الربيع العربي والغرب: 7 دروس من التاريخ وأرشيف باثي نيوز

لندن – خليج 24| في ذكرى اندلاع ثورة الربيع العربي، قدمت صحيفة الجارديان البريطانية سبعة دروس توضح علاقة الغرب بالشرق الأوسط مستعينة بالتاريخ وأرشيف الصحفي باثي نيوز.

 

وكتب التقرير سيوماس ميلن مدير الاستراتيجية والاتصالات بحزب العمال البريطاني وهو كاتب عمود سابق بصحيفة الغارديان، وفق التالي.

 

هناك شعور حقيقي في الشرق الأوسط أكثر من أي بقعة أخرى من العالم الاستعماري سابقًا بأنَّ الشرق الأوسط لم يحصل على استقلاله بالكامل.

 

وبسبب تربعه على عرش مخزون البترول الأكبر في العالم، تم استهداف العالم العربي بتدخلات وغزو مستمرين، حتى بعد حصوله رسميًا على الاستقلال.

 

وبعد تقسيمه إلى دول صورية بعد الحرب العالمية الأولى، تم قصف واحتلال أجزاء منه بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا.

 

كما تم محاصرته بالقواعد الأمريكية وأنظمة استبدادية مدعومة من الغرب.

 

وكما كتبت المدونة الفلسطينية لينا الشريف على تويتر: “إنَّ السبب وراء عدم انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الآن، هو أننا في الشرق الأوسط ما زلنا نعيش عواقبها“.

 

وقد ركزت الثورات العربية التي اشتعلت شرارتها الأولى في تونس عام 2011 على الفساد والفقر وانعدام الحريات، وليس الهيمنة الغربية أو الاحتلال الإسرائيلي.

 

ولكن حقيقة انطلاقهم ضد الديكتاتوريات المدعومة من الغرب تعني أنَّهم شكلوا تهديدًا فعليًا للنظام الإستراتيجي.

 

ومنذ يوم سقوط حسني مبارك في مصر، ظهر اتجاه مضاد متعنت بقيادة القوى الغربية وحلفائها في الخليج (الإمارات والسعودية) لرشوة أو تحطيم أو السيطرة على الثورات العربية.

 

ولديهم معين من الخبرة المتأصلة يمكّنهم من استنتاج أنَّ: كل مركز للثورات العربية، من مصر إلى اليمن، عاش عقودًا تحت الهيمنة الاستعمارية.

 

وكل دول حلف الناتو الأساسية التي قامت بضرب ليبيا، ومنها على سبيل المثال – الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا- كانت لديهم قوات تحتل المنطقة ومازالت ذكراها حية في الأذهان.

 

وإذا أرادت الثورات العربية أن تتحكم في مستقبلها، فهي في حاجة إلى مراقبة ماضيها القريب.

 

ولذا نسرد هنا سبعة دروس من تاريخ التدخل الغربي في الشرق الأوسط، بإذن من أرشيف الصحفي باثي نيوز، صوت بريطانيا العظمى التي لا عهد لها أبان الحقبة الاستعمارية.

 

1. لا يكل الغرب ولا يمل أبدًا في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، مهما كانت العقبات

باعتبار المحاولة الأخيرة التي سعت فيها الدول العربية إلى الخروج من المدار الغربي – في الخمسينيات من القرن الماضي، تحت تأثير الوحدة العربية التي أطلقها جمال عبد الناصر، في يوليو (تموز) عام 1958، أطاح ضباط جيش عراقيون قوميون متشددون بنظام فاسد وقمعي مدعوم من الغرب (هل يبدو ذلك مألوفًا؟)، ومحميّ من قِبل القوات البريطانية.

 

أصاب طرد الملكية العراقية، النظام المهادن الموثوق به، باثي بالفزع. فأطلقت صيحة تحذير في أول تقرير إخباري لها تعليقًا على الأحداث بأن العراق الغنية بالبترول أصبحت “منطقة الخطر الأولى”، بالرغم من “وطنية” الملك فيصل -“وهو الذي تلقى تعليمه في مدرسة هارو”- والتي “لا يُختلف عليها”، يؤكد التعليق الصوتي لنا أنَّ – الأحداث تحركت بسرعة شديدة، “لسوء حظ السياسة الغربية”.

