وكالة موديز: المشاريع الكبرى في السعودية تحقق تقدماً “غير متوازن”

قالت وكالة التصنيف الائتماني موديز لخدمات المستثمرين إن العديد من المشاريع الكبرى للبنية التحتية في السعودية تُحقّق تقدماً غير متوازن، في ظل تحديات هيكلية تمثل عقبة أمام تحقيق الرؤية الطموحة للدولة.

وأشارت الوكالة إلى أن القيود الفنية، وضعف تدفق الاستثمارات الخاصة، إلى جانب انخفاض أسعار النفط، تُشكّل عوامل ضغط على وتيرة التنفيذ.

وتُعدّ مشاريع نيوم محورية ضمن استراتيجية السعودية للتنويع الاقتصادي، لكنها تُواجه صعوبات ملموسة في التنفيذ.

ووفق تقرير موديز، فإن التعقيدات الهندسية الناتجة عن حجم المشروع وطبيعته الطموحة أدّت إلى تأخيرات في مراحله، خصوصًا في مشروع تروجينا الذي يتضمن منتجع تزلّج في الصحراء، ومشروع ذا لاين الذي خضِع لمراجعة استشارية لإعادة تقييم جدواه.

ويُشير التقرير إلى أن الحكومة طلبت من شركات استشارية إجراء مراجعة استراتيجية لمشروع “ذا لاين” لتقييم مدى إمكانية استمراره بالمقاييس الحالية.

وترى موديز أن الصعوبات الهندسية ليست وحدها العائق، بل إن تمويل هذه المشاريع يتأثر بشكل ملحوظ بـ ضعف أسعار النفط وتراجع الاستثمارات الخارجية، إلى جانب اعتماد الدولة على صندوق الاستثمارات العامة كممول رئيسي لهذه المشاريع.

فجوات مالية وتحديات تمويلية

وفق المذكرة التي أصدرتها موديز، على الرغم من التقدم المستمر في تنفيذ خطة رؤية 2030 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلا أن الموازنة العامة تُظهر عجزاً متصاعداً، والعجز المالي يُتوقع أن يستمر لسنوات قادمة بسبب “المفاضلات المالية”.

وقد ضاعفت الحكومة تقديراتها لعجز الموازنة في هذا العام أكثر من ضعف ما كان متوقعًا، مع توقعات بأن تستمر الفجوة المالية حتى عام 2028 على الأقل.

من جهة أخرى، ترى موديز أن الإيرادات ستشهد تحسناً تدريجياً، فيما من المتوقع أن تعاود النفقات الارتفاع بعد هبوط مؤقت في عام 2026.

اعتماد مفرط على الإيرادات النفطية

رغم مرور نحو عقد على إطلاق رؤية 2030، فإن السعودية لا تزال تعتمد إلى حد كبير على عوائد النفط، بل إن بعض المقاييس تشير إلى أن الاعتماد قد زاد في بعض الجوانب.

وتشير تقديرات بلومبيرغ إيكونوميكس إلى أن سعر التعادل للموازنة السعودية الآن يقف على حوالي 94 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مما كان عليه قبل عقد من الزمن. وإذا أُدرجت استثمارات صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، فإن هذا الرقم يقفز إلى نحو 111 دولارًا للبرميل.

في الوقت نفسه، سعر خام برنت قد بلغ نحو 65 دولارًا أثناء نشر التقرير، ما يبيّن فجوة كبيرة بين صاف الإيراد المتوقع ومتطلبات الإنفاق.

دور القطاع الخاص… ضرورة ملحة

تُشدّد موديز على أن تمويل المشاريع الضخمة، بما في ذلك المشاريع الضخمة ضمن رؤية 2030، يهيمن عليه حالياً صندوق الاستثمارات العامة والشركات التابعة له، وهو نموذج غير مستدام على مدى بعيد.

وترى الوكالة أن دور القطاع الخاص في تقديم التمويل والاستثمار يجب أن يتعاظم إذا أرادت السعودية أن تكمّل هذه المشاريع بنجاح. بدون ضخّ استثمارات خاصة كافية، فإن المشاريع الكبرى قد تظل أعباءً مالية على الميزانية العمومية.

ويحذر التقرير من أن العجز المالي قد يستمر لسنوات، وأن الحكومة ستضطر لاتخاذ مفاضلات بين المشاريع الضخمة والاحتياجات التشغيلية للدولة. إن وجود فجوات تمويلية مستدامة قد يُجبر الرياض على إعادة جدولة أولوياتها التنموية أو تأخير بعض المشاريع ذات الاستثمار الثقيل.

ومع ذلك، فإن تحسين الإيرادات غير النفطية وتوسيع قاعدة الاستثمارات الأجنبية قد يوفّران بعض التنفس للميزانية على المدى المتوسط.

وفي ضوء تقييم موديز، تبدو المشاريع الكبرى مثل نيوم وذا لاين على مفترق طرق: الطموح مرتفع، لكن المخاطر قائمة. التقدم الذي تحقق حتى الآن غير متكافئ، ويُرجّح أن يشوب مساره تأخيرات إضافية إذا لم يُعالج التمويل، وضعف مشاركة القطاع الخاص، والاعتماد المفرط على النفط.

وإذا استطاعت السعودية أن تجذب استثمارات خاصة كبيرة، وتحقق تحسينًا إيراديًا هيكليًا بعيدا عن النفط، فقد تتمكن من إعادة التوازن. أما إن بقيت الميزانيات تعاني من العجز، فإن بعض المشاريع قد تُعدَّل أو تُجمَّد، مما يضع علامة استفهام على قدرة المملكة على تنفيذ رؤيتها الطموحة في مواعيدها المحددة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.