نيويورك تايمز: المرشد الأعلى في إيران رضخ لضغوط داخلية للتفاوض مع إدارة ترامب

قالت صحيفة نيويورك تايمز إن كبار المسؤولين الإيرانيين ضغطوا على زعيم البلاد لتغيير موقفه، محذرين من أن خطر الحرب مع الولايات المتحدة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة قد تطيح بالنظام.

وبحسب الصحيفة كان اجتماعًا عاجلًا وسريًا للغاية، حيث كانت إيران تدرس الرد على رسالة الرئيس ترامب التي تدعو إلى مفاوضات نووية.

لذلك اجتمع رئيس البلاد، ورؤساء القضاء والبرلمان مع المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، الشهر الماضي، حسبما أفاد مسؤولان إيرانيان كبيران مطلعان على الاجتماع.

كان خامنئي قد أعلن مرارًا وبشكل علني حظر التفاوض مع واشنطن، واصفًا ذلك بأنه تصرف غير حكيم وغبي. لكن المسؤولين الكبار، في جهد منسق نادر، حثوه على تغيير موقفه.

كانت رسالتهم إلى خامنئي واضحة: السماح لطهران بالتفاوض مع واشنطن، حتى مباشرة إذا لزم الأمر، وإلا فإن حكم الجمهورية الإسلامية قد يسقط.

كانت البلاد بالفعل تتعامل مع اقتصاد منهار، وعملة تتهاوى مقابل الدولار، ونقص في الغاز والكهرباء والمياه.

وحذر المسؤولون من أن خطر الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل كان بالغ الجدية.

وقالوا إنه إذا رفضت إيران المحادثات أو فشلت المفاوضات، فإن الضربات العسكرية على موقعي نطنز وفوردو النوويين الرئيسيين في إيران ستكون حتمية.

ثم ستضطر إيران إلى الرد، مما قد يؤدي إلى حرب أوسع نطاقًا، وهو سيناريو قد يتسبب في المزيد من الضرر للاقتصاد ويؤدي إلى اضطرابات داخلية تشمل احتجاجات وإضرابات.

وأضافوا أن القتال على جبهتين يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام.

في نهاية الاجتماع الذي استمر لساعات، وافق خامنئي.
منح الإذن ببدء محادثات، أولًا غير مباشرة عبر وسيط، ثم إذا سارت الأمور بشكل جيد، محادثات مباشرة بين المفاوضين الأمريكيين والإيرانيين.

في 28 مارس، أرسلت إيران ردًا رسميًا على رسالة ترامب تعلن استعدادها للتفاوض.

يوم السبت، ستعقد إيران والولايات المتحدة الجولة الأولى من المحادثات في سلطنة عمان.

إذا تطورت إلى لقاءات وجها لوجه، فسيكون ذلك علامة على تنازل كبير من إيران، التي طالما أصرت على أنها لا ترغب في مقابلة الأمريكيين مباشرة.

ما تزال إيران تصر على أن تكون المحادثات غير مباشرة — أي أن كل طرف سيجلس في غرفة منفصلة، وسينقل الدبلوماسيون العُمانيون الرسائل بينهما — بينما قالت الولايات المتحدة إن الجانبين يخططان للقاء مباشر.
الرهانات كبيرة للطرفين.

قال حسين موسويان، الدبلوماسي الإيراني السابق وعضو فريق التفاوض النووي عام 2015، والذي يعمل الآن زميلًا باحثًا في جامعة برينستون:

“تراجع خامنئي يظهر مبدأه الأساسي الطويل الأمد: (حفظ النظام هو أولوية الأولويات)”.

قال ترامب، متحدثًا في المكتب البيضاوي يوم الأربعاء، إنه سيتخذ إجراءً عسكريًا ضد إيران “إذا لزم الأمر، بالتأكيد”، إذا فشلت المفاوضات.

وأضاف: “أنا لا أطلب الكثير، عليهم ألا يمتلكوا سلاحًا نوويًا”، موضحًا: “أريد لهم أن يزدهروا. أريد أن تكون إيران عظيمة”.

تأتي هذه المحادثات في سياق نظام عالمي سريع التغير، من التغييرات الإقليمية إلى الرسوم الجمركية العالمية وتبدل التحالفات.

وقد تم إضعاف الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، حماس وحزب الله، بفعل إسرائيل، كما فقدت إيران حليفًا رئيسيًا بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر.

وشجعت روسيا والصين، الحليفتان القويتان لإيران، طهران على حل خلافها النووي مع الولايات المتحدة عبر التفاوض.
وعقدت الدول الثلاث اجتماعين في بكين وموسكو مؤخرًا لمناقشة برنامج إيران النووي.

منذ تولي ترامب منصبه في يناير، أعربت الصحف والمعلقون الإيرانيون عن قلقهم بشأن ما إذا كانت تحالفات إيران مع روسيا والصين في خطر.

وقد تواصلت إدارة ترامب مباشرة مع الحكومة الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا وإيران، وضغط ترامب على الصين لوقف شراء النفط الإيراني الخاضع للعقوبات وفرض عقوبات على مصافي صينية تشتري النفط من إيران.