 

ولكن في غضون أيام قليلة- مقارنةً بالشهرين اللذين استغرقهما تدخلهم في ليبيا هذا العام- حركت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية آلاف القوات إلى الأردن ولبنان لحماية اثنين من الأنظمة العميلة لهم من الثورة الناصرية. أو، كما تقول باثي نيوز في تقريرها التالي، لغرض” إيقاف سريان الفساد في الشرق الأوسط”.

 

ولم يكن لديهم نية مطلقًا لترك العراق الثورية لأجهزتها الخاصة. وبعد أقل من خمس سنوات: في فبراير (شباط) عام 1963، دعمت المخابرات البريطانية والأمريكية الانقلاب الدموي والذي جلب في البداية بعثيي صدام حسين للسلطة.

 

وبالتقدم سريعًا لعام 2003، نجد أن بريطانيا وأمريكا استطاعتا غزو واحتلال الدولة بالكامل. وأخيرًا عادت العراق تحت سيطرة غربية كاملة – على حساب دم شعب تمت إراقته بوحشية ودمار.

 

إنَّ قوة المقاومة العراقية هي التي أدت إلى رحيل القوات الأمريكية هذا الأسبوع – ولكن حتى بعد الانسحاب، سوف يظل 16000 مقاول ومدرب وآخرين تحت أمر الولايات المتحدة. ففي العراق، كما في باقي المنطقة، لا يرحلون إلا إذا أرغموا على ذلك.

 

2. عادةً ما تخدع القوى الاستعمارية أنفسها بشأن حقيقة ما يفكر به العرب

هل من الممكن أن يكون مقدم باثي نيوز- والمحتلون الاستعماريون اليوم- قد صدقوا بالفعل أنَّ “آلاف العرب” عندما أمطروا الثناء المرعب على الديكتاتور الفاشي موسولينى عندما قام بجولة في شوارع طرابلس في المستعمرة الإيطالية بليبيا في عام 1937 كانوا بالفعل يعنون ذلك؟ قد لا تظن ذلك عندما تنظر إلى وجوههم الخائفة.

 

ولا توجد أدنى إشارة في الفيلم الإخباري إلى أنَّ ثلث سكان ليبيا قد ماتوا تحت وطأة الحكم الإيطالي الاستعماري الوحشي، ولا عن حركة المقاومة الليبية البطولية التي قادها عمر المختار، والذي شُنق في معسكر اعتقال إيطالي. ولكن بعد ذلك يصف التعليق الصوتي، أو “القناع الاستعماري”، موسولينى بأنَّه كالساسة البريطانيين في ذلك الوقت.

 

وتقرير باثي عن زيارة الملكة للمستعمرة البريطانية عدن (الآن جزء من اليمن) بعد سنوات قليلة كان مشابهًا على نحو مخيف، مع “آلاف من” الرعايا المخلصين السعداء “يقدمون ترحيبهم المفترض” لملكتهم والذي وصفته بفرح بأنه “مثال غير مسبوق في التطور الاستعماري”.

 

وبالفعل كان غير مسبوق حيث إنَّه بعد ما يقرب من قرن أجبرت حركات التحرير اليمنية الجنوبية القوات البريطانية على إخلاء آخر موقع من الإمبراطورية بعد ما تعرضوا للضرب والتعذيب والقتل في طريقهم عبر منطقة فوهة عدن.

 

ويشرح جندي مشاه سابق في وثائق بي بي سي 2004 عن عدن أنَّه لا يمكنه الخوض في التفاصيل بسبب خطورة ادعاءات جرائم الحرب.

 

 جندي بريطاني يعتقل متظاهرًا في منطقة كارتر بعدن في عام 1967. صورة: تيري فينشر/ جيتي
جندي بريطاني يعتقل متظاهرًا في منطقة كارتر بعدن في عام 1967. صورة: تيري فينشر/ جيتي

 

ولكن اكتشاف حقيقة إعلام العصور الأخرى أسهل مما يكون عليه الأمر في عصرك – خاصةً عندما تتم قيادته بواسطة أسلوب الخمسينيات من القرن الماضي المثير للضحك شخصيات هاري إنفيلد/ شولمونديلي – وارنر.

