كشفت مصادر فلسطينية وعربية متطابقة عن تمويل دولة الإمارات العربية المتحدة ميليشيات الفوضى المسلحة في غزة من أجل نشر الفوضى وتكرس تجويع الفلسطينيين في خضم ما يتعرض له من حرب إبادة جماعية إسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف.
وأوردت صحيفة “الاخبار” اللبنانية، أنه بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي لمدينة رفح في مايو/أيار 2024، برزت إلى العلن مجموعة مسلّحة يقودها ياسر أبو شباب، شاب لم يكن معروفًا قبل ذلك خارج حدود الأزمات المحلية.
وقد بدأت هذه المجموعة أولى خطواتها بقطع الطرق أمام قوافل المساعدات، والسطو على الشاحنات، قبل أن تتطور مهماتها إلى صدامات مباشرة مع أمن المقاومة الفلسطينية، ما كشف مبكرًا طبيعة التوجه السياسي والأمني الذي تمثّله.
لكن أخطر ما في تحركات هذه المجموعة لم يكن ما حدث في العلن، بل ما كشفته المقاومة من تسجيل مصوّر يوثّق اشتباكًا مع وحدة مستعربين إسرائيلية تبيّن لاحقًا أنها من عناصر المجموعة ذاتها.
فقد تحوّل أبو شباب خلال أسابيع إلى رأس حربة في مشروع أمني تعمل عليه أجهزة إسرائيلية وفلسطينية وإقليمية على حد سواء.
بنية ميليشياوية وتورط استخباري
تفاصيل التكوين البنيوي للمجموعة تكشف عن حجم التورط. نحو 300 عنصر، منهم 50 جلبهم أبو شباب شخصيًا، والبقية تم ضمهم عبر جهاز مخابرات السلطة الفلسطينية، لا سيما من “تفريغات 2005″، وهي مجموعة أمنية شكّلت نواة لاحتواء عناصر “كتائب شهداء الأقصى” في مرحلة ما قبل الانتخابات التشريعية في 2006.
تلقّى هؤلاء رواتب شهرية، تصل أحيانًا إلى 3 آلاف شيكل فوق المرتب الأساسي، بحسب مصادر أمنية. لكن الأخطر كان تورّط عدد من الأفراد في عمليات سطو وقتل خلال الحرب، من بينهم عنصر نفّذ هجومًا على نقطة للمقاومة شمال النصيرات وقتل عددًا من المجاهدين، وآخر قتل مدنيًا في دير البلح.
كل هذا جرى في ظل رعاية مباشرة من جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية، عبر بهاء بعلوشة، الضابط النافذ في القطاع الأمني، الذي تولّى التمويل والتوجيه. أما التمويل، فلم يكن فلسطينيًا، بل إماراتيًا.
من أين يأتي السلاح؟ وماذا عن التمويل؟
وفق المعطيات الميدانية، اشترت المجموعة كميات من الأسلحة من السوق المحلّي، بتسهيلات مالية منظمة، وتمركزت بالقرب من “موقع صوفا”، على بعد 300 متر فقط من المنطقة العازلة التي حوّلها الاحتلال إلى مساحة عمل لتلك الميليشيات.
هذه الوقائع دفعت “كتائب القسام” إلى التعامل مع الميليشيا باعتبارها جزءًا من القوات الإسرائيلية، وبدأت بالفعل عمليات تصفية مباشرة لعناصرها. وفيما أعلنت عائلة أبو شباب براءتها من ابنها ودعت إلى تصفيته، بات تنفيذ أحكام الإعدام بحق المتورطين خيارًا لا تراجع عنه لدى قيادة المقاومة.
الإمارات تدخل على الخط: إغاثة بوجه تهجيري
في خلفية هذا المشهد الأمني، كانت الإمارات تقتحم المشهد الإنساني في غزة تحت عنوان “الإغاثة”. فمع تراجع الدور القطري، وجدت أبوظبي فرصة للتموضع في الفراغ الإقليمي، ففعّلت أذرعها الثلاث: الهلال الأحمر الإماراتي، اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية، و”الفارس الشهم”، تحت إشراف تيار محمد دحلان.
لكن هذا التدخل لم يكن بريئًا. فالإمارات كانت من الجهات القليلة التي سمح لها الاحتلال بإدخال أموال نقدية مباشرة إلى غزة، تحت غطاء إنساني، في وقت كانت فيه السيولة منعدمة.
وفي الوقت نفسه، وافقت أبوظبي على توحيد مخازن مساعداتها داخل “بركس” واحد في رفح، بناءً على طلب إسرائيلي، ضمن خطة تهدف إلى حصر السكان في منطقة المواصي تمهيدًا لعزلهم وتهجيرهم.
المساعدات… أداة لتفكيك البنية الاجتماعية
ما داخل “البركس” لم يكن مجرد مساعدات. كان يحتوي على خمسة مخابز، باصات، عشرات الأطنان من الدقيق، آلاف الليترات من الوقود، ومعدّات لوجستية. لكنه لم يصمد طويلاً؛ إذ اقتحم الاحتلال المنشأة وأجبر حرسها على المغادرة، قبل أن يُشعل فيها النار.
لم يكن هذا الحرق عشوائيًا، بل رسالة مزدوجة: أولاً، قطع خط الإمداد الذي بات مشكوكًا في غايته؛ وثانيًا، التخلص من ورقة لم تعد تخدم الهدف الميداني. فقد انكشف الدور الإغاثي الإماراتي كجزء من مشروع أكبر يستهدف تفكيك المجتمع الغزي، وتقديم التهجير كخيار “إنساني”.
كشوفات سفر… بوابة التهجير
وفي مشهد أكثر فجاجة، كشفت مصادر أمنية عن كشوفات سفر خرجت من القطاع بدعم إماراتي مباشر، تحت عنوان “مرافقين”، لأشخاص لا تنطبق عليهم أي من شروط الإجلاء الطبي أو الإنساني.
وقد جرى ذلك في تزامن لافت مع تصريحات إسرائيلية عن “نجاح” عمليات إخراج المدنيين من غزة، بما يعزّز الشكوك حول دور الإمارات بوصفها طرفًا فاعلًا في مشروع التهجير القسري.
هذه الكشوفات لم تكن ناتجة عن طلب شعبي، بل عن مخطط إقليمي ودولي يهدف إلى تصفية ما تبقّى من مقوّمات الصمود الفلسطيني في الداخل، وخلق بنية مجتمعية ممزّقة، منهَكة، خاضعة، تَقبل بالقليل وتَرضى بالإخضاع.
مال الفوضى وسلاح الاحتلال
ما يجري في غزة ليس مجرد فوضى في توزيع مساعدات أو تمويل عشوائي لمجموعات مسلحة، بل هو نموذج معقّد من الحروب غير التقليدية، التي توظّف فيها الإمارات المال والواجهة الإنسانية لتقويض بنية المقاومة من الداخل.
فمن تمويل ميليشيات تعمل تحت راية الاحتلال، إلى الدفع بكشوفات تهجير ممنهج، مرورًا بإحراق المنشآت الإغاثية التي لم تعد صالحة للابتزاز، يتكشّف دور أبوظبي كفاعل أساسي في مشروع تقويض الصمود الفلسطيني، وإعادة تشكيل قطاع غزة وفق شروط الاحتلال، تحت غطاء إنساني لا يختلف كثيرًا عن “الاستعمار الخيري”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71725