في 13 ديسمبر 1975، خرجت مسيرة سلمية في شوارع المغرب بدعوة من العاهل الراحل الحسن الثاني لتحرير الصحراء من الاحتلال الإسباني واسترجاع المغرب أراضيه، يومها كان مواطن إماراتي يافع يسير مع الآلاف من المغاربة فيما عُرف لاحقًا بـ “المسيرة الخضراء”، هذا المواطن اسمه محمد بن زايد الذي أصبح بعدها بعقود رئيسًا لدولة الإمارات.
يستحضر المغاربة حتى اليوم هذا الموقف الرمزي للحديث عن الدعم الخليجي التاريخي والثابت لمغربية الصحراء رغم فتح الإمارات قنصلية لها في الصحراء الغربية، ورغم تغير الظروف الإقليمية والهزات التي حدثت في المنطقة، بما فيها الربيع العربي والخلاف الخليجي الذي دُفن في غضون سنوات.
وبحسب المركز الخليجي للدراسات والنشر تغيرت التحالفات في المنطقة العربية في المشرق والمغرب على مر العقود وبات اتحاد المغرب العربي، الميت سريريًا، على وشك أن يدفن محفوفا بالخلافات بين جيرانه.
ورغم ذلك، لا يزال المغرب يحافظ على دعم ثمين من الخليج في ملف شائك لأطول نزاع في شمال أفريقيا بعد الاستعمار: الصحراء الغربية.
خاض المغرب وجبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) مواجهات مسلحة بين عامي 1976 و1991 انتهت بوساطة من الأمم المتحدة لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار مقابل تنظيم استفتاء يُعطي الصحراويين الحق في تقرير مصير الإقليم. لكنه استفتاء لم يرَ النور.
اقترحت الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها منذ العام 2007، فيما دعت البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تُؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم.
ولا تعترف الأمم المتحدة بسيادة المغرب على المنطقة، وقد فشلت محاولاتها حل النزاع على مدار سنوات، لكنها نجحت في وقف القتال بين الطرفين
لماذا يدعم الخليج المغرب؟
حافظ البيت الخليجي على مر السنوات على موقف داعم لمغربية الصحراء وسلطة الرباط عليها بوجه جبهة البوليساريو، وذلك لعدة اعتبارات.
وتجدد تأكيد هذا الدعم في إعلان الدوحة في الدورة 44 لمجلس التعاون الخليجي في ديسمبر 2023 وخلال اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي بوزير الخارجية المغربي المنعقد في الرياض في مارس 2024 الذي أكد مرة أخرى على ثبات المواقف الخليجية المؤيدة لمغربية الصحراء والداعمة للحفاظ على أمن واستقرار المغرب وسيادته على الصحراء.
والموقف الخليجي الداعم لمغربية الصحراء قديم لكن أبرز محطاته كانت القمة المغربية الخليجية المنعقدة في العام 2016 في الرياض التي أكد خلالها قادة الدول الخليجية على مساندة مبادرة الحكم الذاتي التي يتشبث بها المغرب كحل لملف الصحراء.
في مارس 2024، احتفت الصحافة المغربية بمخرجات القمة الخليجية واعتبرت دول الخليج “الإخوة الحقيقيين” للمغرب ملمحة إلى فتور العلاقات بين تونس والمغرب بسبب استقبال زعيم البوليساريو في تونس في خطوة قلبت موازين ثوابت الدبلوماسية التونسية.
يتماهى الموقف الخليجي الداعم للرباط مع الموقف الأميركي الذي اعترف في ديسمبر 2020 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل تطبيع الرباط مع تل أبيب.
تاريخيًا، يستند الموقف الخليجي إلى ثقل الدور السعودي بالأساس، فالتعاون العسكري السعودي المغربي يعود إلى عدة عقود، إذ لم تتردد السعودية في دعم الجيش المغربي منذ سبعينيات القرن الماضي لاستعادة السيطرة على أراضيه، وبقيت الرباط وفية لهذا الدعم فانضمت إلى التحالف الخليجي ضد الحوثيين في اليمن في العام 2015.
شارك المغرب في القضاء على حركة جهيمان في الحرم المكي في العام 1979 التي احتجز فيها الآلاف من الحجاج على يد ما سمي بحركة المهدي الجديدة. تدخل وحدات خاصة مغربية لتحرير الرهائن يومذاك بالتعاون مع فرق استخباراتية أخرى.
وأرسل المغرب قوات لحفر الباطن بالسعودية 1990 بعد اجتياح صدام حسين للكويت.
وفي العام 2016 تناقلت بعض المصادر أنباء عن اعتزام السعودية مساعدة المغرب على تطوير صناعة أسلحة مغربية ورصد 22 مليار دولار لهذه الغاية رغم معارضة إسبانيا.
قبل ذلك، أبرمت العاصمتان اتفاقية سعودية مغربية في مجال التعاون العسكري والتقني بين القوات المسلحة الملكية والقوات المسلحة السعودية.