وقال همايون فلكشاهي، رئيس فريق النفط الخام في شركة كبلر لتتبع شحنات النفط، إنه منذ يناير صدرت إيران حوالي 1.6 مليون برميل يوميًا من النفط الخام، معظمها إلى الصين.
وتتوقع شركته انخفاضًا يقارب نصف مليون برميل يوميًا إذا وسعت الولايات المتحدة عقوباتها على الصين، مما سيكون له تأثير كبير على اقتصاد إيران.

كانت المخاوف الاقتصادية جزءًا من المناقشات التي دفعت المسؤولين إلى حث خامنئي على السماح بالمفاوضات.

وقال المسؤولان الإيرانيان إن محمد باقر قاليباف، القائد السابق للحرس الثوري ورئيس البرلمان الحالي، أبلغ خامنئي بأن الحرب إلى جانب الانهيار الاقتصادي الداخلي قد تخرج بسرعة عن السيطرة.

وقال الرئيس مسعود پزشكيان لخامنئي إن إدارة البلاد في ظل الأزمات الحالية لم تعد قابلة للاستمرار.

وأعلنت الحكومة عن تخفيضات جديدة في الكهرباء هذا الشهر لطهران وللمصانع، مما يهدد خطوط الإنتاج.
وفي مدينة يزد وسط إيران، تسببت أزمة مياه حادة في إغلاق المدارس والمكاتب الحكومية لمدة يومين هذا الأسبوع.

يوم السبت، سيمثل إيران وزير الخارجية عباس عراقجي، وتمثل الولايات المتحدة المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

ورغم أن أهداف الاجتماع الأولية متواضعة — الاتفاق على إطار زمني للمفاوضات — إلا أن نجاح الاجتماع قد يمهد الطريق للقاء مباشر بين عراقجي وويتكوف في نفس اليوم.

الوقت يداهم برنامج إيران النووي.

تقترب إيران الآن أكثر من أي وقت مضى من القدرة على إنتاج سلاح نووي مقارنة بعام 2018 عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع القوى العالمية.

بعد انسحاب ترامب من الاتفاق وفرضه العقوبات، تخلت إيران عن بعض التزاماتها، وزادت مستوى تخصيب اليورانيوم من 3.5% إلى 60%.

وتقول إيران إن برنامجها النووي للأغراض السلمية، رغم أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية خلصت في وقت سابق هذا العام إلى أن إيران كانت تستكشف مسارًا أسرع نحو إنتاج سلاح نووي إذا اختارت ذلك.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها لم تجد دليلاً على التسلح النووي.

كرر ترامب مرارًا أن الاتفاق السابق كان غير كافٍ وأنه يسعى إلى اتفاق أوسع.

وبحسب ثلاثة مسؤولين إيرانيين، حدد خامنئي بعض الشروط والمعايير للمحادثات.

سمح بمناقشة البرنامج النووي — بما في ذلك آليات رقابة صارمة وتقليص كبير في تخصيب اليورانيوم — لكنه قال إن الصواريخ الإيرانية جزء من دفاع إيران الذاتي ولا تخضع للتفاوض.

وقال موسويان إن إيران لن توافق أبدًا على مطالب واشنطن وإسرائيل بتفكيك برنامجها النووي بالكامل، مضيفًا أن مثل هذا المطلب سيكون “قاضيًا على أي صفقة”.

كما أن إيران منفتحة على مناقشة سياساتها الإقليمية ودعمها للجماعات المسلحة، وستبدي استعدادًا لاستخدام نفوذها لتهدئة التوترات الإقليمية، بما في ذلك مع الحوثيين في اليمن.

وعين خامنئي عددًا من مستشاريه وكبار ثقاته — كمال خرازي للسياسة الخارجية، وعلي لاريجاني للاستراتيجية، ومحمد فروزنده للشؤون العسكرية — لإدارة المفاوضات مع واشنطن بالتنسيق الوثيق مع وزارة الخارجية، حسبما قال أربعة مسؤولين إيرانيين.

وفي مؤشر آخر على تليين موقف إيران، قال الرئيس پزشكيان يوم الأربعاء في خطاب علني إن خامنئي منفتح على السماح بدخول الاستثمارات والشركات الأمريكية إلى السوق الإيرانية شبه غير المستغلة.

وقد تصدرت أخبار محادثات السبت الصفحات الأولى للصحف الإيرانية هذا الأسبوع، وشهد الاقتصاد الإيراني بعض التحسن الطفيف، إذ ارتفع سعر صرف الريال مقابل الدولار في السوق السوداء، وافتتح سوق الأسهم الإيراني على ارتفاع بالنسبة للعديد من الشركات.

وقال علي واعظ، مدير برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية:

“مع ترامب، لدى إيران فرصة فريدة للتوصل إلى اتفاق دائم مع الولايات المتحدة وحل قطيعة دبلوماسية استمرت قرابة خمسة عقود”.

وأضاف: “تأثير ترامب على إسرائيل والحزب الجمهوري، الذي كان تقليديًا يعارض أي اتفاق مع إيران، قد يعطي أي اتفاق محتمل وزنًا أكبر”.

وختم واعظ بالقول: “الوقت قصير للغاية، والمخاطر عالية للغاية، والقضايا معقدة للغاية لنجاح الدبلوماسية من دون حديث مباشر بين الطرفين الرئيسيين”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.