إسرائيل تلوّح بضربة جديدة ضد إيران وسط تصعيد الخطاب الأمني وتحفّظ أميركي

تتصاعد التحذيرات الإسرائيلية من احتمال توجيه ضربة عسكرية جديدة ضد إيران، على خلفية ما تعتبره تل أبيب محاولات متسارعة من طهران لإعادة بناء برنامجها للصواريخ الباليستية، في تطور من شأنه تعقيد الجهود الأميركية الرامية إلى تهدئة التوترات الإقليمية ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة واسعة جديدة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن إسرائيل، وبعد مرور نحو ستة أشهر على حرب استمرت 12 يوماً مع إيران بسبب برنامجها النووي، تعود لرفع سقف التهديد، هذه المرة عبر ربط أي تحرك إيراني في مجال الصواريخ الباليستية بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية جديدة.

ويعكس هذا الخطاب تحوّلاً لافتاً في المقاربة الإسرائيلية، التي باتت توسّع خطوطها الحمراء لتشمل القدرات التقليدية بعيدة المدى، وليس فقط الملف النووي.

وخلال كلمة ألقاها في حفل تخريج طياري سلاح الجو الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن إسرائيل تراقب عن كثب ما وصفه بإعادة تسلّح إيران، إلى جانب حماس وحزب الله، مؤكداً أن بلاده “لا تسعى إلى المواجهة، لكنها لن تتردد في التحرك إذا برز تهديد”.

وكرّر وزير الجيش الإسرائيلي وقائد سلاح الجو الرسالة نفسها، مشددين على أن الجيش مستعد لمنع تشكّل مخاطر جديدة على أمن إسرائيل.

وتأتي هذه التصريحات في توقيت سياسي حساس، إذ يستعد نتنياهو لزيارة الولايات المتحدة ولقاء الرئيس دونالد ترامب في نهاية العام.

ووفق مسؤولين إسرائيليين نقلت عنهم الصحيفة، فإن تقييم التقدم الإيراني في برنامج الصواريخ الباليستية، وإمكانية تنفيذ عمل عسكري إضافي، سيكونان بنداً رئيسياً على جدول أعمال اللقاء، في ظل حاجة إسرائيل إلى غطاء أو موافقة أميركية ضمنية لأي تحرك عسكري واسع.

ولا يزال موقف واشنطن إزاء هذا السيناريو غير واضح. فإدارة ترامب، التي تؤكد أن الضربات الأميركية السابقة دمّرت جوهر البرنامج النووي الإيراني وفتحت الباب أمام استقرار إقليمي، تضغط في الوقت نفسه على إسرائيل للتركيز على تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، واحتواء التوتر مع الحكومة السورية الجديدة.

وفي حين حذّر ترامب طهران من إعادة بناء منشآتها النووية، لم يعلن صراحة موقفاً حيال برنامج الصواريخ الباليستية.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، رداً على سؤال حول دعم واشنطن لهجوم إسرائيلي محتمل، إن موقف الرئيس واضح: أي مسعى إيراني لامتلاك سلاح نووي سيُواجَه بضربة قاضية. غير أن غياب موقف صريح بشأن الصواريخ يترك مساحة من الغموض السياسي والعسكري.

ويرى محللون أن أي هجوم إسرائيلي جديد لن يكون ممكناً من دون تنسيق وثيق مع الولايات المتحدة، لا سيما أن تل أبيب ستحتاج إلى دعم أميركي في مواجهة رد إيراني محتمل بالصواريخ.

ويُعد استهداف إيران بسبب برنامجها الصاروخي تشديداً غير مسبوق للخطوط الحمراء الإسرائيلية، إذ إن الحرب الأخيرة ركزت أساساً على البرنامج النووي الذي تعتبره إسرائيل تهديداً وجودياً.

ويحذّر داني سيترينوفيتش، الرئيس السابق لفرع إيران في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، من أن وضع الصواريخ الباليستية في صلب المواجهة يجعل اندلاع حرب جديدة أكثر ترجيحاً.

وقال إن إسرائيل “لم تخض في السابق حرباً بسبب بناء قدرات تقليدية”، معتبراً أن هذا التحول يعكس عقيدة أمنية جديدة تشكلت بعد هجمات 7 أكتوبر 2023، تقوم على استباق التهديدات وعدم انتظار اكتمالها.

في المقابل، ترى إيران في برنامجها الصاروخي ركيزة أساسية لأمنها، خصوصاً في ظل ضعف سلاحها الجوي والضربات التي تعرض لها برنامجها النووي وحلفاؤها الإقليميون.

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن طهران تعيد بناء منشآت إنتاج الصواريخ التي دُمّرت في ضربات سابقة، رغم الفجوات الكبيرة التي خلّفتها الهجمات الإسرائيلية.

وتعزز هذه المخاوف تحركات أميركية حديثة، من بينها مصادرة شحنة مواد عسكرية كانت في طريقها من الصين إلى إيران، وفرض عقوبات على عشرات الأفراد والكيانات المرتبطة ببرامج الصواريخ والطائرات المسيّرة.

كما أظهرت صور أقمار صناعية، وفق خبراء، نشاطاً متزايداً في مواقع إنتاج الصواريخ، ما يشير إلى سعي إيران لاستعادة قدرتها على تصنيع مئات الصواريخ شهرياً، وإن لم تصل بعد إلى مستوياتها السابقة.

ورغم التصعيد الكلامي، يرى محللون أن احتمال قيام إيران بضربة استباقية ضد إسرائيل ضعيف، نظراً لهشاشة وضعها الداخلي والأزمات الاقتصادية التي تواجهها، إضافة إلى حرصها على عدم استفزاز الولايات المتحدة.

ويقول علي واعظ، من مجموعة الأزمات الدولية، إن طهران تركز على إعادة بناء قدراتها الصاروخية لرفع كلفة أي هجوم إسرائيلي مستقبلي، لا لبدء حرب جديدة.

في المقابل، تعتقد دوائر أمنية إسرائيلية أن ما تعتبره “نافذة فرصة” قد تكون قصيرة، في ظل تراجع القدرات الإيرانية الدفاعية.

ويختصر مسؤول دفاعي إسرائيلي سابق هذا التفكير بالقول: “لا نريد الانتظار حتى يصبحوا أقوى. المنطق السائد هو ضربهم وهم في حالة ضعف”، وهو ما ينذر بأن المنطقة تقف مجدداً على حافة تصعيد خطير.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.