قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكي إن العراق بدأ يعيد النظر في الانسحاب الأميركي من أراضيه بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والتطورات الأخيرة في سوريا.
وبحسب الصحيفة كان مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية قد بدأوا في استعادة نشاطهم العام الماضي في أجزاء من سوريا والعراق ثم انهار نظام الأسد في ديسمبر، مما وفر لهم إمدادات جديدة من الأسلحة من المخازن التي تركها الجيش السوري وراءه.
يسعى التنظيم الذي أرهب الشرق الأوسط وألهم هجمات في مناطق أخرى من العالم الآن لاستغلال مستقبل سوريا غير المؤكد لإعادة بناء نفوذه، وذلك بعد نصف عقد من تمكن القوات بقيادة الولايات المتحدة من إنهاء سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي وملايين الأشخاص.
وقام أحد المحاربين القدامى في الجيش الأمريكي، يقود شاحنة صغيرة ترفع علم تنظيم الدولة، باقتحام حشد من الناس في وقت مبكر من يوم رأس السنة الجديدة في نيو أورلينز، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا وإصابة 30 آخرين في هجوم وصفته السلطات بأنه إرهابي وفي إشارة إلى استمرار جاذبية التنظيم.
ولم يتضح ما إذا كانت هناك صلات بين المهاجم والتنظيم، لكن المحللين حذروا من هجمات منفردة وحوادث تقليد.
كانت المعركة ضد بقايا تنظيم الدولة تجري في الخفاء حتى وقت قريب، حيث كانت مئات من القوات الخاصة الأمريكية تعمل في المناطق النائية من سوريا بالتعاون مع الميليشيات الكردية لتنفيذ غارات وضربات جوية، لكن الولايات المتحدة كثفت مؤخرًا هجماتها، بما في ذلك في مناطق كان المجال الجوي فيها تحت سيطرة حكومة الأسد وحلفائها الروس، وفقًا لما قاله محللون عسكريون.
في 8 ديسمبر، وبعد ساعات من سقوط نظام الأسد، أعلنت الولايات المتحدة أنها استهدفت 75 هدفًا لتنظيم الدولة الإسلامية بعشرات الضربات باستخدام قاذفات B-52 وطائرات F-15، وبعد حوالي أسبوع، قالت الولايات المتحدة إنها قتلت ما لا يقل عن 12 مسلحًا في غارة جوية أخرى، وبعد ثلاثة أيام، قالت إنها قتلت اثنين من عناصر تنظيم الدولة، بما في ذلك أحد قادته البارزين، وفي يوم الأحد، نشرت فرنسا مقاتلات رافال وطائرة بدون طيار من طراز ريبر ضد هدفين في سوريا قالت السلطات الفرنسية إنهما مرتبطان بتنظيم الدولة.
هناك مخاوف بشأن فعالية القصف الدوري وسط المشهد الإقليمي سريع التغير.
وتواجه الجماعات الكردية، التي لعبت دورًا حاسمًا في محاربة تنظيم الدولة واحتواء مقاتليه، ضغوطًا جديدة من جماعات مدعومة من تركيا.
وتعتبر الحكومة التركية الجماعات الكردية منظمات إرهابية وتسعى لتحقيق مصالحها في البلاد التي أصبحت الآن تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية كانت لها في السابق روابط مع تنظيم الدولة والقاعدة لكنها تخلت عنها لاحقًا.
كما أنه من غير المؤكد إلى متى ستتمكن القوات الأمريكية من الحفاظ على وجودها الذي يضم أكثر من ألفي جندي في سوريا وحوالي ألفين وخمسمائة جندي في العراق.
وأعرب مسؤولون عراقيون زاروا واشنطن بعد أيام من فرار الأسد من سوريا، عن قلقهم إزاء احتمال عودة تنظيم الدولة، وطلبوا من الولايات المتحدة إعادة تقييم اتفاقية الانسحاب التي تم التوصل إليها مؤخرًا والتي دعت إلى انسحاب جميع القوات الأمريكية تقريبًا في غضون عامين.
وسيتم اتخاذ القرار بشأن أي تغييرات على الوجود الأمريكي في العراق—الذي يوفر دعمًا حيويًا للوجود الأمريكي في سوريا— على يد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي قلّص عدد القوات خلال إدارته الأولى.
وقال النائب مايك والتز، الجمهوري من فلوريدا وضابط القوات الخاصة المتقاعد، والذي من المتوقع أن يكون مستشار ترامب للأمن القومي، الشهر الماضي على قناة فوكس نيوز، إنه بينما يركز الرئيس المنتخب على إبقاء القوات الأمريكية خارج الصراعات الأجنبية، فإن ترامب “واضح الرؤية” بشأن التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة في سوريا.
وتتزايد المخاوف بسبب الارتفاع الكبير في نشاط تنظيم الدولة، فقد أخبر ضباط أمريكيون وكرد صحيفة وول ستريتجورنال خلال الصيف أن التنظيم يقوم بتدريب مجندين جدد وحشد قواته في صحراء سوريا، على أمل إحياء حلمه في إقامة إمبراطورية إسلامية جديدة.
وقد زاد المقاتلون من وتيرة هجماتهم في سوريا والعراق العام الماضي، مستهدفين نقاط التفتيش، وتفجير السيارات المفخخة، والسعي لتحرير رفاقهم المسجونين.
