حذرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من أن استراتيجية الرئيس دونالد ترامب لاحتواء إيران تنذر باندلاع أزمة أوسع في الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى أنه قبل أسبوعين، كتب الرئيس ترامب رسالة شخصية إلى المرشد الأعلى لإيران على أمل بدء محادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يتقدم بسرعة. تبع هذه الخطوة بتحذير علني لطهران من احتمال القيام بعمل عسكري إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
ثم جاءت جولة جديدة من العقوبات الاقتصادية على صناعة النفط الإيرانية. وأخيرًا، في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، وافق ترامب على شن ضربات جوية ضد أهداف في اليمن يُزعم أنها خاضعة لسيطرة الحوثيين، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران.
وقد وضعت استراتيجية ترامب غير المتوقعة لاحتواء تكنولوجيا الصواريخ والنووي الإيرانيين واشنطن وطهران على مسار تصادمي يحمل في طياته خطر اندلاع أزمة أوسع في الشرق الأوسط. وإذا كان جادًا في التوسط لاتفاق يكبح برنامج إيران النووي، فعلى إدارته التراجع عن التصعيد الحالي.
ومن الواضح أن عنصر الإكراه في هذه الحملة لا يجدي نفعًا. إذ باتت طهران الآن أبعد عن طاولة المفاوضات، وقيادتها تتحدى أي انخراط، واصفة إطار المحادثات الذي طرحه البيت الأبيض بأنه إما استسلام أو لا شيء.
ورفضت طهران علنًا رسالة ترامب، سواء من قبل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وقال خامنئي، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية الرسمية: “إصرار بعض الحكومات المتغطرسة على التفاوض ليس لحل القضايا؛ بل للتوصل إلى مطالب جديدة، وليس الأمر مقتصرًا على القضية النووية الإيرانية”.
ومع أنهم رفضوا مبادرة ترامب، إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية قالت هذا الأسبوع إنها ستقدم ردًا.
وهناك بالفعل زخم جيوسياسي يدفع إيران نحو صفقة. فالحرب في غزة دمرت شبكات وكلاء إيران في غزة وسوريا ولبنان. كما أن الدفاعات الجوية الأميركية والإسرائيلية جعلت ترسانة الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي كانت تخشاها المنطقة، غير فعالة خلال هجمتين كبيرتين على إسرائيل.
ولعل ما يثير قلق إيران بشكل أكبر هو اقتصادها المتدهور. فقد انخفضت قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوياتها القياسية، وبلغ معدل التضخم في السنوات القليلة الماضية حوالي 40% سنويًا، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل هائل على المواطنين الإيرانيين. وقد وصل الوضع لدرجة أن البرلمان الإيراني أقال هذا الشهر وزير المالية من منصبه.
وساهم الاقتصاد المتدهور والاضطرابات الداخلية المصاحبة له في دفع إيران إلى التفاوض على الاتفاق النووي لعام 2015. فقد منح الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، إيران تخفيفًا واسع النطاق للعقوبات الاقتصادية الغربية مقابل فرض قيود صارمة على برنامجها النووي.
وبموجب الاتفاق، قلصت إيران تخصيب اليورانيوم، وحصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على حق الوصول الكامل إلى منشآتها النووية المعروفة.
لكن كل هذا تغير عندما انسحب ترامب من الاتفاق عام 2018 خلال ولايته الأولى، رغم أن إيران كانت تلتزم بشروطه، وناشدته تقريبًا كل حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين بعدم الانسحاب.
وفرض ترامب بعد ذلك حوالي 1500 عقوبة جديدة على شركات وأفراد يتعاملون مع إيران، على أمل الضغط عليها للتوصل إلى اتفاق جديد يتضمن قيودًا إضافية على برنامجها الصاروخي ودعمها المالي لحماس وحزب الله وغيرهما من الجماعات في الشرق الأوسط. لكن هذه السياسة لم تحقق النتائج المرجوة.
