قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن التوازن السعودي لإقامة علاقات مع إسرائيل أصبح مهددا بالتعثر بسبب اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بشأن تهجير سكان غزة.
وذكرت الصحيفة أن السعودية كانت تمر بأسابيع جيدة، حيث تحركت بسرعة لاستغلال الفرص في منطقة جرى اعادة تشكيلها بشكل جذري في أعقاب مجزرة السابع من أكتوبر التي نفذتها حماس ضد إسرائيل، والحرب التي استمرت 15 شهرًا في غزة، والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان.
لكن سرعان ما جاء لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مما أدخل بعض الفوضى إلى المشهد.
يوم الأحد، استقبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الرئيس السوري المؤقت الجديد أحمد الشرع في الرياض. كانت الرياض، قبل ثلاثة أشهر فقط من استقبال الشرع، قد استضافت الرئيس السابق بشار الأسد، بعد ان اضطرت على مضض إعادة التعامل معه بعد أن دعمت التمرد ضده منذ عام 2011.
أصبح الاسد الآن في المنفى في موسكو.
كان سقوط الأسد نتيجة غير مباشرة للحملة العسكرية الإسرائيلية، التي أضعفت إيران ووكلاءها، فحينما زحفت جماعة “هيئة تحرير الشام” المسلحة من إدلب باتجاه دمشق، لم يجد الأسد أحدًا يستنجد به.
امام هذا الواقع الجديد، سارعت السعودية لملء الفراغ الذي تركته إيران وحزب الله، بينما أظهرت دول مثل مصر والإمارات ترددًا.
تجنبت الرياض الخطأ الذي وقع بعد عام 2003، عندما رفضت معظم الدول العربية، الغاضبة من واشنطن بعد الغزو الأميركي للعراق، الانخراط الكامل مع العراق الجديد، تاركةً المجال مفتوحًا أمام طهران.
في لبنان، فرض حزب الله قبضته على البلاد منذ مشاركته في اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق والمقرب من السعودية، عام 2005، وبحلول عام 2017، انسحبت السعودية من هناك.
تسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير في إضعاف حزب الله بشدة، حيث أطاح بعدد من قادته وهو الأمر الذي دفع كبير الدبلوماسيين السعوديين لزيارة بيروت قبل أسبوعين، في أول زيارة على هذا المستوى منذ 15 عامًا، بعد أن ضغطت السعودية وفرنسا وحلفاء آخرون على لبنان لانتخاب رئيس جديد أخيرًا.
ورغم كل ما تقدم، تمكنت السعودية من الحفاظ على علاقتها المستقرة مع إيران، بفضل التقارب السعودي الإيراني الذي تم في مارس 2023.
تسعى الرياض إلى تجنب أي صراع إضافي، خاصة إذا كان سيجعلها هدفًا للصواريخ الإيرانية، ولذلك ارتاحت لمواقف ترامب الأخيرة بشأن طهران، فقد تعود سياسة “الضغط الأقصى”، في عهده لكن هدفه النهائي هو التوصل إلى صفقة.
لا تزال السعودية تفضل تحييد عدوها الإقليمي، مع تعزيز دفاعاتها عبر اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، كجزء من جهودها لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
يدخل الشرق الأوسط مرحلة معقدة من التوازنات، مع قطاع غزة المدمر كنقطة ضعف رئيسية، ويمين إسرائيلي متشدد يزداد جرأة، ورئيس أميركي ينظر إلى كل شيء على أنه صفقة عقارية، حتى لو كان ذلك انتهاكًا للقانون الدولي.
بينما تتطلب الفرصة التي أتاحها ضعف إيران في المنطقة تحركًا سعوديًا، فإن هذا التحدي مختلف تمامًا من حيث الحجم والتعقيد.
عندما اقترح ترامب الأسبوع الماضي أن تستقبل الأردن ومصر الفلسطينيين من غزة – وهو ما يعادل التطهير العرقي – بعث وزراء الخارجية العرب برسالة إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يحذرون فيها من عمليات الترحيل، وقال الأردن إنه سيعتبر ذلك إعلان حرب.
ثم يوم الثلاثاء، وأثناء جلوسه بجانب نتنياهو، اقترح ترامب أن تحول الولايات المتحدة غزة إلى “ريفيرا جديدة”، وخلال ساعات، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا شديد اللهجة أكدت فيه أنها لن تتراجع عن مطلبها بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
لاحقًا، أوضح مستشار الأمن القومي لترامب، مايك والتز، أن الهدف من الاقتراح هو الضغط على الدول العربية لتقديم حل خاص بها لهذا “المكان غير القابل للعيش”، لكن الدول العربية قدمت مبادرات سلام منذ عام 2002، والعقبة الرئيسية أمام أي نقاش بشأن “اليوم التالي” في غزة كانت باستمرار حكومة نتنياهو.
إذا كان ترامب يعتقد أن اقتراح أن تتنازل إسرائيل عن الأراضي للولايات المتحدة سيمثل ضغطًا على نتنياهو، فعليه أن يعيد التفكير، فالأمر ليس فقط غير قانوني، ولكنه أيضًا غير ممكن من الناحية السياسية، إذ لن يوافق الكونغرس على إرسال أميركيين إلى منطقة حرب لإعادة بنائها.
كما أعاد ترامب إحياء حلم اليمين الإسرائيلي المتطرف المتمثل في غزة بلا فلسطينيين.
أما الدولة التي تمتلك أكبر قدر من النفوذ فهي السعودية، وعلى ولي العهد أن يتذكر أنه يمتلك أوراق مساومة رئيسية: يريد ترامب أن يستثمر الأمير محمد بن سلمان تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي، ويساعد في خفض أسعار النفط، فهل تستطيع المملكة الحصول على اتفاقية دفاعية مع ترامب، وصفقة تطبيع مع إسرائيل، التي تتهمها بارتكاب إبادة جماعية، بينما تفي أيضًا بوعدها بإقامة دولة فلسطينية؟
إنه واحد من أكثر التحديات الدبلوماسية تعقيدًا التي واجهتها السعودية على الإطلاق، خاصة مع رئيس أميركي يصعب التنبؤ بسياسته.
ستكون المكافآت هائلة، ولكن المخاطر ستكون أكبر، سواء على المملكة أو على المنطقة بأكملها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70506