إيران والولايات المتحدة تستأنفان محادثات نووية تحت ضغط التصعيد

من المقرر أن تُستأنف المحادثات بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي يوم الجمعة في العاصمة الإيطالية روما، وسط أجواء مشحونة بالتصعيد والتحذيرات المتبادلة، في وقت تشير فيه مؤشرات إلى احتمال انهيار المسار الدبلوماسي برمّته.

جاء هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، الذي تلعب بلاده دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين الجانبين منذ أشهر. وتُعد الجولة المقبلة الخامسة من نوعها، لكنها تأتي في ظل توترات متزايدة، أبرزها استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقترب من تلك المطلوبة لتصنيع سلاح نووي، وهو ما يثير قلق القوى الغربية وإسرائيل.

تتمحور المحادثات حول محاولة إحياء اتفاق نووي جديد يقيّد برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الأمريكية الخانقة، وهي معادلة ظلّت محل شدّ وجذب بين واشنطن وطهران منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق الأصلي عام 2018. وفي تطور لافت، أبدت إيران ترددًا بشأن مشاركتها في الجولة الخامسة، ما عزز المخاوف من انهيار المسار الدبلوماسي برمته.

تهديدات أمريكية وضغوط إسرائيلية
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أجرى زيارة رسمية إلى السعودية الأسبوع الماضي، لوّح مجددًا بالتصعيد، محذرًا من أن “عرض الاتفاق مع إيران لن يبقى مطروحًا إلى الأبد”، في إشارة إلى أن الخيارات العسكرية لا تزال مطروحة على الطاولة. كما أوردت شبكة CNN أن الاستخبارات الأمريكية رصدت استعدادات إسرائيلية محتملة لتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل المحادثات.

وتسعى الولايات المتحدة، بحسب مصادر دبلوماسية، إلى انتزاع التزام من طهران بوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 60%، وهي النسبة التي تعتبر أقرب ما تكون إلى الاستخدام العسكري، بينما تصر إيران على أن تخصيبها موجه لأغراض سلمية، منها توليد الطاقة وإنتاج الأدوية المشعة.

موقف إيراني حاد: لا وقف للتخصيب
في تصريحات بثها التلفزيون الإيراني، أكد عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية والمفاوض النووي الإيراني، أن بلاده مستعدة للحوار لكنها لن تقبل “المطالب المفرطة أو لغة التهديد”. وأضاف: “تخصيب اليورانيوم في إيران سيستمر، سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا. هذه مسألة سيادية غير قابلة للتفاوض”.

ويرى المراقبون أن هذه التصريحات تعكس تصلّب الموقف الإيراني، خاصة في ظل تنامي الشعور داخل طهران بأن الضغوط الغربية تهدف إلى إضعاف البرنامج النووي بشكل دائم، دون تقديم ضمانات كافية لرفع العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني.

ورغم هذا التصلب، قالت قطر يوم الثلاثاء إنها تبذل جهودًا مكثفة لرأب الصدع في المفاوضات، في وقت تتزايد فيه التحركات الدبلوماسية الإقليمية للحؤول دون انزلاق المنطقة نحو مواجهة مفتوحة.

الشكوك تخيّم على فرص النجاح
المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أعرب هو الآخر عن شكوكه حيال فاعلية المحادثات، مشيرًا إلى أن “الغرب لا يسعى إلى اتفاق عادل، بل إلى فرض شروطه”. ويأتي ذلك في وقت صرّح فيه مسؤول إيراني كبير بأن المفاوضات “تواجه مشاكل خطيرة”، لافتًا إلى أن “غياب أي اعتراف بحق إيران في التخصيب يعني ببساطة عدم وجود اتفاق ممكن”.

وقال المسؤول: “إذا كان الهدف منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فهناك مساحة للاتفاق. أما إذا كان الهدف هو إنهاء أي نشاط نووي متقدم، فذلك غير مقبول”. هذا الموقف يعكس الخط الأحمر الذي تضعه طهران أمام أي اتفاق محتمل.

سيناريوهات مفتوحة
في ظل غياب الثقة، وتضارب المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية، باتت المفاوضات تدور في حلقة مفرغة. فإسرائيل تصرّ على ضرورة تحجيم البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، وتحتفظ بحقها في تنفيذ “عمليات استباقية”، بينما تخشى دول الخليج من أن يؤدي الاتفاق إلى رفع العقوبات دون كبح حقيقي للنفوذ الإيراني في المنطقة.

الولايات المتحدة، من جانبها، تواجه معضلة داخلية وخارجية: فهي تريد تجنب الحرب، لكنها لا تستطيع تجاهل الضغوط المتزايدة من إسرائيل والكونغرس، كما أن إدارة ترامب تحاول إثبات حزمها في السياسة الخارجية مع اقتراب موسم الانتخابات.

ومع دخول المحادثات جولة جديدة، يبقى مستقبل الاتفاق النووي معلقًا على خيط رفيع، تتقاذفه الخطوط الحمراء، والمصالح المتضاربة، والوقت الذي ينفد بسرعة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.