تناولت دراسة أصدرها مركز البيت الخليجي للدراسات والنشر، مدى الحاجة إلى تعديل الدستور في الكويت على إثر التطورات السياسية الأخيرة في البلاد.
وجاء في الدراسة: ارتبطت الدساتير منذ نشأتها بالنظام الديموقراطي ارتباطاً وثيقاً يكون فيه الدستور حارساً للشرعية من خلال مبدأ سيادة الدستور، وهو المبدأ الذي يضع الدستور في قمة القواعد القانونية من حيث السمو الشكلي أو الموضوعي.
والشعب في الديموقراطيات هو المليكُ من بعض الوجوه، وهو المرؤوس من وجوهٍ أخرى، ولا يكون مليكاً إلا بمشاركته في الانتخابات من خلال عزائمه كما أعتاد الفقهاء القدامى على الوصف، حديثاً يُطلق تعبير الإرادة، بمعنى إرادة الشعب في السيادة.
ولقد كان الأجنبي في أثينا إذا ما أشترك في مجلس الشعب يعاقب بالقتل، وذلك باعتباره مغتصبًا لحق السيادة المقسمة ما بين الشعب والسلطة.
ويفترض في الديموقراطيات بأنه على الشعب أن يصنع ما يجيد صنعه، وأن يصنع الوزراء ما لا يجيد الشعب صنعه من خلال تذليل كل الصعوبات العملية في الحياة العامة.
كانت دولة الكويت من الدول السباقة في الخليج التي طبقت النظام الديموقراطي من خلال وثيقة دستورية تضمنت العديد من القوانين الأساسية، وتم تنظميها في صلب نصوصه من خلال 183 مادة ينصرف لها مبدأ السمو.
علت في الآونة الأخيرة أصوات كويتية تنادي بتنقيح الدستور نتيجةً للتدهور السياسي والتنموي التي تعيشه الكويت نتيجة صراعات سياسية محتدمة وتعارض فج للمصالح.
وتشكلت عدة جبهات ما بين مؤيد ومعارض لهذا العقد الاجتماعي وما آلت إليه الأمور منذ عام 1962 وصولاً إلى اليوم، لا يمكن الجزم بوجود قبول مجتمعي لهذا الأفكار من عدمه بسبب تسارع وتيرة الاحداث السياسية والانفعال اللحظي مع كل مؤثر سياسي من خلال استجابات عاطفية.
يعتبر الدستور الكويتي من الدساتير الجامدة عملياً التي يصعب إجراء التعديل عليها لتواجد العديد من الضمانات الشكلية والإجراءات، ينص الدستور على أن للأمير وثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح الدستور بالحذف أو الإضافة.
ويتم ذلك بتصديق سمو الأمير وموافقة ثلثي أعضاء المجلس بعد نقاش المواد المحذوفة أو المضافة ما عدا المواد التي تتعلق بالنظام الأميري في الكويت ومبادئ الحرية والمساواة التي لا يجوز تنقيحها استثناءً عن بقية النصوص ما لم يكن التنقيح متعلقاً بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة أو بلقب الإمارة.
وحيث أن الدساتير المرنة هي النموذج الأفضل لكون السيادة للشعب ولكون الضرورات السياسية والقانونية تتطلب المرونة كما جاء وتم تداوله في الجمعية التأسيسية الفرنسية ابان الثورة الكبرى التي رسخت النظم الدستورية الحديثة بما جاء فيها من إعلاء لراية الحرية والمساواة إلا أن دستور دولة الكويت جاء بهذا الشكل لما ارتآه المُشرع في حينه.
وتكمن حجة مؤيدي التنقيح في الكويت إلى أن تحقيق التطور في الأنظمة الدستورية يكون رهيناً بالتطور السياسي والفكري للمجتمع، وأن التجربة السياسية في الكويت وصلت إلى مرحلة من عدم النضج تتطلب على إثرها إجراء تعديلات جوهرية للسلطة التشريعية والتنفيذية لكي تباشر أعمالها وفقاً لمعطيات التجربة ومتطلبات العالم الجديد والنظم السياسية الأكثر تطوراً.