واندلعت سلسلة من التصعيدات العسكرية المتبادلة عبر وكلاء الطرفين، ما أدى إلى اقتراب إيران والولايات المتحدة من المواجهة، ودفع إيران إلى تطوير برنامجها النووي إلى مستويات جديدة. والآن، نحن نعود إلى نقطة البداية.
ورغم إصرار طهران على أن برنامجها النووي سلمي، فإنها تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 60%، مقارنة بنسبة 3.67% المحددة في الاتفاق الأصلي، وهي نسبة غير مبررة لأي استخدام مدني. وبذلك، تبقى إيران على بعد خطوة تقنية واحدة فقط من تخصيب بنسبة 90%، وهو ما يكفي لصناعة قنبلة نووية.
وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% قد نما بشكل كبير في الربع الأخير، وبلغ 275 كيلوغرامًا، وهي كمية تكفي، إذا تم تخصيبها أكثر، لصناعة نحو ستة أسلحة نووية.
وقالت نيويورك تايمز إن امتلاك إيران لسلاح نووي هو كابوس حقيقي، نظرًا لسجلها في رعاية الإرهاب ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لأكثر من 40 عامًا.
وقال مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل والتز، في برنامج “هذا الأسبوع” على شبكة ABC News يوم الأحد: “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”.
وعندما سُئل عن مطالب الإدارة من إيران، أجاب: “الصواريخ، والتسليح، والتخصيب”. هذا يظهر مدى التباعد بين مواقف الطرفين، إذ لم تظهر إيران أي اهتمام بالتخلي عن برنامجها الصاروخي، ما يجعل الرهان على صفقة شاملة أمرًا غير واقعي.
ولا تملك إدارة ترامب خيارات عسكرية جيدة ضد إيران. فقد حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضغط على ترامب لتدمير منشآت إيران النووية في عملية جوية مشتركة، معتبرًا أن الوقت مناسب بعد أن دمرت الضربات الجوية الإسرائيلية محطات الرادار والدفاعات الجوية الإيرانية خلال قصف في أكتوبر الماضي.
لكن شن ضربة عسكرية على البنية التحتية النووية الإيرانية، التي تقع معظمها في منشآت محصنة تحت الأرض، من غير المرجح أن يؤدي إلى أضرار لا رجعة فيها. هذا إلى جانب خطر اندلاع حرب أوسع.
أما المسؤولون الإيرانيون، فلديهم معضلة خاصة بهم. فإذا قرروا تسليح برنامجهم النووي، فسيكون ذلك انتهاكًا لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما لم يحدث سوى في حالة كوريا الشمالية على مدار نصف قرن.
وإيران تمتلك خيارين سيئين: إما أن تمتلك قنبلة نووية أو تتعرض للقصف بسبب برنامجها النووي. إذًا، كيف يمكن إرغامها على ضبط البرنامج؟
ولم تعقد إيران مفاوضات مباشرة مع المسؤولين الأميركيين منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لكن هناك أصواتًا أكثر اعتدالًا في إيران، بما في ذلك الرئيس بزشكيان، تتحدث بإيجابية عن إمكانية التفاوض إذا توقفت الإدارة عن حملة “الضغط الأقصى”.
وقد لا يتمكن الطرفان من العودة إلى اتفاق 2015، لكن من الممكن التوصل إلى اتفاق جديد يعتمد على نفس المبادئ البسيطة: تقليص إيران لبرنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الأميركية.
وعلى إيران أن تعود للالتزام بقيود التخصيب، وتسمح بعودة المفتشين إلى منشآتها، وتقدم عرضًا للتخلص من مخزونها المتزايد من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% على الأقل. وفي المقابل، ينبغي على الولايات المتحدة تخفيف ضغوطها الاقتصادية.
ولدى هذه الدول حتى 18 أكتوبر لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران إذا تبين لها وجود “إخفاق كبير” في تنفيذ الالتزامات.
لم تكن التوترات بين واشنطن وطهران بهذا المستوى من الحدة منذ عام 2020. هناك إدراك مشترك لدى جميع الأطراف أن اندلاع صراع إقليمي لا يخدم مصلحة أحد، وعليه فإن إبرام اتفاق هو أفضل وسيلة لتجنبه.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=70953