على مدى أربعة أسابيع وفي مناطق مختلفة، ساعدت دول الخليج في التفاوض على وقف إطلاق النار ، وتأمين إطلاق سراح الأسرى، وتسهيل تبادل الأسرى وحل الجمود السياسي ، مما يدل على كيفية توسيع نفوذها في الدبلوماسية والعلاقات الدولية.
فقد تولت قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بشكل متزايد أدوارًا كانت مخصصة في السابق للقوى العالمية التقليدية، حيث عملت على التوسط في الاتفاقيات وتهدئة الأزمات.
ويرى المحللون أن هذا التحول يؤكد على النفوذ المتزايد للقوى المتوسطة في السياسة الدولية. كما يسلط الضوء على رغبة هذه الدول، التي كانت تعتبر تاريخيًا قوى اقتصادية وموردين للطاقة، في تأمين الاستقرار في البلدان المجاورة ووضع المنطقة الأوسع على مسار التعافي.
وقال حسن الحسن، الباحث البارز في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، إن دول الخليج العربية انجذبت إلى الوساطة في حل النزاعات لأسباب استراتيجية.
وأوضح أن “هذا يضعها في دائرة الضوء العالمية، ويعزز علاقاتها مع القوى الكبرى، وعندما تنجح، تساعد في استقرار الدول التي مزقتها الحرب في الشرق الأوسط”.
وأضاف الحسن أن “الدور المهم الذي تلعبه دول الخليج في الدبلوماسية يعكس نفوذها العالمي المتزايد والمساحة المتوسعة للقوى الإقليمية لتشكيل النتائج الجيوسياسية. ومع ذلك، فإن الوساطة ليست خالية من التحديات. فهي تنطوي على مخاطر تتعلق بالسمعة ويمكن أن تستنزف موارد الدولة، وغالبًا دون ضمان للنجاح أو النتائج الملموسة”.
في يناير/كانون الثاني، وافقت إسرائيل وحركة حماس على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مما أدى إلى توقف 15 شهرًا من الحرب التي أسفرت عن قتل حوالي 47400 فلسطيني وتسببت في دمار واسع النطاق. تم التوصل إلى الاتفاق من خلال مفاوضات غير مباشرة بوساطة قطر والولايات المتحدة ومصر.
وقد جرت المفاوضات في الدوحة، حيث عمل ممثلون من إسرائيل وحماس من مواقع منفصلة بسبب انعدام الثقة العميق، مع تنقل الوسطاء بينهم.
وعلى الرغم من الخلافات العديدة والتأخيرات بشأن تفاصيل محددة مثل سحب القوات وقوائم الرهائن، فقد تم التوصل في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق نار هش.
وقد لعب الشيخ محمد بن عبد الرحمن، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، دوراً رئيسياً في هذه المناقشات. كما أصبح هذا الاختراق ممكناً بفضل التعاون بين ممثلي الإدارتين الأميركية السابقة والحالية.
كما أعلنت قطر عن نجاحها في وساطة تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وأفغانستان. وكجزء من الاتفاق، أفرجت أفغانستان عن عدد غير محدد من المواطنين الأميركيين مقابل مقاتل أفغاني محتجز في الولايات المتحدة. ووصفت حكومة طالبان الاتفاق بأنه “مثال جيد لحل القضايا من خلال الحوار” وأعربت عن امتنانها لقطر على “دورها الفعال”.
وعلى نحو مماثل، تبادلت روسيا وأوكرانيا 25 سجينا في يناير/كانون الثاني بعد مفاوضات توسطت فيها الإمارات.
وشكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الإمارات التي توسطت في عمليات تبادل مماثلة من قبل.
وفي اليمن، قال المتمردون الحوثيون إنهم أطلقوا سراح طاقم السفينة ” جالاكسي ليدر” بعد وساطة من سلطنة عمان، التي كانت لفترة طويلة وسيطا مع الجماعة. وتم الاستيلاء على حاملة المركبات في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في بداية هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر في بداية حرب غزة.
وقال عبد الخالق عبد الله، الزميل غير المقيم في جامعة هارفارد والكاتب الإماراتي، إن الإمارات السعودية وقطر “أصبحت واثقة بشكل متزايد في الاضطلاع بأدوار دبلوماسية تتجاوز الحدود الإقليمية”.
وأضاف: “إن مشاركتهم في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، والولايات المتحدة وأفغانستان، وغيرها من الأزمات تسلط الضوء على مكانتهم الجديدة كجهات فاعلة عالمية موثوقة”.
وأكد أن هذه الثقة تنبع من الاحترام الذي اكتسبته دول الخليج على المستوى الدولي، وقال: “لقد بنوا الثقة من خلال إثبات فعاليتهم باستمرار. النجاح يؤدي إلى نجاح آخر. موسكو تثق بهم، وواشنطن تحترمهم، واللاعبون الإقليميون الآخرون يعترفون بموثوقيتهم”.
وفي هذا الشهر، لعبت السعودية دوراً محورياً في انتخاب جوزيف عون رئيساً للبنان، وهو ما يمثل مشاركة المملكة المتجددة في السياسة اللبنانية بعد سنوات من النأي بنفسها.
وإلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا، دعمت الرياض ترشيح عون كجزء من استراتيجية أوسع لمواجهة نفوذ إيران والحد من هيمنة حزب الله السياسية. وكان هذا الدعم الدولي حاسماً في كسر الجمود الرئاسي الذي دام عامين في لبنان.
ويشير المحللون إلى أن كل دولة خليجية نجحت في إيجاد مكانة فريدة لها: قطر كوسيط دبلوماسي، والسعودية باستخدام نفوذها السياسي، والإمارات التي ظهرت كقائدة في مجال الإغاثة الإنسانية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70425