أمير سعودي بارز يعود للتعبير عن آرائه مستغلاً صداقته القديمة بترامب وماسك

يعود الأمير السعودي الملياردير الوليد بن طلال إلى الأضواء من جديد وبدأ يعبر مجددا عن آرائه بصراحة، مدفوعًا بعودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وأبرزت وكالة بلومبيرغ أن رجل الأعمال الملياردير المؤسس لشركة المملكة القابضة، لم يغب فعليًا عن الساحة، لكنه منذ أن طاله احتجاز ولي العهد محمد بن سلمان ومئات من نخبة البلاد في فندق الريتز-كارلتون بالرياض عام 2017، التزم الصمت على غير عادته.

لكن الأمور تغيرت. فبعد انتخاب دونالد ترامب ومنح صديقه إيلون ماسك نفوذًا سياسيًا غير مسبوق، عاد الوليد إلى سابق عهده: يروج لاستثماراته، ينشر صورًا مع الجِمال الصغيرة، ويُعبّر عن آرائه بصراحة على الهواء.

في مقابلة من مكتبه في الطابق الأعلى بمركز المملكة، أحد أبرز معالم الرياض، تحدث الوليد (70 عامًا) بوتيرته السريعة المعتادة، وحاجباه يتحركان بطريقة تذكر بسنوات مجده حين كان وجه وول ستريت الأبرز في السعودية.

قال الوليد خلال مكالمة عبر “زووم” في فبراير: “ماسك هو نائب الرئيس بحكم الأمر الواقع، ويدير العرض في واشنطن”. وأضاف أن منصة “إكس”، التي ساعد ماسك على شرائها عام 2022، تساوي أكثر مما يظنه المستثمرون، نظرًا لنفوذ مالكها الجديد.

وقد بدا أن هذا الرأي تأكد الشهر الماضي عندما اشترت شركة xAI للذكاء الاصطناعي التابعة لماسك شركة التواصل الاجتماعي بسعر مقارب لما كانت عليه عندما تحولت إلى شركة خاصة. وبات الوليد، مع شركته الاستثمارية، ثاني أكبر مساهم في الكيان الجديد X-xAI بعد ماسك، وتقدَّر حصته الشخصية بنحو 1.45 مليار دولار.

ويُعد الوليد شخصية فريدة بين أثرياء الخليج، الذي تحول إلى مركز عالمي للثروة والمال منذ حادثة الريتز.

وتبلغ ثروته الشخصية 17.8 مليار دولار بحسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات، وهي ناتجة عن إمبراطورية جعلت منه أشهر سعودي في العالم قبل بروز ولي العهد محمد بن سلمان عقب تولي والده الملك سلمان الحكم عام 2015.

بصفته مساهمًا رئيسيًا في Citigroup وNews Corp وWalt Disney، كان الوليد كثير السفر، عادة مع موكب، ويلتقي رؤساء دول مثل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ويحضر حفلات الزفاف الملكية.

 

وقد منحته استثماراته علاقات مع شخصيات مثل بيل غيتس، وروبرت مردوخ، ولويد بلانكفين، ووارن بافيت (وكانت الصحافة تشبهه بـ”بافيت العرب”، وهو تشبيه كان يفتخر به).

ولسنوات، كان الوليد نافذة وول ستريت إلى السعودية، التي كانت آنذاك سوقًا غنيةً ولكن عصية على الأجانب. اليوم، لم تعد السعودية غامضة لوول ستريت.

فقد أعلن محمد بن سلمان انفتاح البلاد على الأعمال، ويستخدم صندوق الثروة السيادي البالغ 925 مليار دولار نفوذه لحث شركات الاستثمار العالمية على فتح مكاتب محلية وزيادة الاستثمارات المباشرة.

ويقول الوليد إن الطفرة العمرانية السعودية وطموحاتها الأوسع، جزء من خطة “رؤية 2030” التي تتجاوز تريليون دولار، قد جذبت اهتمامًا من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان.

مشيرًا إلى الأريكة الجلدية بجانبه، قال: “كثير من الناس يأتون ويجلسون هناك ويطلبون مشورتي قبل أن يستثمروا”، ورفض ذكر أسماء، باستثناء رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، الذي قال إنه لم يناقش معه الاستثمارات.