 

وتوقع اليمينيون المتطرفون أمرًا سهلاً في العراق، ورأينا في التغطية الإعلامية الأمريكية والبريطانية للغزو في البداية أنه كان لا يزال هناك عراقيون يلقون الورود على قوات الغزو عندما كانت المعارضة المسلحة تتدفق بالكامل بالفعل.

 

وأورد التليفزيون البريطاني أنَّ القوات البريطانية “تحمي الشعب المحلي” من طالبان في أفغانستان، والذي يمكن أن يكون مذكرًا على نحو مذهل بالأفلام التسجيلية من الخمسينيات من عدن والسويس.

 

حتى خلال الثورتين المصرية والليبية هذا العام، رأى الإعلام الغربي ما يود أن يراه في الغالب في الحشود سواء في ميدان التحرير أو بنغازي – حتى أخذته الدهشة، عندما انتهى الأمر بوصول الإسلاميين إلى السلطة أو الفوز بالانتخابات. وأيًا كان ما سيحدث لاحقًا، فإنهم لا يبدو أنهم سيحصلون عليها.

 

3. القوى العظمى هي أيادٍ خبيرة في تجميل الأنظمة العميلة لإبقاء تدفق البترول

عند الحديث عن حكام الخليج الرجعيين، وحتى أكون منصفًا، فهم غير مزعجين بالمرة. ولكن قبل أن تنال منهم الموجة المناهضة للإمبريالية في الخمسينيات من القرن الماضي، عكفت أمريكا وبريطانيا وفرنسا على تزيين الأنظمة العميلة لجعلها تبدو كديمقراطيات دستورية.

 

وفي بعض الأوقات يخفق هذا الجهد سريعًا، ويبدو مثل هذا في التقرير الفكاهي عن “الاختبار الأساسي الأول للديمقراطية” في ليبيا تحت الدمية الأمريكية – البريطانية الملك إدريس واضحًا بما لا يدع مجالاً للشك.

 

أدى التلاعب المخزي بالانتخابات عام 1952 ضد المعارضة إلى شغب ومنع لكل الأحزاب. وتم الانقلاب بعد ذلك على إدريس بواسطة القذافي، وتم تأميم البترول وإغلاق قاعدة هويلس الأمريكية – وبرغم ذلك فإن علم الملك يعلو مرة أخرى في طرابلس بمساعدة حلف الناتو، بينما تنتظر شركات البترول الغربية لحصد مكاسبها.

 

وتم التلاعب أيضًا بالانتخابات وتعذيب آلاف المعتقلين السياسيين في الخمسينيات بالعراق. ولكن عندما يتعلق الأمر بطبقة الموظفين البريطانيين – الذين ترسخ وضعهم باعتبارهم “المستشارين الحكوميين” في بغداد وقاعدتهم العسكرية في الحبانية – والأفلام التسجيلية المعروضة في دور السينما البريطانية في ذلك الوقت، كانت العراق في عهد الملك فيصل تعد دولة ديموقراطية مسالمة و”ناجحة”.

 

وتحت مراقبة السفراء الأمريكيين والبريطانيين و”السيد جيبسون” لشركة الوقود البريطانية العراقية، يُمكننا أن نرى رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد، يفتتح حقل بترول “الزبير” بالقرب من البصرة في عام 1952 لبناء “المدارس والمستشفيات” من خلال “عمل مشترك بين الشرق والغرب”.

 

وفي الواقع سوف يحدث ذلك فقط عندما يتم تأميم البترول – وبعد ذلك بست سنوات تم اغتيال السعيد في شوارع بغداد عندما حاول الهروب مرتديًا زى امرأة.

 

وبعد مرور نصف قرن عاد البريطانيون للسيطرة على البصرة، وبينما يحارب العراقيون اليوم لمنع الاستيلاء على آبار بترول بلدهم المشتتة، يُصر الساسة الأمريكيون والبريطانيون مرة أخرى على الديمقراطية !.

