شهدت دول شمال أفريقيا منذ بداية الربيع العربي، الكثير من التغيرات السياسية العميقة على مدار 14 عامًا على الأحداث والتي غيّرت وجه تونس، إلا أن العلاقات بين تونس والخليج شهدت تقلبات عديدة، خاصة بعد التوترات الناجمة عن ثورات الربيع العربي.
اليوم، وبوجود رئيس جديد في الجزائر هو عبد المجيد تبون، تزايدت المؤشرات التي تدل على تدخلات جزائرية قد تكون توجّهها نحو فرض نوع من الوصاية على السياسة التونسية، خاصة في إطار علاقات تونس مع دول الخليج.
وبعد الإطاحة بأنظمة تونس وليبيا، وتزايد القلق بشأن استقرار الجوار، وجدت الجزائر نفسها في حالة توجس متواصل من أي حراك يهدد استقرارها. هذا القلق امتد ليشمل علاقات تونس مع دول الخليج، وهو ما بدا جليًا في تصريحات متعددة للرئيس الجزائري التي تشير إلى أن الجزائر تسعى لأن تكون اللاعب الرئيسي في دعم استقرار تونس، بما في ذلك التدخل في بعض تفاصيل السياسة الخارجية التونسية.
تاريخيًا، كانت دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، حاضرة بقوة في تونس، سواء عبر استثمارات اقتصادية أو دعم سياسي، لكن مع تصاعد نفوذ الجزائر، تغيرت معالم العلاقات. لم تقتصر الضغوط الجزائرية على قضايا داخلية في تونس، مثل التعامل مع المعارضة أو العلاقات مع جبهة البوليساريو، بل امتدت لتشمل السياسة الخارجية، بما في ذلك مواقف تونس تجاه قضايا إقليمية حساسة مثل الصحراء الغربية.
ومع تزايد الضغط الجزائري، تظهر التوترات بوضوح في العلاقات بين تونس ودول الخليج، على رأسها السعودية والإمارات. هذه الأخيرة كانت في بعض الأحيان على مسافة من النظام التونسي الجديد، خاصة بعد القرارات المثيرة للجدل في تونس مثل استقبال رئيس البوليساريو، لكن العلاقات بين الجزائر ودول الخليج لم تكن دائمًا متسقة، حيث تفاوتت المواقف من قضايا مثل الدعم العسكري في ليبيا والسياسة الإقليمية.
وبقيت الجزائر خلال هذه الفترة تدفع باتجاه مساندة تونس، ولكن على أرضية مصالح مشتركة ومتقاطعة، بل إن تصريحات الرئيس تبون، التي غالبًا ما تتعلق بتونس، تبين تدخلاً دبلوماسيًا مستمرًا يشير إلى حجم الهيمنة الجزائرية في المنطقة.
ورغم التزام الجزائر بموقف “الحياد” في تونس، إلا أن محاولات فرض آراء واضحة حول الشؤون التونسية تعكس زيادة دور الجزائر في توجيه السياسة التونسية الخارجية، وهو ما يراه البعض بمثابة فرض وصاية على تونس، خاصة في ضوء ما تعيشه البلاد من تحديات اقتصادية وإقليمية.
وعلى الرغم من هذه التأثيرات الجزائرية، يبقى الخليج سوقًا مهمًا للعمالة التونسية، حيث أن دول الخليج كانت وما تزال وجهة للآلاف من الشباب التونسي الباحثين عن فرص عمل في ظل معدلات البطالة المرتفعة، لكن مع التحولات السياسية وتدخلات الجزائر في الشأن التونسي، باتت تونس تواجه تحديات جديدة في التوازن بين علاقتها مع الجزائر وعلاقتها مع دول الخليج، التي تحاول التأثير في خيارات تونس الاقتصادية والسياسية.
وبينما تحاول الجزائر تعزيز موقفها في المنطقة على حساب دول أخرى، يبقى التوازن في علاقات تونس مع الخليج تحديًا في ظل تنامي الضغوط الجزائرية، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى أي مدى ستتمكن تونس من الحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية في ظل هذه التداخلات الإقليمية؟
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70052