شكلت المعلومات المتواترة عن العلاقة التعاقدية المثيرة للجدل بين دولة الإمارات العربية المتحدة ووكالة استخبارات سويسرية بغرض التشهير والتحريض، قدرا كبير من الفانتازيا وإثارة السخرية.
وأثارت لائحة الأهداف التي أعدّتها شركة Alp السويسرية لمصلحة دولة الإمارات الكثير من الجدل والتعليقات الساخرة.
إذ أنها لائحة مفترضة تضم شخصيات وكيانات “ينبغي القضاء على أنشطتها في أوروبا” بسبب “ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين”.
لكن القائمة اختلط فيها الخيال مع السوريالية والهلوسة والعداء الهوسي ووجه من انعدام الاحترام بين تاجر وزبون. الأول يزوّد الثاني ببضاعة مضروبة، فتطيب للزبون ويطلب أكثر.
خبر، إضافة إلى جمعه هذا الكوكتيل من الصفات المذكورة، فإنه يتمّم تراثاً عريقاً في الثقافة السياسية العربية الحديثة، مليء باختلاق صنفٍ من التهم، لا الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يحللها ولا أي عقل بشري يستوعبها.
فإلى حين تطير العنزة، يمكن أن يكون الصحافي والمثقف اليساري الفرنسي آلان غريش (من أب وأم يهوديين بالمناسبة)، مرتبطاً بجماعة الإخوان المسلمين، أو داعماً لها أو مروجاً نظرتها إلى العالم، وفق ما تُخبر الشركة السويسرية حكّام الإمارات المهووسين بفوبيا الإخوان.
يروي التحقيق الذي أنجزه موقع “ميديا بارت” الفرنسي (المتخصص بالتحقيقات الاستقصائية) بالتعاون مع European Investigative Collaborations وشركاء آخرين أن شركة استخبارات سويسرية خاصة تُدعى Alp Services زوّدت دولة الإمارات، بين عامي 2017 و2020، لائحة باسم “شبكة مافيوية عابرة للقارّات”.
وتجاوز أفراد اللائحة الألف شخص أوروبي (200 منهم فرنسيون) وأكثر من 400 منظمة أوروبية (120 منها في فرنسا)، يفترض أنها على ارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، في 18 بلداً أوروبياً.
قيمة العقد 5.7 ملايين دولار، وبموجبه “صار بإمكان أبو ظبي أن تطلب خدمات إضافية لمهاجمة الأهداف التي تختارها، مقابل 20,000 إلى 50,000 يورو لكل فرد، عبر استخدام وسائل عدوانيّة.
مثل الحملات الصحافيّة، والمقالات التي يتم نشرها عبر حسابات مزيفة، وتعديل صفحات ويكيبيديا، وحتى عمليات تهدف إلى إقناع المصارف بإغلاق حسابات” بحسب التحقيق.
حتى هذا الحدّ، الخبر يندرج في خانة الحرب الإماراتية الهوسية على الإخوان المسلمين والرهاب من كل ما يمتّ لهم بصلة.
لكن عندما استعراض أسماء بعض الأوروبيين المشمولين باللائحة، ينتقل التفكير إلى ما هو أقرب للمقلب والفضيحة وعملية النصب التي نفذتها شركة الاستخبارات السويسرية بحق الزبون (الإمارات).
لكننا أمام حالة مستعصية، حيث يقبل الزبون بالمقلب عن طيب خاطر، ويتعاطى مع النصب على أنه حلال ومع الفضيحة باعتبارها عين الحقيقة.
والسرد هنا يكفي من دون تعليق أيضاً: المرشّح السابق للانتخابات الرئاسية عن الحزب الاشتراكي الفرنسي بينوا هامون من ضمن إخوانيي اللائحة.
كذلك الكاتبة والمخرجة روخايا ديالو. ثالث أكبر حزب في فرنسا، “فرنسا الأبية”، وهو يساري متطرف، هو حزب إخواني.
الهيئة العامة الفرنسية (حكومية) التي تشرف على البحث العلمي في فرنسا CNRS، تدعم الإخوان أو تروّج لهم.
صبيّة سورية الأصل تُدعى منال إبتسام شاركت قبل سنوات في برنامج غناء في فرنسا اسمه The Voice، وانسحبت تحت وطأة حملة شيطنة هائلة لأنها كانت محجبة آنذاك، هي إخوانية أيضاً.
موقع Orient XXI الرصين ومؤسّسه آلان غريش، المثقف اليساري رئيس تحرير مجلة “لوموند ديبلوماتيك” سابقاً، إخوان بإخوان.
وزيرة المناخ البلجيكية زكية خطابي والزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، جيريمي كوربن، يكادان يكونان قريبي حسن البنا وسيد قطب.
السياسة في المنطقة العربية مصطلح مجازي، إما لوصف الانفصال عن الواقع أو للسعي إلى تأبيد الواقع حين يكون بائساً. بؤس ببؤس إن لم يجد المتسبّبون به ما يكفي لتغذيته من مخيلتهم، فإنهم يستوردونه من الخارج، ولو من سويسرا.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=63893