 

وأي دولة من دول “الربيع العربي” تتخلى عن حق تقرير مصيرها بنفسها من أجل احتضان الغرب يمكن بالفعل أن تتوقع مصيرًا مشابهًا- تمامًا مثل الأنظمة العميلة التي لم تترك مدارها قط، كالدولة البوليسية الفاسدة في الأردن، والتي يُدعى أنها نماذج للقيادة الرشيدة و”الاعتدال”.

 

4. لا تنسى شعوب الشرق الأوسط تاريخها – حتى لو نسيت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ذلك

لا يمكن أن تكون الفجوة أوسع من ذلك. وعندما حذر محمد هيكل الصحفي المحنك ووزير الإعلام في عهد جمال عبد الناصر الثورات العربية أنَّه يتم استخدامها لفرض “اتفاقية سايكس – بيكو” جديدة – عندما قامت الحرب العالمية الأولى بتقسيم الشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا – فهم العرب وآخرون في الشرق الأوسط ماذا يقصد بالضبط.

 

فهي قامت بتشكيل المنطقة بالكامل وعلاقاتها مع الغرب منذ ذلك الحين. لكن بالنسبة لأغلب غير المتخصصين في بريطانيا وفرنسا، من الممكن أن تكون سايكس بيكو أيضًا بمثابة علامة تجارية غامضة على مبشرة الجبن الكهربائية.

 

وهذا ينطبق أيضًا على أكثر من قرن من التدخل والاستعمار والتدمير غير الديموقراطي البريطاني الأمريكي ضد إيران.

 

وعبَّر الإعلام البريطاني عن حيرته إزاء كراهية الشعب الإيراني لبريطانيا عندما تم تدمير السفارة في طهران الشهر الماضي على يد متظاهرين. ولكن إذا كنت تعرف السجل التاريخي، فهل هناك شيء أقل غرابة؟

 

تم تبني مبدأ الشك عند أورويل في الدور البريطاني بشكل مثير للاهتمام من قِبل باثي عند تناول الإطاحة بالقائد الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق عام 1953 بعد أن قام بتأميم البترول الإيراني.

 

تم وصف المتظاهرين المؤيدين لمصدق بالعنف والتدمير، بينما نظمت المخابرات البريطانية والأمريكية العنيفة انقلابًا لطرده في مقابل الترحيب بالشاه باعتباره شخصية محبوبة و”تحولاً دراميًا للأحداث”.

 

وألقت الأفلام التسجيلية اللعنات على “الديكتاتور الافتراضي” المنتخب مصدق، والذي أعلن أثناء محاكمته اللاحقة بتهمة الخيانة العظمى عن أمله في أن يصبح مصيره مثالاً “لكسر قيود عبودية الاستعمار”.

 

وتم تقديم الديكتاتور الحقيقي كحاكم للشعب، وهو الشاه المدعوم من الغرب والذي مهدت رجعيته الوحشية الطريق للثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية بعد ذلك بنحو 26 عامًا.

 

 محمد مصدق، رئيس الوزراء المطرود، أثناء محاكمته في وجود المخابرات البريطانية والأمريكية التي نظمت انقلابًا للإطاحة بحكومته المنتخبة في عام 1953. الصورة: إيه أف بي
محمد مصدق، رئيس الوزراء المطرود، أثناء محاكمته في وجود المخابرات البريطانية والأمريكية التي نظمت انقلابًا للإطاحة بحكومته المنتخبة في عام 1953. الصورة: إيه أف بي

وهكذا عندما ينتقد الساسة الغربيون التسلطية الإيرانية بقسوة أو يتقمصون دور البطولة في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية بينما لا يزالون مستمرين في مساندة الأنظمة الديكتاتورية في المملكة العربية السعودية، فلن يكون هناك الكثير في الشرق الأوسط ممن يأخذون ذلك على محمل الجد.

