تشهد منظومة الثروة السيادية في أبوظبي مرحلة جديدة من التوسّع وإعادة التموضع، مع تأسيس صندوق استثماري جديد يركّز على أصول الطاقة والعائدات النفطية، في سياق تحوّل تاريخي جعل الإمارة واحدة من أكثر مراكز رأس المال السيادي تركّزًا في العالم، وفق تقرير موسّع لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
قبل ستة عقود، كانت أبوظبي منطقة هامشية ذات بنية تحتية محدودة وسكان لا يتجاوز عددهم 30 ألف نسمة. اليوم، تضم الإمارة نحو أربعة ملايين نسمة، يشكّل الوافدون الغالبية الساحقة منهم، وتدير عبر أذرعها السيادية أصولًا تُقدّر بنحو 1.7 تريليون دولار، ما يضعها في مصاف أكبر مراكز الثروة الحكومية عالميًا.
ويعود هذا التحول إلى السياسة التي انتهجها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم أبوظبي منذ عام 1966 وحتى وفاته عام 2004، والذي وظّف فوائض النفط في بناء البنية التحتية المحلية، مع ادخار جزء كبير من العائدات في جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، الذي تأسس عام 1976 بهدف الحفاظ على ثروة الأجيال المقبلة.
وفي عام 1984، أنشأت الإمارة الشركة الدولية للاستثمارات البترولية (إيبك) لتوظيف عائدات الطاقة في تنويع الاقتصاد، قبل أن تتوسع هذه الرؤية لاحقًا مع إطلاق شركة مبادلة للتنمية عام 2002. ورغم ضخامة الأصول، حافظت أبوظبي لعقود على حضور استثماري منخفض الظهور.
ويقول دييغو لوبيز، مؤسس شركة Global SWF، إن الإمارة «تعمدت العمل بهدوء»، مضيفًا: «كانت دائمًا عاصمة رأس المال لمن يعرفها».
وقد تغيّر هذا النهج بعد عام 2004، مع صعود جيل جديد من القيادة. فقد دفعت الخطط التنموية الطموحة إلى توسّع كبير في النشاط الاستثماري، وبدأت الصناديق السيادية في شراء حصص مباشرة في شركات عالمية، من بينها «فيراري» و«AMD» ومجموعة «كارلايل».
وبلغ هذا التوسع ذروته بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما استغلت أبوظبي تراجع أسعار الأصول الغربية وارتفاع أسعار النفط لتنفيذ موجة استحواذات واسعة.
غير أن هذا التمدد لم يخلُ من أزمات. ففي منتصف العقد الماضي، تورطت «إيبك» في فضيحة صندوق الثروة السيادي الماليزي 1MDB، وانتهى الأمر بتسوية قانونية بقيمة 1.8 مليار دولار. وأدت هذه القضية إلى إعادة هيكلة شاملة لمنظومة الصناديق، شملت عمليات دمج وتوزيع جديد للأصول.
اليوم، ترتكز المنظومة السيادية في أبوظبي على ثلاث مؤسسات رئيسة: جهاز أبوظبي للاستثمار، ومبادلة، وصندوق ADQ الذي أُنشئ عام 2018 لاحتضان الشركات الحكومية الاستراتيجية.
ويدير جهاز أبوظبي للاستثمار وحده أصولًا تُقدّر بنحو 1.1 تريليون دولار، ويُعد من أكثر الصناديق تحفظًا، إذ لا يستثمر داخل الإمارات، ويركّز على الأسهم في الأسواق المتقدمة، خصوصًا في أميركا الشمالية وأوروبا.
في المقابل، تعمل مبادلة، التي تدير أصولًا بقيمة 330 مليار دولار، كصندوق ملكية خاصة واسع النشاط، مع تركيز متزايد على العوائد والاستثمارات المباشرة، بعد أن تراجع دورها التنموي.
أما ADQ، الذي تبلغ أصوله نحو 263 مليار دولار، فيشرف على أكثر من 25 شركة مملوكة للدولة، تسهم بنحو خُمس الناتج المحلي غير النفطي لأبوظبي.
ويُنظر إلى هذه الصناديق باعتبارها خاضعة لتأثير ثلاث شخصيات مركزية: الشيخ طحنون بن زايد، رئيس ADQ وجهاز أبوظبي للاستثمار؛ الشيخ منصور بن زايد، رئيس مبادلة؛ وخالدون المبارك، الرئيس التنفيذي لمجموعة مبادلة.
وينتمي الشيخان طحنون ومنصور إلى الدائرة الأقرب لحاكم أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ضمن ما يُعرف بـ«بني فاطمة»، وهم الأكثر نفوذًا داخل الأسرة الحاكمة.
وتشير فايننشال تايمز إلى أن هذه المنظومة، رغم تطورها المؤسسي واستقطابها كفاءات عالمية، لا تزال تعاني من تركّز القرار وغياب التنوع، إذ تهيمن مجالس إداراتها على الرجال بالكامل، مع حضور نسائي شبه معدوم في لجان الاستثمار.
بالتوازي، تتوسع الإمارة في كيانات جديدة مثل «Lunate» لإدارة الأصول البديلة، وصندوق «MGX» المتخصص في الذكاء الاصطناعي، المدعوم من مبادلة وشركة G42، في مؤشر على توجه استراتيجي لربط الثروة النفطية بقطاعات التكنولوجيا المتقدمة.
ويرى مراقبون أن تأسيس صندوق جديد للاستثمار في أصول الطاقة يعكس استمرار اعتماد أبوظبي على العائدات النفطية كرافعة نفوذ مالي عالمي، رغم الخطاب الرسمي حول التنويع الاقتصادي، ويؤكد أن الإمارة تمضي نحو مزيد من تركيز الثروة والقرار داخل دائرة ضيقة من الفاعلين.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73505