في ظل الطفرة العمرانية غير المسبوقة التي تشهدها الإمارات، تبرز الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي كأحد الحلول المطروحة لمعالجة أزمة متفاقمة في قطاع البناء، تتمثل في النقص الحاد في العمالة.
وقال موقع المونيتور الإخباري إن هذا التحول التقني، الذي كان يُنظر إليه قبل سنوات كخيار مستقبلي، بات اليوم مطروحاً بجدية على طاولة المطورين وصناع القرار، مع اتساع فجوة العرض والطلب في سوق العمل.
وذكر الموقع أن شركة “بيلدرويد إيه آي” الأميركية الناشئة تتصدر هذا التوجه، بعد إعلانها إطلاق أول روبوتات متخصصة في وضع الكتل والطوب في مشاريع البناء داخل الإمارات.
ويؤكد أنتون غلانس، المؤسس المشارك للشركة، أن هذه التكنولوجيا قادرة على إحداث قفزة نوعية في كفاءة قطاع يعاني من اختناقات هيكلية، مشيراً إلى أن الروبوتات يمكنها مضاعفة كفاءة التكلفة أكثر من ثلاث مرات، ورفع الإنتاجية بما يصل إلى ستة أضعاف مقارنة بالأساليب اليدوية التقليدية.
وتعتمد تقنية “بيلدرويد” على دمج نمذجة معلومات البناء (BIM) مع محاكاة “التوأم الرقمي” المدعومة بالذكاء الاصطناعي عبر منصة “نفيديا أومنيفيرس”، ما يسمح بتخطيط دقيق لسير العمل الروبوتي داخل مواقع البناء.
وبحسب الموقع فإن هذا الدمج لا يهدف فقط إلى تسريع الجداول الزمنية للمشاريع، بل أيضاً إلى تقليل الهدر، ورفع جودة التنفيذ، وتقليص الأخطاء البشرية التي طالما رافقت الأعمال الإنشائية التقليدية.
وجاء دخول “بيلدرويد” إلى السوق الإماراتية في توقيت بالغ الحساسية، إذ يشهد قطاع البناء في الدولة نمواً تصاعدياً منذ عام 2020.
ووفق تقرير حديث لشركة “نايت فرانك”، من المتوقع أن ينمو القطاع بنسبة 5.2% في عام 2025، ليصل حجمه إلى نحو 130 مليار دولار بحلول عام 2029، مدفوعاً بمشاريع بنية تحتية ضخمة وتوسع عمراني متواصل. هذا الزخم الاستثماري، رغم إيجابيته الاقتصادية، كشف في الوقت نفسه هشاشة الاعتماد شبه الكامل على العمالة المهاجرة.
ويشير غلانس إلى أن قطاع البناء في الإمارات يعتمد تاريخياً على عمالة وافدة من جنوب آسيا، خصوصاً من الهند وباكستان وبنغلاديش.
غير أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة، ولا سيما التوترات بين الهند وباكستان والحرب القصيرة التي اندلعت بينهما في مايو الماضي، دفعت الإمارات إلى تقييد تأشيرات العمال من باكستان وبنغلاديش، ما أدى إلى تقلص حاد في المعروض من العمالة.
في الوقت نفسه، يشهد سوق البناء في الهند ازدهاراً كبيراً، إذ تقدر قيمته حالياً بنحو 210 مليارات دولار، مع توقعات بوصوله إلى 366 مليار دولار بحلول عام 2031.
وقد قلل هذا النمو المحلي من رغبة العمال الهنود في الهجرة، بعدما باتت فرص العمل داخل بلادهم أكثر وفرة وربحية، وهو ما عمّق أزمة نقص العمالة في دول الخليج.
ويكشف غلانس عن حجم التحدي قائلاً إن أحد المطورين العقاريين في الإمارات أبلغه بحاجته إلى ما بين 5000 و7000 عامل بناء خلال عام واحد فقط. وإذا ما أخذنا في الاعتبار وجود أكثر من 2000 مطور عقاري في الدولة، فإن حجم الفجوة المتوقعة في سوق العمل يبدو هائلاً، ما يضع استدامة الطفرة العمرانية على المحك.
في هذا السياق، يُقدَّم التحول إلى الروبوتات ليس كخيار تكنولوجي فحسب، بل كضرورة اقتصادية.
فبدلاً من الاعتماد على أعداد متزايدة من العمال، يمكن إنجاز حجم أكبر من العمل بالقوى العاملة نفسها، مع إعادة تأهيلها وتدريبها على تشغيل الأنظمة الذكية وإدارة الآلات، ما يفتح الباب أمام رفع مهارات العمال بدلاً من استبدالهم بالكامل.
وقد نجحت “بيلدرويد” بالفعل في تنفيذ ثلاثة مشاريع تجريبية داخل الإمارات، شملت مركز بيانات ومشاريع سكنية وتجارية، في مؤشر على استعداد السوق لتبني هذه الحلول.
كما جمعت الشركة في نوفمبر الماضي تمويلاً أولياً بقيمة مليوني دولار لدعم إطلاق روبوتاتها الأولى، مع خطة للتركيز مبدئياً على أعمال الكتل والقواطع، قبل التوسع لاحقاً إلى مجالات أخرى مثل الطلاء والقصارة، اعتباراً من عام 2027.
واختيار دبي كنقطة انطلاق لم يكن صدفة، إذ يرى غلانس أن الإمارة تتمتع ببيئة تنظيمية منفتحة على الابتكار، واستعداد رسمي لتجربة التقنيات الجديدة.
وفي الوقت نفسه، تخطط الشركة للتوسع في أسواق أخرى بالمنطقة والولايات المتحدة، مستفيدة من النمو السريع لقطاع البناء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الذي يُتوقع أن يصل حجمه إلى أكثر من 400 مليار دولار بحلول عام 2030.
ولا يتوقف طموح “بيلدرويد” عند الروبوتات التقليدية، إذ تسعى الشركة إلى أن تكون أول من ينشر روبوتات شبيهة بالبشر في مواقع البناء داخل الإمارات.
ويرى غلانس أن هذه الروبوتات، بقدراتها المتقدمة على اتخاذ القرار والتكيف، قد تشكل ثورة حقيقية في القطاع، رغم أنها لا تزال في مرحلة التطوير.
ومع اقتراب هذه التكنولوجيا من الجاهزية، يبدو أن قطاع البناء في الإمارات يقف على أعتاب تحول جذري، قد يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة في واحدة من أكثر الصناعات اعتماداً على العمل اليدوي.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73320