“آرت بازل” تعلن عن إطلاق معرض فني جديد في قطر عام 2026

في إعلان يسلّط الضوء على التحوّل المتزايد نحو منطقة الخليج كمركز ثقافي صاعد، كشفت مؤسسة “آرت بازل” عن عزمها إطلاق معرض فني جديد في الدوحة، قطر، العام المقبل، ليحمل اسم “آرت بازل قطر”. ويُعد هذا الحدث المرتقب أول توسع رئيسي للعلامة الفنية السويسرية الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، في وقت يشهد فيه سوق الفن العالمي مرحلة من التباطؤ وإعادة التشكّل.

وأكد نوح هوروفيتز، الرئيس التنفيذي لـ”آرت بازل”، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال “واحدة من أقل المناطق خدمة في سوق الفن العالمي”، معتبراً أن إطلاق هذا المعرض سيكون بمثابة “نسمة من الهواء النقي” في وقت يشهد فيه القطاع تراجعاً ملحوظاً في المبيعات والطلب.

سوق متباطئ وفرص إقليمية
تأتي هذه الخطوة في ظل ركود نسبي في السوق الفنية العالمية، حيث أظهر تقرير مشترك صدر هذا العام عن “آرت بازل” ومصرف “يو بي إس” أن مبيعات الفن على مستوى العالم انخفضت بنسبة 12% في عام 2024، لتصل إلى 57.5 مليار دولار، بينما لم تمثل منطقة الشرق الأوسط سوى أقل من 1% من هذا الرقم. وفي خطوة أولية نحو توسيع الحضور الفني في المنطقة، استضافت دار “سوذبيز” أول مزاد لها في السعودية في فبراير الماضي، محققة مبيعات بلغت نحو 17.3 مليون دولار.

ورغم وجود معارض دولية في دبي وأبو ظبي، يُعد “آرت بازل قطر” أول التزام مباشر من علامة فنية كبرى بالانخراط في المشهد الفني الخليجي على نطاق مؤسسي دائم.

شراكة ثلاثية وبداية تدريجية
من المقرر أن يُقام “آرت بازل قطر” في فبراير 2026، من خلال شراكة ثلاثية تجمع بين مجموعة MCH — الشركة الأم لـ”آرت بازل” — و”QC+”، الذراع التجارية لمتاحف قطر، و”قطر للاستثمارات الرياضية”، التي تمتلك فريق باريس سان جيرمان الفرنسي. وسيُقام الحدث في مركز “M7” الثقافي العصري الواقع في حي مشيرب وسط الدوحة.

ووفقًا لهوروفيتز، فإن النسخة الأولى من المعرض ستكون بحجم محدود نسبيًا، حيث ستضم نحو 50 عارضًا فقط — أي ربع حجم أصغر معرض تنظمه “آرت بازل” حاليًا في باريس — على أن يتم التوسع التدريجي في النسخ اللاحقة “لبناء مشروع طويل الأمد”.

دعم من الشيخة المياسة ورؤية ثقافية متكاملة
تلعب الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيسة مجلس إدارة متاحف قطر وشقيقة أمير البلاد، دورًا محوريًا في هذه الخطوة، إذ تُعد “شريكًا ثقافيًا” للمعرض. وفي تصريح لصحيفة فايننشال تايمز، أوضحت أن القرار يأتي بعد عقدين من الاستثمار في “البرمجيات”، أي تنمية الإنسان، و”المعدات”، أي البنية التحتية الثقافية مثل المتاحف. وأضافت: “الآن حان الوقت لتقديم مواهبنا ومبدعينا إلى الصناعة العالمية”.

الشيخة المياسة تُعد أيضًا المحرك وراء أول جناح وطني دائم لقطر في بينالي البندقية، الذي صممته المعمارية اللبنانية لينا قطميه، ما يعكس طموحًا واضحًا لإرساء حضور ثقافي دائم على الصعيد الدولي.

تحديات الحقوق والحريات
لكن رغم هذا الزخم الفني، تظل هناك تساؤلات حول سجل قطر في مجال حقوق الإنسان. فقد وجّهت منظمات حقوقية انتقادات لظروف العمالة الوافدة، لاسيما خلال التحضيرات لكأس العالم 2022. كما لا تزال المرأة القطرية تخضع لنظام وصاية يفرض قيودًا على قراراتها الشخصية، إضافة إلى قوانين تُجرّم المثلية الجنسية.

في هذا السياق، شدد هوروفيتز على التزام “آرت بازل” بقيم حقوق الإنسان قائلاً: “لدينا مدونة سلوك صارمة في مجموعة MCH، وسنُطبقها محليًا بكل حزم”.

تحولات في مشهد الفعاليات الفنية
إطلاق “آرت بازل قطر” يأتي في وقت تشهد فيه صناعة المعارض الفنية تحولات كبيرة. ففي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلن رجل الأعمال آري إيمانويل استحواذه على معرض “فريز” العالمي مقابل صفقة تُقدّر بنحو 200 مليون دولار. وتعكس هذه الصفقات تنافسًا متصاعدًا بين الفاعلين الكبار على إعادة تشكيل السوق الفني العالمي في مرحلة ما بعد الجائحة.

وتجدر الإشارة إلى أن “آرت بازل” تأسست عام 1970 في سويسرا، وتوسعت إلى ميامي، وهونغ كونغ، وباريس، وتحظى بدعم مالي كبير من شركة “Lupa Systems” التابعة لجيمس مردوخ، التي تمتلك 42% من مجموعة MCH.
بين الطموح الثقافي القطري والتحفظات الحقوقية الدولية، يمثّل “آرت بازل قطر” اختبارًا جديدًا لمدى قدرة الفن على لعب دور جسري في عالم لا يزال منقسمًا بين الرؤى السياسية والرهانات التجارية. ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كان هذا المشروع سيعيد رسم خريطة الفن في الشرق الأوسط — أم أنه مجرد محطة في سباق العواصم الخليجية نحو مكانة رمزية على الساحة العالمية.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.