 

5. يقدم الغرب دائمًا العرب الذين يصرون على إدارة شئونهم الخاصة كمتعصبين

لم تكن الثورة التي بدأت في ديسمبر الماضي في سيدي بوزيد أول ثورة شعبية تقوم ضد الحكم التعسفي في تونس. ففي الخمسينيات أدانت الحكومات الاستعمارية وداعموها بطبيعة الحال الحركة المناهضة للحكم الاستعماري الفرنسي بوصفها حركة “متطرفة” و”إرهابية”.

 

ولم يكن لدى باثي نيوز في الواقع أي اتصال بحملتهم من أجل الاستقلال. وفي عام 1952، تم إلقاء تهمة الهجوم على قسم شرطة على “مجموعة من القوميين المتعصبين” في شمال إفريقيا.

 

وبينما قامت الشرطة الاستعمارية بعملية “بحث نشيطة عن الإرهابيين” – على الرغم من أن الرجال المذهولين الذين كان يتم سحبهم من منازلهم تحت تهديد السلاح كانوا يبدون أقرب إلى “المشبوهين العاديين” لكابتن رينولت في كازابلانكا – حين يشتكي المُقدم من أن “المتعصبين يتدخلون مرة أخرى ويزيدون من صعوبة الموقف”.

 

وعنى بذلك القوميين التونسيين بالتأكيد، وليس النظام الاستعماري الفرنسي.

 

وقد خفت نجم القومية العربية منذ نشأت الحركات الإسلامية، والتي تم إقصاؤها بوصفها حركة “متعصبين”، وذلك من جانب الغرب وبعض القوميين السابقين.

 

ولأنَّ الانتخابات تأتي بحزب إسلامي تلو الآخر في العالم العربي، فإنَّ أمريكا وحلفاءها يحاولون ترويضهم – على السياسة الأجنبية والاقتصادية، بدلاً من تفسيرات الشريعة.

 

والذين يخضعون لذلك سوف يتم اعتبارهم “معتدلين” – أما الباقي فسيظل من “المتعصبين”.

 

6. التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت والدمار والتقسيم والحكم

ليست هناك حاجة للبحث في السجلات التاريخية لاستنتاج تلك الحقيقة. فتجربة العقد الأخير واضحة بشكل كافٍ.

 

وسواءً كان ذلك غزوًا واحتلالاً بشكل كامل مثل العراق، حيث تم قتل مئات الآلاف، أو قصفًا جويًا لتغيير النظام تحت شعار “حماية المدنيين” في ليبيا، حيث تم قتل عشرات الآلاف، فقد كانت الخسائر البشرية والمادية كارثية.

 

وكان هذا هو الحال طوال التاريخ المشئوم للتدخل الغربي في الشرق الأوسط. ويمكن لفيلم باثي نيوز الصامت لتخريب دمشق على يد القوات الاستعمارية الفرنسية خلال الثورة السورية عام 1925 أن يقدم صورة شبيهة للفلوجة في عام 2004 أو سرت في هذا الخريف – وذلك بغض النظر عن الطرابيش والخوذات.

 

وبعد ثلاثين عامًا بدت بورسعيد في وضع مشابه خلال العدوان البريطاني الفرنسي على مصر عام 1956 الذي ميز حلول الدول الاستعمارية الأوروبية السابقة محل الولايات المتحدة كقوة مسيطرة في المنطقة.

 

وهذا الفيلم التسجيلي للقوات البريطانية وهي تهاجم السويس، وقوات الغزو وهي تحتل وتدمر مدينة عربية أخرى، بيروت أو البصرة مثلاً – قد أصبح من الملامح المميزة والمعتادة للعالم المعاصر ورابطًا مباشرًا بالعصر الاستعماري.

 

 القوات البريطانية تحيط بالحشود الجائعة أمام أطلال بورسعيد، التي تم تدميرها خلال العدوان البريطاني - الفرنسي على مصر في عام 1956. صورة: جيتي
القوات البريطانية تحيط بالحشود الجائعة أمام أطلال بورسعيد، التي تم تدميرها خلال العدوان البريطاني – الفرنسي على مصر في عام 1956. صورة: جيتي

وهكذا كانت الخطط الإمبريالية التقليدية لاستخدام الدين والانقسامات العرقية لتقوية الاحتلال الأجنبي: سواء من الأمريكيين في العراق أو الفرنسيين في سوريا أو لبنان أو البريطانيين أينما ذهبوا تقريبًا.