رغم أن الوليد يبدو كما عهدناه، إلا أن العالم تغيّر بالنسبة له في لحظة، في ليلة من نوفمبر 2017، عندما سُجن في الريتز إلى جانب العشرات من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال. كانت تلك اللحظة إيذانًا بأكبر عملية تركيز سلطة في تاريخ السعودية الحديث، وإشارة لا جدال فيها إلى أن محمد بن سلمان أصبح صاحب القرار.

والاعتقال صدم أصدقاء الوليد في وول ستريت. وجاءت جريمة قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد أقل من عام لتعزز القلق، ما دفع شخصيات مثل جيمي ديمون وآري إيمانويل لإلغاء زيارات وصفقات.

ووصفت السلطات السعودية الحملة بأنها مكافحة للفساد، وقالت إنها “استردت” 106 مليارات دولار. وتحدثت شائعات عن تعذيب للمعتقلين، لكن التهم لم تكن واضحة. الوليد لم يوضح سبب اعتقاله ولا كيفية إطلاق سراحه. وبعد 83 يومًا، خرج أنحف جسمًا وقال إنه خرج بـ”تفاهم مؤكد وموقع”. ورفض التعليق على فترة الاعتقال.

ورغم أن شروط الاتفاق ظلت سرية، كان واضحًا أن الحكومة أصبحت تتابع محفظته الاستثمارية عن كثب، خصوصًا مع حصصه في قطاعات مثل الفنادق والطيران والترفيه، التي تتقاطع مع رؤية 2030.

وفي عام 2022، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي 1.5 مليار دولار في شركة المملكة القابضة، ما خفّض حصة الوليد من 95% إلى 78%. وقال إنه لا يزال يوافق شخصيًا على كل قرار استثماري.

ورغم تبعيته الظاهرة لمحمد بن سلمان، لا يزال الوليد يحتفظ بنفوذ كبير، خصوصًا دوليًا. فالعديد من معتقلي الريتز خسروا أجزاءً كبيرة من أعمالهم، لكن الوليد كان محظوظًا نسبيًا، بحسب المحلل كريسبين هاوس من شركة Idrisi Advisors، الذي قال: “لقد احتفظ بصندوقه وأصوله، وهذا ما كان ليحدث إلا إذا كان له دور”.

والآن، يدير الوليد عدة مشاريع — كلها تدعم رؤية 2030 بطريقة أو بأخرى.

في مدينة جدة الساحلية، أعاد إطلاق مشروع برج جدة (المعروف سابقًا ببرج المملكة) بعد توقف دام سبع سنوات، ويُتوقع أن يكون أطول مبنى في العالم بارتفاع كيلومتر كامل (3281 قدمًا).

كما يطور مشروعًا مشتركًا مع الحكومة لفندق “فور سيزونز” على جزيرة في البحر الأحمر — جزء من مشاريع “الجيجا” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.

وقال إن الفندق، رغم أنه لم يكتمل بعد، تقدر قيمته بمليار دولار، بزيادة 30% بسبب السوق العقارية “المدهشة” في السعودية.

ويُتوقع أيضًا أن يطلق قريبًا طرحًا عامًا لأسهم شركته للطيران الاقتصادي “فلاي ناس”، مستفيدًا من خطط جعل المملكة وجهة سياحية.

وقال الوليد إن استثمار صندوق الاستثمارات العامة في شركة المملكة القابضة “فتح لنا آفاقًا كثيرة”، منها أن مجموعته “روتانا” أصبحت الشريك الرئيسي لهيئة الترفيه في جميع الحفلات الموسيقية في السعودية، وهي صفقة تقدر بـ”مئات الملايين من الدولارات”.

وقد رفع محمد بن سلمان الحظر عن الحفلات الموسيقية الحية فور توليه منصب ولي العهد.

وحتى قبل استثمار الصندوق، لم يكن الوليد قوة اقتصادية محورية داخل السعودية، ففرعه من العائلة بعيد عن خط الخلافة، والاقتصاد المحلي كان يعتمد أساسًا على أرامكو.

لكنه كان مشهورًا دوليًا، سواء باستثماراته أو بأسلوب حياته الباذخ: قصر من 420 غرفة، منتجع خاص فيه حديقة حيوانات وبحيرات صناعية.

