجح الأمير المقبل؟
ستكون خيارات ولي العهد لمواجهة هذه التحديات محدودة عندما يتولى العرش، ويمكن اختزالها في ثلاثة سيناريوهات: اعادة تفعيل البرلمان، او اصلاحه، او رفضه.
السيناريو الأول يتمثل في إعادة البرلمان فورًا، كما حدث بعد تعليق 1978، مما سمح للأمير جابر الأحمد بتأمين منصب ولي العهد، إلا أن هذا النهج ينطوي على خطر التنازل عن المكاسب التي تحققت من التعليق الحالي للبرلمان، حيث سيقلل من قدرة الأمير على معالجة القضايا الدستورية الجوهرية، وبمجرد استدعاء البرلمان للانعقاد، فإن خيار تعليقه مجددًا قد يصبح أقل واقعية، على الأقل في المدى القصير.
السيناريو الثاني هو عقد مؤتمر وطني، على غرار مبادرة الأمير نواف الأحمد في 2021، حيث يمكن لشخصيات المعارضة والنخب وممثلي الأمير التفاوض بشأن حلول للتحديات السياسية.
قد يلقى هذا النهج دعمًا شعبيًا كبيرًا ويوفر للأمير مجالًا سياسيًا للتعامل مع المصالح المتنافسة.
في هذا السيناريو، سيكون للأمير فرصة السعي لإجراء تغييرات جوهرية على هيكل البرلمان والدستور، مثل آلية تعيين ولي العهد، وأدوات الاستجواب البرلماني، وعدد الوزراء، وغيرها من المسائل الدستورية.
لقد كانت هناك محاولة إنشاء هيئة بديلة للبرلمان قبل جيل من الآن، لكنها قوبلت بمعارضة قوية وتم التخلي عنها في أعقاب الغزو العراقي عام 1990، لكن مسارًا أكثر إقناعًا وتشاركية قد يكون قادرًا على استقطاب المنتقدين المحتملين.
السيناريو الثالث، وهو الأكثر تحديًا، يتمثل في تعميق مسار الحكم السلطوي، مستفيدًا من الموارد السياسية والدبلوماسية والتكنولوجية الإقليمية.
يهدف هذا الخيار إلى إحداث تحول جذري في النظام السياسي الكويتي، ما قد يخدم النخب وبعض الفئات المنتقاة من السكان، إلا أنه يحمل مخاطر كبيرة، من بينها تقويض سيادة الكويت، وإضعاف سلطة الأسرة الحاكمة من خلال تعزيز سلطات الأمير، وإمكانية اندلاع اضطرابات شعبية شبيهة بأحداث 1988 أو الحركات السياسية بين 2011-2014، وبالرغم من أن كل سيناريو يحمل تحديات، فإن السيناريو الثالث يشكل التهديد الأكبر لاستقرار الكويت ولمكانة الأسرة الحاكمة.
وبالرغم من أن هذه السيناريوهات تركز بشكل أساسي على الأمير القادم، إلا أنها تظل نظريًا متاحة أيضًا للأمير الحالي، لكن تحقيق أي منها سيتطلب تحولًا جذريًا في نهجه، لذا فإن أي تحرك كبير قد لا يحدث إلا بعد تولي أمير جديد.
ان اتخاذ خطوة قبل الخلافة قد يؤدي إلى زيادة المعارضة داخل الأسرة الحاكمة، وتفاقم الانتقادات من الجمهور والنواب السابقين والسياسيين، وربما نفور الطبقات الاقتصادية والاجتماعية الراقية في الكويت.
ورغم أن السيناريوهين الأول والثاني يضمنان عودة البرلمان، فإن السيناريو الثالث لا يضمن ذلك، ومع ذلك، فإن المسار السلطوي الثالث، الذي يتجه نحو نموذج دول الخليج الأخرى، يبدو أقل قابلية للتحقيق، إذ لا يبدو أن الأسرة الحاكمة تتمتع بالدعم الكافي أو حتى بوحدة الصف داخلها، فإذا بدأ المزيد من أفراد الأسرة في الحصول على مناصب وزارية، فقد يكون ذلك إشارة إلى أن المسار الثالث قيد الاستكشاف، ولكن الفرصة لإثبات جدوى اتخاذ إجراءات سياسية حاسمة، وإن كانت سلطوية، تبدو في طريقها إلى الزوال حيث لم يعد من السهل إقناع الكويتيين بأن إلغاء البرلمان سيجعلهم أكثر ازدهارًا أو أن الحكومة أكثر كفاءة.
أولًا: لا تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، التي تشكل أكثر من 80% من إجمالي الإيرادات الحكومية، إلى جانب انخفاض الإنفاق الرأسمالي الذي يمثل أقل من 10% من الميزانية.
ثانيًا: لا تزال البيروقراطية تعاني من عدم الكفاءة، وهو ما يزداد سوءًا مع حقيقة أن 80% من الموظفين الكويتيين يعملون في القطاع العام.
ثالثًا: رغم مرور نحو ستة أشهر على تعليق البرلمان، لم يتم التعامل مع القضايا الأساسية، ولم تُطرح أي خطط لحلها، وكل هذا يجعل التحول نحو نموذج دول الخليج الأخرى أمرًا غير واقعي، ويترك للأسرة الحاكمة خيارين سلميين ومنخفضي التكلفة يضمنان عودة البرلمان.
لقد ازدادت الشكوك حول مستقبل الكويت السياسي منذ تعليق البرلمان، ولا يبدو أن الأمير ومشروعه يشيران إلى تحول جذري بعيدًا عن الإرث البرلماني للكويت.
كان النواب السابقون من بين المتشككين في إمكانية عودة الكويت إلى برلمان فاعل ولكن نظرًا لعدم قيام الحكومة بأي إصلاحات هيكلية كبيرة حتى الآن، فإن الآمال في عودة البرلمان تزداد.
لقد اصبح النواب السابقون والسياسيون الآن يعدّون الأيام حتى تندلع شرارة سياسية تعيد الزخم للتغيير، وسواء أعيد البرلمان أم لا، فإن الجمود السياسي في الكويت لا يزال راسخًا.
لم يسهم تعليق البرلمان في إزالة أسباب الجمود حتى الان، بل حوّلها إلى نقاشات خاصة وزاد من احتمالية تصاعد الخلافات داخل الأسرة الحاكمة، لكن إعادة البرلمان لن تحلّ الأسباب الجذرية لهذا الجمود أيضًا.
لا يزال إعادة البرلمان بشكل ما أمرًا مرجحًا، إلا ان علاج الجمود سيتطلب أشكالًا للبرلمان أقل حدة وأكثر توافقية، تتجنب استعراض الديمقراطية البرلمانية من جهة، والحكم السلطوي المتسلط من جهة أخرى.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70929