 

ويمتلئ أرشيف باثي نيوز بالأفلام التسجيلية التي تروج للقوات البريطانية باعتبارها تعمل على “الحفاظ على السلام” بين الطوائف المتناحرة، من قبرص حتى فلسطين – وكل هذا لصالح استمرار السيطرة.

 

والآن تعمل التقسيمات الطائفية والعرقية التي فُرضت تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والتي تم حشدها بواسطة حلفاء الغرب في الخليج للتخلص من تحديات الصحوة العربية أو تحويل مسارها: ومثلما حدث في قمع الثورة البحرينية، وعزل اضطرابات الشيعة في المملكة العربية السعودية وزيادة الصراع الطائفي في سوريا – لن يؤدي التدخل الأجنبي إلا إلى رفع نسبة القتل ومنع السوريين من حق السيادة في وطنهم.

 

7. الرعاية الغربية للاستعمار في فلسطين هي عقبة دائمة في وجه العلاقات الطبيعية مع العالم العربي

كان يُمكن ألا يتم إنشاء دولة إسرائيل لولا الحكم الاستعماري لبريطانيا الذي دام ثلاثين عامًا في فلسطين ورعايتها للاستعمار الأوروبي اليهودي على نطاق واسع تحت شعار وعد بلفور عام 1917؛ وكان من الواضح أن فلسطين المستقلة ذات الأغلبية الفلسطينية العربية لم تكن لتقبل بهذا أبدًا.

 

وتتجلى الحقيقة المقنعة في هذا المقطع لباثي نيوز من وقت الثورة العربية ضد التفويض البريطاني في نهاية الثلاثينيات حيث يعرض الجنود البريطانيين وهم يحاصرون الفلسطينيين “الإرهابيين” في مدينتي الضفة الغربية المحتلة نابلس وطولكرم – تمامًا كما يفعل خلفاؤهم الإسرائيليون اليوم.

 

إن سبب شعور المستوطنين اليهود بالأمان، كما يعلن المُقدم ذلك بنبرات حادة لاهثة في التعليق الصوتي المميز لفترة الثلاثينيات، هو “القوات البريطانية اليقظة دائمًا، والحامية دائمًا”. وانهارت العلاقة بعد تقييد بريطانيا للهجرة اليهودية إلى فلسطين عشية الحرب العالمية الثانية.

 

وكان رد الفعل الاستعماري لبريطانيا، في فلسطين وفي أماكن أخرى، هو دائمًا الظهور باعتبارها “راعية القانون والنظام” ضد “تهديد الثورة” و”سيدة الموقف” – كما يبدو في هذا الفيلم الإخباري المضلل عام 1938 من القدس.

 

ولكن الصلة الأساسية السابقة بين القوة الاستعمارية الغربية والمشروع الصهيوني أصبحت تحالفًا إستراتيجيًا دائمًا بعد تأسيس إسرائيل – من خلال إجلاء ونزع الملكية من الفلسطينيين وعدة حروب و44 عامًا من الاحتلال العسكري واستعمار غير قانوني مستمر للضفة الغربية وغزة.

 

وتعد الطبيعة غير المشروطة لهذا التحالف، والتي تظل محور سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هي أحد الأسباب التي تفسر احتمال رفض الحكومات العربية المنتخبة ديمقراطيًا أن تلعب دور الضحية للقوة الأمريكية والذي كانت تلعبه حكومة مبارك وأنظمة مثل السعودية والإمارات الديكتاتورية.

 

ولا شك أن القضية الفلسطينية متأصلة في الثقافة السياسية العربية والإسلامية. ومثل بريطانيا قبلها، يُمكن أن تكافح الولايات المتحدة الأمريكية لتظل “سيدة الموقف” في الشرق الأوسط.

طالع أيضا:

الإمارات تستلهم التجربة الإسرائيلية في إخفاء الجرائم

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.