أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرا بعنوان “محاصرة: القيود على سفر المرأة من المحيط إلى الخليج”، اتهمت فيه العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأنها مازالت تمنع المرأة من التنقل داخل بلدها أو السفر إلى الخارج بحريّة دون إذن من وليّ أمرها.
وخلُص التقرير إلى أنّه رغم نجاح ناشطات حقوق المرأة في ضمان حريّات متزايدة للنساء في العديد من دول المنطقة، إلا أنّ القيود القديمة والجديدة تفرض على المرأة الحصول على إذن من وليّ أمرها – عادة والدها أو شقيقها أو زوجها – للتنقل داخل البلاد أو الحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج. وجدت هيومن رايتس ووتش أيضا أنّ المرأة في عدد من بلدان المنطقة لا تستطيع السفر إلى الخارج مع أطفالها على قدم المساواة مع الرجل.
قالت روثنا بيغم، باحثة أولى في حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: “سواء لمغادرة المنزل أو مغادرة البلاد، تفرض السلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قيودا متنوعة على حق النساء في حرية التنقل”.
وأضافت “تُكافح نساء المنطقة ضدّ القيود التي كثيرا ما تدّعي السلطات أنها وُضعت لحمايتهنّ، لكنها في الواقع تحرمهنّ من حقوقهنّ وتُمكّن الرجال من السيطرة عليهنّ والإساءة لهنّ متى شاؤوا”.
استند التقرير إلى تحليل مقارن لعشرات القوانين واللوائح والسياسات، فضلا عن معلومات قدّمها محامون ونشطاء ونساء في 20 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
سياسات ولاية الرجل في المنطقة، وهي موجودة أيضا خارج الشرق الأوسط، تأثرت بتاريخ أوسع من القوانين والتقاليد في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك التقاليد القانونية الأوروبية، التي كانت أو لازالت تسمح للرجل بالسيطرة على حياة المرأة.
لا تزال 15 دولة في المنطقة تُطبّق قوانين أحوال شخصيّة وقوانين أسرة تفرض على المرأة “طاعة” زوجها أو العيش معه أو الحصول على إذنه للخروج من المنزل أو العمل أو السفر. يُمكن للمحاكم أن تأمر المرأة بالعودة إلى منزل الزوجيّة وإلا تفقد حقها في النفقة.
في بعض البلدان، تكون هذه القواعد أكثر رسوخا. في مارس/آذار 2022، أصدرت السعودية أوّل قانون مكتوب للأحوال الشخصيّة، الذي قنّن الممارسة القديمة المتمثلة في وجوب طاعة المرأة لزوجها “بالمعروف” أو حرمانها من الدعم المالي منه إذا رفضت العيش في بيت الزوجيّة “دون عذر شرعي”.
في الأردن والكويت وقطر والسعوديّة، قد تتعرّض المرأة إلى الاعتقال أو الاحتجاز أو قد تُجبر على العودة إلى المنزل إذا بلّغ وليّ أمرها عن “تغيّبها” عن المنزل. في السعوديّة واليمن، لا تستطيع المرأة إلى اليوم مغادرة السجن دون موافقة وليّ أمرها.
في البلدان التي تشهد نزاعات، فرضت بعض الجماعات المسلّحة قيودا تتعلق بولاية الرجل في المناطق الخاضعة لسيطرتها. في بعض أجزاء سوريا الخاضعة لسيطرة بعض الجماعات المسلّحة، يُفرض على المرأة أن تكون برفقة محرم (الزوج أو رجل آخر من أقاربها).
فرضت سلطات الحوثيين، التي تسيطر على أجزاء من اليمن، بشكل متزايد شرط سفر المرأة مع محرم أو إظهار موافقة كتابيّة من وليّ أمرها.
وهذه القواعد دفعت العديد من النساء اليمنيات العاملات في منظمات غير حكوميّة وفي وكالات “الأمم المتحدة” إلى ترك وظائفهنّ، وفقدان دخل تحتاجه أسرهنّ كثيرا.
رغم أنّ ناشطات حقوق المرأة في المنطقة حققن بعض المكتسبات، إلا أنّ كفاحهن ضدّ القيود التمييزيّة على تنقل المرأة يظلّ مستمرا.
في 2018، بعد عقود من المناصرة والنشاط، سمحت السعوديّة للمرأة بقيادة السيارة، لكن ظلّت قيود أخرى في مكانها.