ذلك لأن القوانين في أوسع معناها على قول مونتسكيو صاحب كتاب روح الشرائع هي العلاقات الضرورية المشتقة من طبيعة الأشياء، وبناءً على ذلك فطبيعة الأشياء في الكويت قد تغير لونها مع مرور السنوات.
أما رافضي التنقيح فهم يعزون التخبط السياسي والتراجع التنموي إلى الشخوص بدلاً من الأنظمة، فهم يرون بأن المشكلة ليست في نظام دستوري يتوجب تنقيحه، بل بمجموعة سياسية (أفراد) يتوجب ردعها لإعادة تعزيز الثقة العامة بالمؤسسات.
وفي موقف أكثر تشددًا، يوجد تيار آخر ينادي بإلغاء الدستور قولاً وفعلاً واحداً من خلال جعل السلطة العامة في قبضة واحدة.
الغالب هو أن الشعب الكويتي، حتى لو لم يكن هنالك جزم لكثرة الاحتمالات فيما يخص رغباتهم الدستورية، لا يميل إلى إلغاء الدستور. وعليه، يبدو تنقيح الدستور احتمالاً واردًا، ويكاد يكون هو المخرج الوحيد من المآزق السياسية التي أخذت تتلوا بعضها بعضاً من خلال إقرار تعديلات تتعلق بتفعيل الرقابة أكثر من خلال تشغيل عدة أجهزة مشابهة لجهاز مراقبة الحياة المالية السياسية في فرنسا والمدد والعدد التي تتعلق بالأفراد والأوقات والتشديد على أهلية المُنتخب والمُنتَخب من حيث قدرتهم على الإدارة وتفعيل ضوابط أكثر تشدداً لمنع المناوشات السياسية المضللة.
السيناريوهات المحتملة لتعديل الدستور في الكويت عديدة، حيث أن تراكم الخلافات والأزمات كما تشير القراءات المتعددة للساحة السياسية الكويتية مستمر، ولن يطول الأمر حتى يصبح تنقيح الدستور لزاماً وليس خياراً لتفادي الأزمات السياسية والكوارث التنموية التي قد تؤدي بدورها إلى مخاطر وتحديات حقيقية، إن مصلحة الدولة تقع في المركز والمصاف الأول ما بين كل المصالح المتعددة الأخرى التي تتنازع فيما بينها، وبناءً عليه، مجلس أمة أو مجلسين قادمين أو أكثر وسيصبح تنقيح الدستور لزاماً أكثر من كونه خياراً كما هو مطروح حالياً.
وبناءً على ذلك لا يبدو بأن الوضع يسمح حالياً لإجراء تنقيح دستوري، ولكن التنقيح ليس ببعيد، فهو الإجراء الفاصل الذي سيقوم بتدشين مرحلة سياسية أفضل عند حلوله بجانب انتقال مرحلي في الجانب التنموي لكون التنمية في الكويت تسيرُ في خطٍ واحد مع السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وهو ما يتطلب توافقاً بينهما بشأن دوران عجلتها بعيداً عن أي حالة من التوافق السياسي، فيجب أن يكون هنالك توافق دستوري يجعل من عدم تعطيل عجلة التنمية لازماً بعيداً عن الأهواء السياسية التي تتغير وفقاً للكثير من المعطيات التي تتسم بالديناميكية.
وعليه، فإن كل الأحداث التي تعاقبت على الحالة السياسية في الكويت يجب أن تترجم دروسها المستفادة على هيئة نص دستوري لأن منبع كل قانون هو السياسة ونجاح الحياة السياسية مرهون بالمنظومة القانونية الأسمى التي تتولى مهمة التنظيم.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=66361