إدارة ترامب تخطط لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا: مشروع ترحيل جماعي في ثوب جديد

في خطوة أثارت صدمة لدى عدد من المراقبين والفاعلين في الشأن الفلسطيني، كشفت شبكة NBC News أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبحث بشكل جدي خطة لإعادة توطين ما يصل إلى مليون فلسطيني من قطاع غزة في ليبيا، ضمن ما يوصف برؤية “ما بعد الحرب” التي يتبناها ترامب لمستقبل القطاع.

ووفقًا لتقارير الشبكة، فإن هذه الخطة نوقشت بالفعل على مستوى رسمي بين الإدارة الأميركية والقيادة الليبية، مقابل وعود بالإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الليبية المجمدة منذ أكثر من عقد. ورغم عدم التوصل إلى اتفاق نهائي، فإن إسرائيل كانت مطلعة على تفاصيل المقترح، ما يعكس حجم التنسيق الإقليمي والدولي المحتمل وراء الفكرة.

ترحيل أم إعادة توطين؟
ورغم أن الوثائق المتداولة تصف المشروع بأنه “إعادة توطين طوعي”، فإن المضمون الحقيقي يحمل بصمات ترحيل جماعي قسري تحت غطاء إنساني. فالمقترح يشمل تقديم حوافز مالية وسكن مجاني ومخصصات شهرية للفلسطينيين، ما يعني استخدام الأوضاع المعيشية المتدهورة في غزة كوسيلة لانتزاع القبول بالخروج من الوطن.

هذا التحايل السياسي يعيد إلى الأذهان خطط التهجير التاريخية التي مورست ضد الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948، لكن بصيغة محدثة توظف المال والنفوذ السياسي بدلاً من السلاح فقط.

ليبيا: “وجهة” محفوفة بالمخاطر
اختيار ليبيا كمحطة لإعادة التوطين يثير تساؤلات حول البعد الأخلاقي والعملي للخطة. فالبلاد لا تزال تعيش حالة من الفوضى السياسية والاضطراب الأمني منذ أكثر من 14 عامًا، ويتنازع السلطة فيها حكومتان متنافستان وسط غياب مؤسسات الدولة الموحدة.

وزارة الخارجية الأميركية نفسها تحذر مواطنيها من السفر إلى ليبيا بسبب “الإرهاب والجرائم والألغام الأرضية والاضطرابات المسلحة”، ما يطرح مفارقة كبرى: كيف تبرر واشنطن نقل مليون لاجئ من منطقة حرب إلى أخرى تحت ذريعة “الحماية وإعادة البناء”؟

صمت عربي وإسرائيلي
رغم ضخامة المشروع، لم يصدر حتى اللحظة أي تعليق رسمي من الحكومة الإسرائيلية أو السلطات الليبية، وهو ما يفتح المجال لتكهنات حول حجم التواطؤ أو التفاهم الضمني بين الأطراف المتورطة. أما الموقف العربي، فقد اكتفى ببعض الانتقادات الفردية من مسؤولين سابقين أو منظمات حقوقية، دون أي تحرك رسمي يرقى إلى مستوى رفض قاطع لمثل هذه الخطة.

حماس، من جهتها، نفت علمها بالخطة، وأكدت على لسان أحد مسؤوليها أن “الفلسطينيين متجذرون في وطنهم”، مضيفة أن الشعب الفلسطيني “مستعد للدفاع عن أرضه حتى النهاية”. لكن غياب موقف عربي موحد يترك الفلسطينيين مرة أخرى مكشوفين أمام مشاريع تستهدف وجودهم وهويتهم الوطنية.

“ريفييرا الشرق الأوسط” أم إعادة إنتاج النكبة؟
تأتي هذه الخطة ضمن رؤية أوسع لترامب أعلن عنها في فبراير، تتمثل في تحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، حيث قال إنه يريد “امتلاك القطاع” وتطويره ليصبح مصدر فخر للمنطقة. لكن هذا “الحلم” الأميركي يتطلب – بحسب ترامب نفسه – إخراج الفلسطينيين من غزة أولًا، لأن “العيش هناك لم يعد ممكنًا”.

بهذا التصريح، يختزل ترامب القضية الفلسطينية إلى معادلة هندسية: نأخذ الأرض، ونطوّرها، ونتخلص من سكانها. ويضيف إلى ذلك ما هو أخطر: أن الفلسطينيين “لا يجب أن يعودوا إلى غزة”، ما يعني نسف مبدأ حق العودة من أساسه، وتحويل غزة إلى مشروع عقاري – سياحي مفصول عن أي بعد وطني أو إنساني.

اختبار جديد للضمير الدولي
الخطة الأميركية لإعادة توطين الفلسطينيين في ليبيا تمثل اختبارًا صارخًا للمنظومة الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الأوروبية التي طالما أكدت على رفض التهجير القسري وضرورة احترام القانون الدولي. فتهجير مليون فلسطيني من وطنهم، حتى لو جاء تحت مسمى “الطوعية”، هو إعادة إنتاج للنكبة بحجم مضاعف، وبمباركة قوة عظمى.

كما أنها تكشف فشل النظام الدولي في حماية أحد أقدم الشعوب اللاجئة في التاريخ الحديث، وتركهم عُرضة للصفقات الجيوسياسية على حساب كرامتهم وحقوقهم.

مشروع نقل مليون فلسطيني من غزة إلى ليبيا، كما تسعى إليه إدارة ترامب، ليس مجرد خطة لاحتواء أزمة إنسانية، بل هو فصل جديد من فصول تصفية القضية الفلسطينية عبر أدوات ناعمة وأخرى صلبة. وهو يعكس تحوّلًا خطيرًا في مقاربة الولايات المتحدة للصراع: من الوساطة بين الأطراف إلى محاولة إعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي للمنطقة بما يتناسب مع تصوراتها ومصالح حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.

يبقى الأمل في يقظة جماعية عربية وفلسطينية تعيد التوازن وتمنع مرور هذا المشروع الكارثي، وإلا فإن التاريخ سيعيد نفسه – لكن بثمن أفدح.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.