وفي إيران، تواصل المرأة كفاحها المستمرّ منذ عقود ضدّ الحجاب الإلزامي، وهو سمة أساسية لاحتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” التي اجتاحت البلاد بعد وفاة مهسا (جينا) أميني وهي رهن الاحتجاز في سبتمبر/أيلول 2022.
تفرض بعض الجامعات الحكوميّة، بما في ذلك في البحرين، وإيران، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية والإمارات، على المرأة إظهار إذن من وليّ أمرها للذهاب في رحلات ميدانية أو البقاء في السكن الجامعي أو الحرم الجامعي أو مغادرتهما.
في بعض البلدان، قد تواجه المرأة تمييزا عند استئجار شقّة أو الإقامة في فندق إذا لم تكن متزوجة أو ليس لها وليّ أمر.
في تقدّم إيجابي، تسمح معظم حكومات المنطقة للمرأة بالحصول على جواز سفر والسفر إلى الخارج دون إذن من وليّ أمرها.
في أغسطس/آب 2019، بعد حملات واسعة قادتها ناشطات حقوق المرأة السعوديات، عدّلت السلطات السعوديّة قواعدها فصارت تسمح للمرأة فوق 21 عاما، تماما كالرجل، بالحصول على جواز سفر والسفر دون إذن من وليّ الأمر.
لكن في إيران وقطر واليمن، يظلّ الوضع أكثر تشدّدا. يتعيّن على المرأة المتزوّجة في إيران إظهار إذن من زوجها لكي تحصل على جواز سفر أو تسافر.
في قطر، تفرض قواعد وزارة الداخليّة على المرأة غير المتزوّجة ودون 25 عاما إظهار إذن من وليّ أمرها لتسافر إلى الخارج، بينما يُعفى الرجل القطري في سنّ 18 عاما وما فوق من ذلك.
وفي اليمن، تفرض سياسة الأمر الواقع على المرأة إظهار إذن من وليّ أمرها لتحصل على جواز سفر.
تسمح قطر أيضا لوليّ الأمر بتقديم طلب إلى المحكمة لتفرض حظر سفر على أيّ من قريباته الإناث، بما في ذلك زوجته.
فيما تسمح السلطات في إيران، وغزّة (فلسطين)، والكويت، والسعوديّة، واليمن أيضا لوليّ الأمر بحظر سفر المرأة إلى الخارج.
بعض القيود تُعدّ جديدة نسبيا. في فبراير/شباط 2021، أصدرت سلطات “حماس” في غزّة قيودا مفادها أن المرأة غير المتزوجة، حتى وإن كانت قادرة على مغادرة غزّة وسط القيود الإسرائيليّة والمصريّة المجحفة على التنقل، يُمكن منعها من السفر بمجرّد تقديم وليّ أمرها طلبا الحصول على حظر سفر بأمر من المحكمة.
في أغسطس/آب 2022، وسّعت سلطات الحوثيين في اليمن، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، من القيود بحيث لا يمكن للمرأة السفر أو مغادرة مناطقها داخل اليمن أو السفر إلى الخارج دون محرم.
وفي مايو/أيار 2023، بدأ “جهاز الأمن الداخلي” الليبي، المرتبط بحكومة الوحدة الوطنيّة التي مقرّها طرابلس وهي واحدة من حكومتين تتنافسان على الشرعيّة والسيطرة، يفرض على المرأة الليبيّة المسافرة دون مرافق ذكر ملء استمارة تفصيليّة عن أسباب سفرها وسفراتها الماضية.
قد تواجه المرأة أيضا قيودا تمييزية لدى سفرها إلى الخارج مع أطفالها. لا تسمح 14 دولة في المنطقة للمرأة بالحصول على جوازات سفر لأطفالها على قدم المساواة مع الرجل.
تفرض تسع دول، رسميا أو عمليا، على المرأة الحصول على إذن من والد الطفل لكي يسافر معها إلى الخارج، بينما يُعفى الرجل من ذلك.
قالت بيغم: “رغم بعض الحريّات التي اكتسبتها ناشطات حقوق المرأة، تسعى السلطات إلى سلب حريّات أخرى، ما يتسبب في تراجع في حقوق المرأة، بل ويُضرّ بالأطفال والأسر والمجتمع”.
وتابعت “ينبغي لجميع السلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلغاء كل القيود التمييزيّة المفروضة على حرية المرأة في التنقل، بما في ذلك جميع قواعد ولاية الرجل”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=64032