ووفق معهد واشنطن للدراسات الشرق الأدنى يشرف بعض الضباط السامين المغاربة على التكوين في كليات حربية خليجية، كما شاركت وحدات خاصة من القوات المسلحة الملكية المغربية وفق بعض المصادر في مواجهات بمنطقة جازان الواقعة جنوب غربي السعودية. التعاون العسكري والأمني لا يقتصر على السعودية، بل سبق أن أرسل المغرب وحدات عسكرية إلى الإمارات للمشاركة في “مواجهة الإرهاب”.
التماهي الأيديولوجي
يرى بعض المراقبين أن دعم الخليج الثابت للمغرب في ملف الصحراء الغربية لا يخلو من أسباب أيديولوجية كذلك، فجبهة البوليساريو التي تأسست في العام 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية تلقت مساعدات من ليبيا والجزائر حينذاك.
غير أن ليبيا سحب دعمه في العام 1984 فيما حافظت الجزائر، وإلى اليوم، على دعم البوليساريو وترجح الإحصائيات وجود ما لا يقل عن 165 ألف مواطن صحراوي يعيشون في مخيمات بالجزائر.
إيديولوجيا تعد البوليساريو حركة يسارية نشأت من رحم الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي سبقتها حركة صحراوية أخرى اسمها الحركة الثورية للرجال الزرق في العام 1969. نالت البوليساريو دعم منشق مغربي لاجئ في الجزائر هو الفقيه محمد البصري.
توسط البصري لدى معمر القذافي للحصول على دعم مالي للبوليساريو، وكان القذافي ميالا إلى البوليساريو لرغبته في إسقاط العاهل المغربي الحسن الثاني.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات تقلص المد اليساري الذي كان يضخ دماء ثورية في البوليساريو.
مع بروز حزب الله اللبناني، بحث بعض قادة البوليساريو عن دعم لدى هذا التكوين السياسي العسكري القريب من إيران ما جعل البوليساريو يعمق الهوة بينه وبين الخليج للأبد.
وقد حاز البوليساريو كذلك على دعم بعض دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا التي اعترفت بالبوليساريو في العام 1985 ثم سحبت وعادت لتعترف بالجبهة مرة أخرى.
كما حاز دعم البيرو قبل أن يتراجع في العام 2023.يرى بعض المراقبين أن تصدير فكرة البوليساريو تقف وراءها الجزائر، وهي ثمرة نجاحها في تقديم نفسها كأنموذخ ناجح للتحرر من الاستعمار والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الجزائري للتخلص من المحتل الفرنسي.
فالثورة الجزائرية تنال التقدير وتحوز انبهار شعوب كثيرة حول العالم لا سيما في الدول اللاتينية التي تبرز فيها حركات ذات توجه معاد للامبريالية وكل ما يرمز إليها.
اللافت أن تونس التي رغم حضور اليسار فيها منذ عقود، لم تكن في صف البوليساريو، بل حافظت لعقود على موقف ينأى بنفسه عن قضية الصحراء ولم تعترف مطلقا بجبهة البوليساريو حتى في أوج الخلافات مع الرباط.
غير أنها حادت عن هذا التقليد حين استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم البوليساريو إبراهيم غالي في تونس في أغسطس 2022 متأثرا بالضغط الجزائري، وفق ما يراه مراقبون مستبعدين أن يكون سعيد قد تشاور مع الدبلوماسية التونسية قبل أن يخطو هذه الخطوة.
الوساطة السعودية
تجدد الخلاف المغربي الجزائري في يوليو 2021 حين استدعت الجزائر سفيرها في الرباط للتشاور، على خلفية إعلان سفير المغرب لدى الأمم المتحدة دعم “حركة استقلال منطقة القبائل” الجزائرية وهو الإعلان الذي جاء رداً على إثارة وزير خارجية الجزائر رمطان العمامرة، قضية الصحراء الغربية في اجتماع لحركة عدم الانحياز.
سارعت الرياض إلى الوساطة بين الجانبين من خلال القنوات الدبلوماسية وسبق لها التوسط بينهما في قمة المؤتمر الإسلامي في مكة في العام 1987.لم تنجح الرياض إلى اليوم في رأب الصدع المغربي الجزائري لكنها تحاول المحافظة على الاستقرار في البلدين والمحافظة على استثماراتها كذلك.
كما تسعى قطر إلى لعب دور الوسيط للتقريب بين الجارين الجزائري والمغربي بعد قطع العلاقات بينهما في العام 2021.
يذهب مراقبون إلى إن تطبيع الرباط علاقاتها مع تل أبيب كان بضغط إماراتي وأمريكي مقابل نيل ورقة رابحة في ملف الصحراء الغربية، وهو ما تجسد باعتراف ترامب بسلطة المغرب على الصحراء لكن الأمم المتحدة لا تعترف بهذه السلطة.
ويبقي الرهان على الدعم الخليجي قائماً وأقرب من الحاضنة المغاربية، في ظل تحلل اتحاد المغرب العربي والفتور التونسي المغربي والخلاف الجزائري الذي لا يفتر. لطالما ذهب المغرب بعيداً لنيل الدعم في قضية الصحراء حتى يبقى قريباً منها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=67111