في عام 1994، أثارت هيلاري كلينتون عاصفة سياسية بسبب استثمار صغير حقق لها ربحًا قدره 100 ألف دولار، رغم أنه تم قبل أكثر من عقد من دخول زوجها البيت الأبيض. إلا أن الغضب السياسي حينها أجبر الإدارة على فتح تحقيق داخلي.
بعد ثلاثة عقود، لم يُثر العشاء الذي جمع دونالد ترامب بجيف بيزوس في مارالاغو ردود فعل مشابهة، رغم أنه أسفر عن اتفاق يمكّن ميلانيا ترامب من تحصيل 28 مليون دولار من فيلم ترويجي يُموَّل من قبل بيزوس، وهو رجل أعمال له مصالح مباشرة في سياسات إدارة ترامب. فبدلاً من إثارة فضيحة، مرّ الحدث دون ملاحظة تُذكر في واشنطن.
بعيدًا عن كونه أول رئيس أميركي يستفيد من موقعه، فإن ترامب، كما تشير صحيفة نيويورك تايمز، تجاوز كل من سبقوه في تحويل الرئاسة إلى آلة لجني الأموال. العائلة الرئاسية وشركاؤها حصدوا ما يقدَّر بـ320 مليون دولار من رسوم عملة رقمية أطلقوها، كما وقّعوا صفقات عقارية بمليارات الدولارات، وأنشأوا ناديًا حصريًا باسم “الفرع التنفيذي” في العاصمة واشنطن، تصل رسوم الانضمام إليه إلى نصف مليون دولار، وكل ذلك في غضون أشهر قليلة.
وفي سابقة أخرى، حصل ترامب على طائرة فاخرة من دولة قطر، مخصصة لاستخدامه الشخصي حتى بعد انتهاء ولايته، وقد قُدّرت قيمتها بـ200 مليون دولار. هذه الطائرة وُثّقت كتبرع للقوات الجوية الأميركية، لكنها مخصصة لاستخدامه كمقر لمكتبته الرئاسية لاحقًا.
وفي الوقت ذاته، نظّم ترامب مأدبة عشاء خاصة حضرها 220 من كبار المستثمرين في عملته الرقمية، تم بيع بطاقاتها بناءً على حجم مساهمات الحضور — ليس لدعم حملته، بل لصالح شركة خاصة مملوكة له.
يقول مايكل جونستون، أستاذ فخري وخبير في قضايا الفساد:
“أكتب عن الفساد منذ نصف قرن، وما زلت مذهولًا من ما أراه اليوم.”
ما يجري يعكس تحوّلًا عميقًا في ثقافة واشنطن السياسية. فقد بات التطبيع مع الفساد جزءًا من المشهد. الفضائح التي كانت قبل سنوات كافية لإسقاط وزراء ورؤساء لم تعد تثير إلا القليل من الغضب. فالكونغرس الجمهوري خاضع لترامب، وأجهزة الرقابة تم إفراغها من صلاحياتها، وأي مساءلة محتملة جرى تعطيلها عمدًا عبر تعيينات سياسية وملاحقة المفتشين العامين واستبدالهم.
تقول كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن ترامب “ثري جدًا” ولا يحتاج إلى المال، مضيفة أن “الرئيس يمتثل لقوانين تضارب المصالح”. لكن الحقيقة أن تلك القوانين لا تنطبق على الرئيس أصلاً، وهو ما كان ترامب يكرره دائمًا لتبرير عدم خضوعه لها.
ولم يتخلّ ترامب عن مصالحه التجارية كما تعهد في ولايته الأولى. فما تزال مشاريعه تُدار من قبل نجليه دونالد جونيور وإريك، وقد قدرت مجلة فوربس ثروته في مارس 2025 بـ5.1 مليار دولار، بزيادة قدرها 1.2 مليار دولار عن العام السابق — وهي أعلى زيادة في تاريخه.
نجلاه يسخران من فكرة الحد من أنشطتهما. ففي منتدى أعمال عقد في قطر، قال دونالد جونيور: “سوف يهاجموننا مهما فعلنا، لذا سنلعب اللعبة.”
أما الهدية القطرية — الطائرة الفاخرة — فقد أثارت بعض القلق العام، إذ أظهر استطلاع أجرته جامعة هارفارد أن 62% من الأميركيين يرون أن الأمر يثير “مخاوف أخلاقية تتعلق بالفساد”. حتى شخصيات محسوبة على اليمين مثل بن شابيرو وتاكر كارلسون عبّرت عن انزعاجها من صفقات ترامب المالية في الشرق الأوسط.
رغم بعض التظاهرات المتفرقة، لا يبدو أن الديمقراطيين متفقون على كيفية التعامل مع هذه القضايا. السيناتور كريس مورفي وصف ما يحدث بأنه “فساد صارخ”، وقال إن عدم وجود تحقيقات أو محاسبة رسمية يعني أن الرد الوحيد الممكن يجب أن يكون عبر “التعبئة الشعبية والسياسة”.
اللافت أن ترامب كان قد وعد بتجفيف “مستنقع” واشنطن، وهاجم آل كلينتون بسبب تلقيهم تبرعات من حكومات أجنبية. أما اليوم، فالأموال تتدفق إلى جيوبه مباشرة، والمستفيدون الأساسيون هم أفراد عائلته.
الباحث مايكل جونستون يرى أن “آل ترامب يمثلون حالة شاذة”، ليس فقط من حيث الحجم، بل في استهتارهم بالمعايير السياسية. وبينما وعد ترامب سابقًا بتقييد نشاطات عائلته الخارجية، فقد انتهى به الأمر مدانًا بـ34 تهمة جنائية، بالإضافة إلى إدانة مدنية بالاحتيال — في حين منحته المحكمة العليا حصانة واسعة عن “الأفعال الرسمية”.
يقول فريد ويرثايمر، مؤسس منظمة “ديمقراطية 21”: “لا أحد في تاريخ أميركا اقترب حتى من استغلال الرئاسة بهذا الشكل لتحقيق مكاسب شخصية. لا أحد.”
وقد أشار ويرثايمر إلى أن ترامب “يحتل المراتب العشر الأولى في قائمة الفساد الرئاسي”، مضيفًا: “سيأتي يوم وتتم محاسبته… سيستغرق الأمر وقتًا، لكنه سيحدث.”
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71708