بوتين يهدد بقلب الطاولة والخروج من النظام العالمي.. ماذا يعني؟

موسكو- خليج 24| أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء يوم الثلاثاء أخطر تهديد منذ بدء الأزمة مع أوكرانيا، وغزو بلاده لكييف، بالخروج من النظام العالمي.

وفي رسالة تحذير شديدة، قال بوتين إنه “على شركائنا ألا يدفعونا إلى الخروج من النظام العالمي”.

وأضاف “لا نعتزم بإلحاق الضرر بالنظام الذي ننتمي إليه، فروسيا لا تزال جزء من الاقتصاد العالمي”.

ويأتي تهديد بوتين هذا في ذروة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ضد بلاده بسبب غزوها أوكرانيا.

وصعدت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من عقوباتها الشديدة على روسيا في محاولة لدفعها لإنهاء عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

في حين، يتوالى التصعيد المتبادل بين روسيا والدول الغربية بشكل كبير وخطير جدا على الصعد المختلفة.

ومن ضمن الإجراءات التي اتخذتها هذه الدول فرض عقوبات اقتصادية هي الأقسى على موسكو.

بالإضافة إلى وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف أيضا على قوائم العقوبات.

في حين، دعا الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى فرض عزلة دولة على روسيا بسبب غزوها بلاده.

وقال زيلينسكي إن شيئا من هذا القبيل سيدفع روسيا إلى وقع عدوانها على كييف.

اقرأ أيضا: سبب اتخاذ بوتين قرارا بوضع قوات الردع النووي بحالة تأهب قصوى

ما هو النظام العالمي

ويعتبر الإطار المؤسسي والدبلوماسي والسياسي والقانوني الناظم للعلاقات الدولية خلال فترة تاريخية معينة.

في حين، يعتبر تفاعل الوحدات السياسية لهذا النظام (دول العالم) تعاونا وتنافسا وحربا هو المحرك الأكبر فيه.

إضافة إلى كل إطار تنظيمي قادر على التأثير في واقع العلاقات الدولية.

وهذه مثل المنظمات والحركات السياسية والشركات الكبرى ذات النفوذ العابر للحدود.

 

نشأة وتطور النظام العالمي

وكان قد نشأ في ظل اتفاقيات ويستفاليا (1644-1648) التي أنهت حربيْ الثلاثين سنة والثمانين سنة التي مزقت أوروبا.

وتصارعت فيها الإمبراطورية الإسبانية المدعومة من قبل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

إضافة إلى دول شمال القارة البروتستانتية في أغلبها والمتحالفة مع ألمانيا وفرنسا التي دخلت هذا الحلف رغم كاثوليكيتها لدفع التوسع الإسباني الذي غصب بعض أراضيها ومعها هولندا.

فيما استندت اتفاقيات وستفاليا إلى مفهوم القومية باعتباره محددا مركزيا على المستوى السياسي والاستراتيجي في أوروبا التي كانت يومها مركز العالم.

كما شكلت تلك الاتفاقيات البذرة الأولى للدولة الوطنية/القومية التي ستزدهر في العقود والقرون اللاحقة بأروبا.

وجاء ذلك مع اندلاع انتفاضات الشعوب المسحوقة ومطالبتها بإقامة كيانات سياسية قومية خاصة بها.

وذلك قبل أن يعم هذا النموذج العالم في القرون الثلاثة التالية لتوقيع الاتفاقيات.

بينما حكمت اتفاقيات ويستفاليا النظام العالمي حتى اندلاع الحرب العالمية الأول (1914-1918).

وهذه شهدت تحالفات سياسية وإستراتيجية غير مسبوقة في تنوعها واتساعها.

وهذا أظهر محدودية الدولة القومية وعجزها عن توفير الأمن الجماعي الذي كان الدافعَ الأبرز لظهورها.

فيما أعادت الحرب العالمية الأولى صياغة مفهوم “المصالح” في العلاقات الدولية.

إذ لم يعد أمن الدولة القومية مقتصرا على سلامة حوزتها الترابية فقط.

وإنما بات مرتبطا بأوضاع حلفائها أو ما سُمي في أدبيات مرحلة ما قبل الحرب الأولى بـ”المجال الحيوي”، وفق ما يوصف.

 

مميزات النظام العالمي

ومميزاته أنه ذو طبيعة مرحلية، فغالبا ما يبرز نظام دولي جديد بناءً على موازين قوة استراتيجية قائمة وآنية.

وتكون عادة مترتبة على مواجهة عسكرية مدمرة (مثل الحربين العالميتين) أو صراع إيديولوجي شرس وطويل الأمد.

