الإمارات تقتنص كفاءات الذكاء الاصطناعي من قلب البنتاغون رغم الشبهات الصينية

في خطوة تثير تساؤلات أمنية واستراتيجية في واشنطن، حصلت الإمارات على موافقة ضمنية من وزارة الدفاع الأميركية لتوظيف موظفين سابقين في فريق الذكاء الاصطناعي الدفاعي الأميركي، رغم تحذيرات متكررة من تسريب محتمل للتكنولوجيا الحساسة إلى جهات صينية.

فقد كشفت مصادر مطلعة أن ضابطًا رفيعًا في الجيش الإماراتي عرض وظائف مغرية على مجموعة من المهندسين والمبرمجين الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لفريق “الخدمات الرقمية الدفاعية” (DDS)، وهي وحدة تقنية تابعة للبنتاغون عملت لعقد من الزمن على مشاريع أمنية متقدمة. ويأتي هذا التحرك بعد أن جرى تفكيك الفريق من قبل وزارة جديدة تُعرف باسم “وزارة الكفاءة الحكومية” أنشأها إيلون ماسك، وسط حملة تقشف شاملة.

استقطاب سريع بعد الاستقالة الجماعية
في أعقاب استقالة نحو 30 عضوًا من فريق DDS بسبب ما وصفوه بتهميش دورهم داخل الإدارة الجديدة، تواصل اللواء مسلم الرشيدي، مدير مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، مع السفارة الأميركية في أبوظبي، طالبًا معلومات اتصال برئيسة الفريق السابقة. وكان ذلك بعد نشر تقرير صحفي في “بوليتيكو” عن استقالتهم.

وسرعان ما جرى ترتيب لقاء في واشنطن بين الرشيدي واثنين من موظفي الفريق، بحضور أليكس كيبمان، الرئيس التنفيذي لشركة “Analog AI”، وهي شركة إماراتية ناشئة مقرها أبوظبي. كيبمان، المعروف سابقًا بتطوير نظارات HoloLens لصالح مايكروسوفت، لعب دور الوسيط بين الجانب الإماراتي والموظفين السابقين، حيث استعرض لهم مغريات الحياة في الإمارات، والمجالات التقنية المفتوحة أمامهم، وأكد أن هناك ميزانية ضخمة مخصصة لتقنيات الذكاء الاصطناعي تتجاوز التريليون دولار خلال العقد المقبل.

عرض شامل ووعود فضفاضة
بحسب من حضروا اللقاء، لم يتضمن العرض تفاصيل دقيقة حول طبيعة المهام المطلوبة، بل جاء بصيغة عامة مفادها أن “الحكومة الإماراتية تحتاج إلى العقول والخبرة”، مع فتح الباب أمام مشاريع في الرعاية الصحية، البنية التحتية الرقمية، والمدن الذكية، إلى جانب القطاع العسكري.

ومع أن التواصل الأولي جرى عبر بريد إلكتروني غريب من حساب “Hotmail” شخصي يحمل الرقم “69”، ما أثار ارتياب بعض الموظفين، إلا أن تأكيد مكتب الملحق الدفاعي الأميركي لشرعية التواصل بدّد بعض المخاوف الأولية، على الأقل من الناحية الرسمية.

خلفيات مقلقة: G42 و”دارك ماتر”
لكن خلف هذا العرض المغري، تلوح في الأفق شبكة معقدة من العلاقات التي تربط الذكاء الاصطناعي الإماراتي بالحكومة الصينية. فشركة “Analog AI” التي تقدم العرض هي امتداد غير مباشر لمجموعة G42، الكيان التقني الإماراتي المرتبط بمستشار الأمن القومي طحنون بن زايد، والذي طالما أثار قلق أجهزة الاستخبارات الأميركية بسبب شراكاته مع شركات صينية، مثل “ByteDance” المالكة لتطبيق TikTok.

وكانت G42 قد تعرضت لتحقيقات في الكونغرس الأميركي العام الماضي، بعد ورود تقارير عن استثمارها في تقنيات صينية ووجود تعاون غير معلن مع شركات أمنية مثيرة للجدل، بينها “دارك ماتر”، المتهمة بتجنيد موظفين أميركيين سابقين في وكالة الأمن القومي لتنفيذ عمليات تجسس داخل وخارج البلاد، بما في ذلك ضد صحفيين ومعارضين.

تطمينات إماراتية – وموافقة ضمنية أميركية
في محاولة لتبديد تلك الشكوك، أعلنت G42 مطلع هذا العام انسحابها من جميع الاستثمارات الصينية. كما وقّع محمد بن زايد والرئيس السابق دونالد ترامب اتفاقًا مشتركًا لبناء “أكبر مجمع ذكاء اصطناعي خارج الولايات المتحدة”، يتضمن استثمارات في مراكز بيانات أميركية، وهي خطوة فُسرت على أنها محاولة لاسترضاء واشنطن وتحييد المخاوف الأمنية.

ويرجح مراقبون أن هذه التطمينات لعبت دورًا حاسمًا في تسهيل تمرير طلب الرشيدي عبر القنوات الدبلوماسية والدفاعية الرسمية.

انقسام الموظفين وترددهم
رغم الإغراءات المالية والفرصة المهنية الكبيرة، لم يوافق أي من أعضاء الفريق السابقين على العرض حتى الآن. وقال أحدهم في تصريحات صحفية: “الجنرال كان مهذبًا وذكيًا، لكن لم أشعر أنني أعمل لحكومة تشاركنا نفس القيم”. وأضاف أن بعض زملائه، خاصة من غير المنخرطين في مشاريع عسكرية مباشرة، يدرسون العرض، لكن الغالبية مترددة بسبب الشكوك حول النوايا الإماراتية.

وأشار موظف آخر إلى أن الطرد الجماعي للخبراء من الحكومة الأميركية تركهم في مهب الريح، ما يجعل بعضهم عرضة لعروض أجنبية قد تنطوي على مخاطر أمنية وأخلاقية.

عروض “غامضة” من كيانات مجهولة
القلق لم يقتصر على الإمارات. إذ أكد بعض الموظفين أنهم تلقوا عروضًا عبر منصات مثل لينكدإن وReddit من جهات غير معروفة تدّعي أنها تعمل في بريطانيا، لكنها لم تقدّم أي إثبات على ذلك. وبحسب شهاداتهم، بدت تلك العروض وكأنها محاولات لاختراق ساحة التكنولوجيا الأميركية من بوابات خلفية غير رسمية.

وفي ظل التنافس العالمي المحتدم على السيطرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسعى الإمارات إلى اقتناص الفرص التي تتيحها الثغرات في الإدارة الأميركية. ومع طرد الكفاءات من مؤسسات حساسة، تُطرح تساؤلات جدية: هل تدفع السياسات الداخلية الأميركية بعضًا من أفضل خبرائها إلى أحضان دول لا تشاركها القيم أو الأولويات؟

بين إغراء المال، وغموض النوايا، وضبابية القوانين، يقف هؤلاء المهندسون عند مفترق طرق، حيث يتقاطع الأمن القومي الأميركي مع طموحات أبوظبي في بناء إمبراطورية تقنية عابرة للحدود.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.