الطموح النووي السعودي بين احتواء إيران والصراع على النفوذ

في سياق سباق النفوذ العالمي على بوابة الخليج، تسعى السعودية للحصول على دعم الولايات المتحدة لتطوير برنامجها النووي المدني، وفق تقرير لوكالة أسوشيتد برس. ورغم الترحيب الأميركي المشوب بالحذر، إلا أن هذه الخطوة تفتح ملفات معقدة تتجاوز البعد التقني إلى صميم الأمن الإقليمي وتوازنات القوى العالمية.

لماذا تصر السعودية على الطاقة النووية؟
رغم كونها من أكبر منتجي النفط عالميًا، ترى السعودية في الطاقة النووية خيارًا استراتيجيًا لمواجهة تحديات داخلية وخارجية. داخليًا، يستهلك تشغيل محطات الكهرباء وتكييف الهواء كميات هائلة من النفط الخام، يُقدّر أن ثلث إنتاج المملكة يذهب للاستهلاك المحلي. وهو ما يجعل خيار توليد الكهرباء من الطاقة النووية وسيلة لتحرير المزيد من النفط للتصدير وزيادة العوائد المالية.

أما خارجيًا، فيُعد الملف النووي وسيلة لتثبيت موقع السعودية كقوة إقليمية موازية لإيران، خاصة في ظل استمرار البرنامج النووي الإيراني وتعثّر الجهود الدولية لاحتوائه.

واشنطن… بين الفرصة الاقتصادية والهواجس الأمنية
تُدرك إدارة ترامب، وكذلك الإدارات الأميركية اللاحقة، أن التعاون النووي مع السعودية يمثل فرصة اقتصادية هائلة لشركات الطاقة الأميركية، ويمنع في الوقت ذاته دخول الصين وروسيا إلى هذه السوق الاستراتيجية بشروط أخف وأجندات أقل شفافية.

لكن في المقابل، يواجه صناع القرار في واشنطن معضلة حقيقية: منح السعودية قدرات نووية سلمية – بما في ذلك تخصيب اليورانيوم – قد يفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمي يصعب ضبطه.

وقال جون ألترمان، خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن الولايات المتحدة قد تستخدم التفاوض حول البرنامج النووي السعودي كورقة ضغط في سياقات أخرى، خصوصًا في التعامل مع إيران وإسرائيل. لكنه أشار إلى أن “إظهار التقدم” لا يعني بالضرورة الالتزام الكامل بمطالب الرياض.

تخصيب اليورانيوم… المطلب الأكثر حساسية
من أبرز النقاط الخلافية إصرار السعودية على تخصيب اليورانيوم محليًا. نظريًا، يُفترض أن يُستخدم هذا اليورانيوم في تشغيل مفاعلات نووية مدنية. عمليًا، تخصيب اليورانيوم يمثل الخطوة الأولى نحو إنتاج سلاح نووي.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان قد صرّح بوضوح عام 2018 أنه في حال امتلكت إيران قنبلة نووية، “ستسعى السعودية لامتلاكها أيضًا بأسرع وقت ممكن”.

هذا التصريح، إلى جانب التعاون السعودي الصامت مع الصين في استكشاف احتياطات اليورانيوم، يثير قلقاً واسعاً لدى المؤسسات الأميركية والغربية، خصوصاً في ظل تجربة السوق السوداء النووية التي أدارها العالم الباكستاني عبد القدير خان سابقًا.

إسرائيل.. معارضة علنية وترقّب حذر
بالنسبة لإسرائيل، فإن أي اتفاق نووي أميركي-سعودي يتضمن تخصيبًا محليًا يمثل تهديدًا مباشراً للتفوق النووي الإسرائيلي في المنطقة. مسؤولون إسرائيليون أعربوا صراحة عن رفضهم منح السعودية مثل هذه القدرات، خصوصًا أن ذلك قد يفتح الباب لتغييرات استراتيجية في ميزان القوى.

لكن في حسابات إدارة ترامب، يمكن ربط هذا الملف بحزمة أوسع من التفاهمات، تشمل تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل ضمن مسار “اتفاقيات إبراهيم”، ما يجعل الملف النووي ورقة مساومة في لعبة أكبر.

الصين وروسيا على الخط
من الجانب الآخر، تراقب بكين وموسكو المشهد عن كثب. السعودية تلقت عروضًا من الجانبين لبناء مفاعلات نووية بشروط تمويل وضمانات أقل تعقيدًا من الشروط الأميركية. هذا التنافس يمنح الرياض هامشاً للمناورة، ويزيد من ضغوطها على واشنطن للإسراع في إبرام اتفاق.

ووفق محللين، فإن فشل واشنطن في الاستجابة للطموح السعودي قد يدفع المملكة فعلاً إلى تعزيز التعاون مع الصين أو روسيا، ما سيُفقد الولايات المتحدة نفوذها التقليدي في الخليج.

بايدن… مقاربة مختلفة ولكن بنفس التعقيد
إدارة بايدن ربطت التعاون النووي مع السعودية بسلة قضايا، منها الحصول على ضمانات أمنية أميركية، وصفقة أسلحة متطورة، إضافة إلى تسوية الملف الفلسطيني. غير أن الجمود في ملف التطبيع مع إسرائيل، والمخاوف من انتشار التخصيب النووي، جعلت التقدم في هذا الملف بطيئًا.

خلاصة: موازنة دقيقة بين المصالح والمخاطر
في النهاية، ترى واشنطن أن دعم برنامج نووي سعودي مدني يمثل فرصة اقتصادية وجيوسياسية، لكنه في الوقت ذاته يحمل مخاطر حقيقية تتعلق بسباق التسلح وزعزعة توازن الردع الإقليمي.

السعودية، من جانبها، تدرك أن اللحظة الراهنة – مع تعثّر الاتفاق النووي الإيراني وتنافس القوى الكبرى – تمنحها فرصة تاريخية لفرض مطالبها، سواء عبر واشنطن أو عبر بوابات بديلة في بكين وموسكو.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.