ظهر تنظيم الدولة، وهو جماعة سنية، من فرع القاعدة الذي قاتل القوات الأمريكية وقوات التحالف بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وانسحبت الولايات المتحدة من العراق في عام 2011 بالتزامن مع اندلاع الربيع العربي الذي أطلق موجة من عدم الاستقرار السياسي والعسكري في جميع أنحاء الشرق الأوسط، واستغل تنظيم الدولة هذا الفراغ وفي عام 2014 سيطر على نحو 38 ألف ميل مربع من الأراضي في سوريا والعراق، وهي مساحة تقارب مساحة ولاية فرجينيا، وأعلنها خلافة تحكم 12 مليون شخص.
وفي جولة له في الشرق الأوسط في ديسمبر، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أن المسلحين سيحاولون إعادة تجميع صفوفهم في الفراغ الناتج عن انهيار نظام الأسد، وقال للصحفيين: “نحن عازمون على ضمان عدم تمكن داعش من الظهور مجددًا”، مستخدمًا اختصارًا عربيًا شائعًا لتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأسبوع الماضي إن تنظيم الدولة استولى مؤخرًا على كمية كبيرة من الأسلحة التابعة للجيش السوري، والتي قد يستخدمها للتوسع في المنطقة، وأضاف أن العراق والتحالف الدولي يراقبان ويحاولان منع عمليات نقل الأسلحة.
وتعد مسألة أمن السجون والمخيمات في شمال شرق سوريا التي تحتجز مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وعائلاتهم من بين المخاوف الكبرى الأخرى للمسؤولين العسكريين الأمريكيين وشركائهم الإقليميين.
وتضم هذه المخيمات، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، ما يصل إلى 45 ألف شخص، وهي محروسة من قبل قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة، وإذا هُزمت هذه القوات أو تشتتت بفعل حملة عسكرية مدعومة من تركيا، فقد يتمكن مسلحو تنظيم الدولة من إيجاد طريقة للهروب من احتجازهم.
وقال رئيس الوزراء العراقي في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي: “أي شيء يحدث في هذه السجون أو المخيمات، سنجد أنفسنا جميعًا—داخل سوريا وخارجها—نواجه هؤلاء الإرهابيين”.
ولم يهاجم تنظيم الدولة سوى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي مجموعة كردية مدعومة من الولايات المتحدة، منذ انهيار نظام الأسد، وفقًا لأيمن جواد التميمي، زميل في منتدى الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث مقره فيلادلفيا، يتابع التنظيم منذ سنوات، لكن حرية الحركة الأكبر عبر سوريا قد تكون سمحت لخلايا التنظيم بالانتقال إلى أجزاء أخرى من البلاد حيث تنتظر الفرصة المناسبة، بحسب تقييم التميمي.
وقال التميمي: “لا أعتقد أنهم سيعيدون إنشاء شيء يشبه ما كان لديهم في عام 2014، ولكن هناك خطر حقيقي بحدوث موجة مفاجئة من العنف وسلسلة من الهجمات التي ستحتاج هيئة تحرير الشام وحلفاؤها إلى إيجاد طرق لقمعها”.
وتعيد الحكومة العراقية الآن النظر في موقفها تجاه وجود القوات الأمريكية وسط مخاوف من أن الفراغ الأمني في أجزاء من سوريا يجعلها عرضة لتدفق عبر الحدود من قبل تنظيم الدولة، وفقًا لمسؤولين غربيين.
ولاحظ المسؤولون العسكريون الأمريكيون في العراق في غضون أيام من سقوط الأسد، نبرة مختلفة من المسؤولين العراقيين، الذين أصبحوا فجأة أكثر تقبلاً لتعزيز التعاون في كل شيء من اللوجستيات إلى المراقبة بالطائرات المسيرة، وفقًا للمسؤولين.
وقال مايكل نايتس، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الرسالة التي ينقلها العراقيون إلى الولايات المتحدة هي: “إذا أردتم البقاء، تفضلوا، خذوا وقتكم”، لكنه أضاف أن العراقيين سيسمحون فقط بعمليات ضد المتطرفين السنة في سوريا.
وستصبح القرارات المتعلقة بمستقبل القوات الأمريكية في العراق وسوريا قريبًا في يد ترامب والذي سعى إلى سحب القوات من العراق وسوريا خلال ولايته الأولى، لكنه أوقف الانسحابات الكاملة تحت ضغط من مستشاريه.
وبموجب اتفاق الانسحاب، ستغادر مئات القوات الأمريكية وقوات التحالف المتمركزة في بغداد وغرب العراق وأجزاء أخرى من البلاد بحلول سبتمبر المقبل، يعقبها تقليص القوات في مدينة أربيل شمال العراق بحلول نهاية العام التالي.
ومن المتوقع أن تبقى مجموعة صغيرة من القوات بعد عام 2026 بصفة استشارية ولأغراض تشمل تقديم الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية المتمركزة في سوريا، وفقًا للمسؤولين.
وقال فرهاد علاء الدين، مستشار السياسات لرئيس الوزراء العراقي: “الوضع يظل ديناميكيًا للغاية ويتطور باستمرار، ونحن نقيم التطورات على الأرض باستمرار”.
وأضاف: “تطوير هذه العلاقة سيتطلب تعاونًا وثيقًا وجهدًا مشتركًا لتحديد مسارها المستقبلي”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=69999