وكان للوليد أيضًا نزعة إصلاحية تميّزه. فقد دعا لإنشاء صندوق سيادي قبل تأسيس صندوق الاستثمارات العامة، وسمّته مجلة “تايم” واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في العالم عام 2008 بسبب مواقفه التقدمية نسبيًا بشأن دور المرأة في سوق العمل. بعض هذه الإصلاحات، مثل السماح للنساء بالقيادة، طبقت لاحقًا بسرعة على يد محمد بن سلمان.

وفي تعليقاته الأخيرة حول النوع الاجتماعي، عبّر عن آراء تتماشى مع توجهات دوائر ترامب، بما في ذلك ماسك. فقد انتقد سياسات الهوية الجنسية في أمريكا بوصفها “جنون اليسار”، خلال مقابلة مع تاكر كارلسون في فبراير. وكانت هذه المقابلة بعد مقابلة أخرى مع المؤثر في عالم العملات الرقمية ماريو نافال، المقرّب من ماسك.

وقال الوليد إنه اختار هذين المحاورين بسبب انتشارهما الواسع: “تحصل على انتشار هائل على الإنترنت”، مشيرًا إلى أن المقابلتين بثّتا على منصة X، وتخطّت مشاهداتهما الملايين.

وحتى الآن، يبدو أن الوليد يستمتع بنهضة شركة ماسك للتواصل الاجتماعي، وهو استثمار كان يبدو مشكوكًا فيه قبل ستة أشهر. وقال إنه كان يثق دائمًا بأن منصة X ستحقق توقعاته، لكنه لم يتوقع أن تقربه بهذا الشكل من مراكز السلطة.

ولدى الوليد تاريخ طويل مع ترامب. في أوائل التسعينيات، عندما كان ترامب غارقًا في الديون، اشترى الوليد يخته الفاخر، وبعدها بعدة سنوات، اشترى حصته في فندق بلازا بنيويورك مع الملياردير السنغافوري كويك لينغ بينغ.

قال الوليد إن حملة الرسوم الجمركية التي شنها ترامب نموذج كلاسيكي للتفاوض على طريقته، مضيفًا: “أعرف ترامب منذ وقت طويل، إنه قائد حازم”.

ورغم أن العلاقة بينهما لم تكن دائمًا إيجابية. ففي 2015، هاجم الوليد ترامب على تويتر بعد اقتراحه منع دخول المسلمين إلى أمريكا، واصفًا إياه بـ”العار على أمريكا”. ورد ترامب قائلًا إن الوليد يريد “التحكم في السياسيين الأمريكيين بأموال والده”.

لكن الوليد يقول إن ترامب غيّر موقفه بعد انتخابه وأصبح “ودودًا جدًا” تجاه العالم العربي. وعلى خلاف 2016، هنأه بفوزه الأخير عبر قنوات خاصة، عبر مقربين من ترامب مثل إيفانكا، زوجها جاريد كوشنر، والملياردير توم باراك.

قال جيم كرين، الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس: “الوليد شخصية معروفة في نيويورك وواشنطن. وإذا كنت بحاجة إلى نفوذ لدى الحكومة الأمريكية أو استثمارات أجنبية، فإن الوليد يتحرك في تلك الدوائر ويمكنه تحقيق ذلك. من المنطقي تمامًا أنه يعيد الظهور الآن”.

وبينما يعود إلى دائرة الضوء، هناك سمة واحدة تغيّرت: لم يعد مشغولًا كثيرًا بتقديرات صافي ثروته.

والوليد بنسخته الجديدة يبدو أكثر تواضعًا. قبل اعتقاله، كان يرسل للصحفيين قوائم مفصلة بأصوله، وصولًا إلى أثاث القصور ومجوهراته (قال إن قيمتها الآن 310 ملايين دولار). حتى أنه رفع دعوى ضد مجلة “فوربس” بتهمة التشويه لخفضها تقدير ثروته (تمت تسوية القضية لاحقًا). آنذاك، كان من بين أغنى 15 شخصًا في العالم.

واليوم، يبتعد عن المركز الأول بـ300 مليار دولار — الذي يحتله ماسك — لكنه يبدو راضيًا بالقرب منه.

وقال: “لن أكون أبدًا مثل جيف بيزوس أو ماسك أو بيل غيتس… لكن على الأقل يجب أن نحصل على حصتنا العادلة”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.