كما أن من النماذج البارزة لذلك الحرب الباردة التي وسمت -طوال خمسة عقود- واقعَ العلاقات الدولية.

وذلك لما بعد الحرب العالمية الثانية بميسم الثنائية القطبية بين المعسكر الشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي (سابقا) والمعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة.

 

أحادية القطبية وتعددها بالنظام العالمي

في حين، تسببت الحرب العالمية الأولى في زوال أربع إمبراطوريات كبيرة.

وأبرزها الإمبراطورية العثمانية والنمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية.

وهذا ما أسفر عن بروز عدد كبير من الدول القومية في أوروبا مثل اليونان ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها.

واستفادت من شيوع مفهوم “تقرير المصير” واستغلاله من قبل القوى الكبرى في التنافس السياسي والاستراتيجي على سيادة أوروبا والعالم.

ثم شهدت المرحلة اللاحقة على الحرب العالمية الأولى بروز الولايات المتحدة قوة عسكرية.

وكان لها دور حاسم في توجيه مسار الحرب، وكذلك قوة اقتصادية واعدة.

لكن في شرقي أوروبا حولت الثورة البلشفية روسيا من إمبراطورية مترهلة إلى اتحاد كونفدرالي.

وهذه الامبراطورية لم يسبق له مثيل في العصر الحديث مساحة وديمغرافيا ومؤهلات اقتصادية وطبيعية.

أيضا برزت اليابان في شرقي آسيا قوة عظمى تتكئ على قاعدة اقتصادية صناعية قوية وقوة عسكرية ضاربة.

وأيضا وتقاليد حربية عريقة ومجد سياسي تليد، فقبل الهزيمة والاستسلام عام 1945.

وكان آخر عهد لأرض اليابان بالمحتل في القرن الثامن الميلادي.

في حين، أدى تعدد الأقطاب هذا -مع ما رافقه من منافسة وعداء محموميْن- إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.

وذلك بعد نهاية نظيرتها الأولى بعقدين من الزمان فقط، وعندما وضعت الحرب أوزارها عرف النظام الدولي مفهوم “الثنائية القطبية”.

وظهرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قوتين مهيمنتين على النظام العالمي الجديد.

في حين اختفى دور القوى المهيمنة سابقا (ألمانيا واليابان)، وتراجع مشهود للإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية مثل فرنسا وبريطانيا.

كما أدت هذه الثنائية إلى دخول العالم مرحلة “الثنائية القطبية”، وهي انقسام دول العالم إلى معسكرين.

وهذا المعسكران هما رأسمالي تقوده الولايات المتحدة واشتراكي يتزعمه الاتحاد السوفياتي.

أيضا عرفت هذه المرحلة ميزة أخرى هي تصدر العامل الأيديولوجي محددات النظام العالمي.

فيما تحول الصراع على سيادة العالم إلى صراع أيديولوجي ينبني على القيم.

وذلك على الرغم من أنه لا يغفل المصالح التي تبقى العامل الأهم في رسم العلاقات الدولية.

بينما أذن انهيار جدار برلين (يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989) بتداعي المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي.

وكان قد انفرط عقده نهائيا في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991، بعد أن صار جسما ضخما بلا روح أنهكته عقود طويلة من سباق التسلح مع الغرب.

وأيضا السلطوية القاتلة والصراع المرير على السلطة بين أركان النظام.

فيما مهد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار المعسكر الشرقي لولادة نظام دولي جديد تفردت فيه أميركا بالقيادة وزعامة العالم.

وذلك مع عجز دول العالم الثالث وبعض القوى الصاعدة عن تطوير فكرة “عدم الانحياز”.

وأيضا تقديمها خيارا منافسا قادرا على استثمار تركة المعسكر المنهار في سبيل بروز قطب عالمي موزا للقطب الليبرالي.

لكن بانتصاف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، باتت الصين قوة اقتصادية عالمية يُحسب لها حسابها.

لاسيما بعد تحقيقها نموا اقتصاديا سريعا يُؤهلها لتصدر العالم اقتصاديا في النصف الثاني من هذا القرن.

كما برزت كوريا الجنوبية وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة (النمور الآسيوية).

وأيضا معها الهند والبرازيل قوى اقتصادية هامة تمثل جزءا معتبرا من التجارة الدولية.

وهذا التعدد القطبي على المستوى الاقتصادي دفع كثيرين إلى توقع تبلوره في تعددية سياسية واستراتيجية للنظام الدولي.

لكن ذلك ما زال مستبعدا نظرا للتباين الكبير بين مرجعيات ومصالح هذه القوى الصاعدة في العالم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.