في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والحرب المستمرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، شهدت الأيام الأخيرة زيادة ملحوظة في الهجمات الإسرائيلية على كل من قطاع غزة وجنوب لبنان.
تأتي هذه التطورات مع حلول الذكرى السنوية لهجوم 7 أكتوبر، وهو اليوم الذي يشير إلى اندلاع جولة جديدة من الأعمال القتالية في العام السابق، ويُنظر إلى هذه الذكرى كحدث حساس في المنطقة بسبب الرمزية السياسية والعسكرية التي ترتبط بها.
يمثل 7 أكتوبر علامة فارقة في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة، حيث جرت مواجهات عنيفة في العام الماضي تسببت في أضرار كبيرة وخسائر في الأرواح. في هذا السياق، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تكثيف غاراتها الجوية في محاولة لفرض واقع ميداني يعزز من موقفها الأمني قبل أي احتمال لتجدد التصعيد.
تشير التقارير إلى أن القوات الإسرائيلية قامت بسلسلة من الهجمات الجوية المركزة على أهداف في قطاع غزة وجنوب لبنان، هذه الضربات، بحسب المصادر الإسرائيلية، استهدفت بنى تحتية عسكرية لحماس والجهاد الإسلامي في غزة، وكذلك مواقع مرتبطة بحزب الله في جنوب لبنان.
من جانب آخر، أكد سكان محليون في المنطقتين أن الهجمات الإسرائيلية تسببت في أضرار كبيرة للمنازل والمرافق العامة، ما زاد من حدة الأزمة الإنسانية التي تعاني منها غزة بشكل خاص منذ سنوات طويلة.
من الناحية العسكرية، تعتبر إسرائيل أن تكثيف القصف الجوي يمثل جزءاً من استراتيجية الردع تجاه الفصائل المسلحة في غزة ولبنان، فهي تسعى من خلال هذه العمليات إلى منع أي محاولات من تلك الفصائل لتنفيذ هجمات في الذكرى السنوية التي تحمل دلالات رمزية.
ويعتقد الخبراء أن إسرائيل تهدف إلى إرسال رسالة واضحة مفادها أنها مستعدة للرد على أي تهديدات محتملة بقوة وحزم.
في الوقت نفسه، يفسر بعض المحللين التصعيد الإسرائيلي على أنه جزء من تحضير مسبق لأي تصعيد محتمل قد يحدث في الأشهر القادمة، فقد أشارت تقارير إلى أن هناك تحركات داخل الأروقة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تهدف إلى التأكد من أن الحكومة في وضع قوي لمواجهة أي تحديات أمنية قادمة، سواء من غزة أو من حزب الله على الحدود الشمالية.
أدت الهجمات الإسرائيلية إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين في كل من غزة وجنوب لبنان، وتشير التقارير إلى أن العائلات الفلسطينية في غزة تعاني من أوضاع إنسانية كارثية نتيجة الهجمات المتكررة، خاصة مع تعطل إمدادات المياه والكهرباء ونقص المواد الغذائية والطبية.
في جنوب لبنان، تعيش العديد من العائلات حالة من الخوف بسبب القصف الذي يستهدف القرى الحدودية، حيث تنتشر المخاوف من تصعيد أكبر قد يؤدي إلى نزوح جماعي كما حدث في حروب سابقة.
تشكل التطورات الأخيرة جزءاً من مشهد أوسع من التوترات الإقليمية والدولية، فقد أعربت الأمم المتحدة والعديد من الدول الكبرى عن قلقها من احتمال اندلاع صراع واسع في المنطقة، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط توتراً في عدة جبهات.
وتأتي هذه الأحداث في ظل تعثر جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية منذ سنوات، وتزايد العزلة الدولية لحكومة بنيامين نتنياهو على خلفية سياساتها الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، قال منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط إن الوضع في غزة قد يصل إلى نقطة “لا عودة”، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لدخول المساعدات. كما أن مجلس الأمن الدولي من المقرر أن يعقد جلسة طارئة لمناقشة التطورات في المنطقة.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان المجتمع الدولي سيتخذ خطوات ملموسة للحد من التصعيد أو تقديم مبادرات جديدة لإحياء عملية السلام المتعثرة.
التوقعات المستقبلية
على الرغم من الضغوط الدولية، إلا أن الأوضاع على الأرض تشير إلى أن احتمال استمرار التصعيد ما زال قائماً، فقد أكدت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، أنها مستعدة للرد على أي هجمات إسرائيلية جديدة، كما أن حزب الله في لبنان هدد بأنه لن يقف مكتوف الأيدي إذا استمرت الغارات الإسرائيلية على جنوب البلاد.
تبدو الصورة معقدة، حيث أن أي تصعيد جديد قد يؤدي إلى دخول المنطقة في مرحلة جديدة من العنف قد تكون أكثر دموية من السابق، وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن الأوضاع مرهونة بمدى قدرة القوى الإقليمية والدولية على الضغط على الأطراف المتنازعة لوقف التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات.
في قطاع غزة، يعيش السكان حالة من الحصار منذ سنوات، حيث تعاني المنطقة من نقص حاد في المياه والكهرباء والمواد الغذائية، ومع كل جولة تصعيد جديدة، تزداد الأوضاع سوءاً بسبب الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية والمرافق العامة.
كما أن النظام الصحي في غزة يعاني من ضغوط كبيرة بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية، مما يجعل التعامل مع الإصابات الناتجة عن القصف الإسرائيلي أكثر تعقيداً.
أما في جنوب لبنان، فإن الأوضاع تختلف قليلاً، حيث يعتمد السكان على دعم منظمات دولية ومحلية للتعامل مع تداعيات الهجمات. ومع ذلك، فإن الخوف من نزوح جماعي نتيجة التصعيد يجعل الأوضاع الإنسانية هناك معقدة أيضاً.
في النهاية، يعكس التصعيد الأخير في غزة وجنوب لبنان استمرار دوامة العنف التي تعيشها المنطقة منذ عقود، ورغم الجهود الدولية لاحتواء الموقف، يبدو أن الحلول الدبلوماسية لا تزال بعيدة المنال، تبقى آمال تحقيق الاستقرار في المنطقة معلقة على قدرة الأطراف المتنازعة على التخلي عن لغة السلاح والعودة إلى مسار التفاوض.
مع ذلك، فإن الأوضاع الإنسانية المتدهورة تجعل من الضروري وجود تدخل دولي عاجل لضمان حماية المدنيين وتقديم المساعدات العاجلة لمن هم في حاجة إليها.
ويبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت الأطراف المعنية مستعدة للتضحية بالمكاسب العسكرية من أجل إنقاذ الأرواح وتحقيق السلام.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=68103