الدلالات الاستراتيجية لإطلاق الدرهم الرقمي في الإمارات

يمثل إعلان مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي عن قرب إطلاق الدرهم الرقمي خطوة مفصلية في مسار التحول الرقمي الشامل الذي تتبناه الدولة، ورهاناً استراتيجياً على مستقبل الاقتصاد غير النقدي.

فالعمل على إدخال نسخة رقمية من العملة الوطنية، تكون مدعومة بالكامل من البنك المركزي ومتاحة مجاناً للمستهلكين والشركات الصغيرة والمتوسطة، يعكس جاهزية البنية التحتية المالية الإماراتية للانتقال نحو مرحلة جديدة من التطور التكنولوجي والمالي في آن واحد.

وبحسب بول كيروز، كبير مسؤولي التكنولوجيا المالية في مصرف الإمارات المركزي، فإن إطلاق الدرهم الرقمي سيتم “قريباً جداً” وعلى مراحل تتضمن حالات استخدام مصممة خصيصاً لاحتياجات الاقتصاد الرقمي.

وتكشف هذه الإشارة أن المبادرة لم تعد في نطاق التجريب بل أصبحت في طور التطبيق العملي، وهو ما تؤكده الصفقة الوطنية الأولى بالدرهم الرقمي المنفذة الشهر الماضي بين وزارة المالية ودائرة المالية في دبي، والتي أُنجزت في أقل من دقيقتين عبر منصة mBridge متعددة البنوك المركزية.

ويعكس هذا الإنجاز جاهزية الإمارات لدمج تكنولوجيا التسوية الرقمية في القطاعات الحكومية والخاصة، وسعي الدولة لتكون لاعباً رئيسياً في ثورة العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) على المستوى الدولي، خصوصاً عبر منصات عابرة للحدود.

مجانية الخدمة… مؤشر على توسيع الشمول المالي

إعلان البنك المركزي بأن الدرهم الرقمي سيكون مجانياً للمستهلكين وللشركات الصغيرة والمتوسطة خطوة حاسمة في تعزيز الشمول المالي، وتسهيل الوصول إلى المدفوعات الرقمية، وخفض التكاليف على مستخدمي التجزئة والأعمال الصغيرة.

 

ويتماشى هذا التوجه مع خطط الإمارات لخلق اقتصاد تنافسي قائم على الابتكار، حيث تشكل المدفوعات الرقمية العمود الفقري لأي نشاط اقتصادي حديث.

كما أن الطبيعة الرقمية الكاملة للعملة ستسمح بإجراء المدفوعات الفورية سواء على مستوى المدفوعات اليومية للأفراد أو المدفوعات الكبيرة بين المؤسسات، مما يحد من الاعتماد على الأنظمة التقليدية التي تتسم بالبطء وارتفاع التكلفة.

تعزيز قطاع السياحة بعملة رقمية قابلة للاستخدام الفوري

واحدة من أبرز دلالات الإطلاق هي الفائدة المباشرة للسياح الذين يزورون الإمارات.

فوفقاً لكيروز، سيتمكن الزائرون من شحن محافظهم الرقمية بأي عملة، تحويلها إلى الدرهم الرقمي، وإنفاقها داخل الدولة بسهولة، ثم استعادة عملتهم الأصلية بنقرة واحدة قبل مغادرة البلاد.

وتمنح هذه الميزة الإمارات أفضلية تنافسية في قطاع السياحة، عبر تبسيط عملية الدفع والتخلص من التحديات التقليدية مثل فروقات سعر الصرف ورسوم التحويل.

تمكين التجارة والتحويلات عبر الحدود

أكدت ورقة السياسات الصادرة عن البنك المركزي في يوليو الماضي أن الدرهم الرقمي يفتح آفاقاً واسعة للتسوية الفورية للمدفوعات عبر الحدود، وهو مجال لطالما واجه تحديات تتعلق بالتكلفة والسرعة والشفافية.

ومع الاعتماد على منصة mBridge، فإن الإمارات تضع نفسها في صلب تحالف دولي لتطوير شبكات دفع تربط البنوك المركزية ببعضها، بما يعزز موقعها كمركز مالي عالمي.

كما سيسهم الدرهم الرقمي في تعزيز تدفقات التحويلات المالية — أحد أهم القطاعات في الاقتصاد الإماراتي — عبر خفض زمن التحويل وتكلفته، وإتاحة خدمات مالية حديثة للعمالة الوافدة والأفراد غير المتعاملين مع البنوك.

وإلى جانب العملة الرقمية، يعمل مصرف الإمارات المركزي على مشاريع موازية تشمل استخدام البصمة البيومترية — مثل بيانات الوجه أو الهوية الإماراتية — لإجراء المدفوعات، إضافة إلى رقمنة الضمانات المصرفية، مما يشكّل نقلة نوعية في تمويل التجارة وتسريع الإجراءات بين الإمارات والدول الأخرى.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.