في تطور دبلوماسي هو الأول من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، سيصل موسكو اليوم الخميس، لإجراء محادثات رسمية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وتُعد هذه الزيارة مؤشراً على بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين دمشق وموسكو، وسط تغيرات كبيرة يشهدها المشهد السوري.
وأكدت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، أن الزيارة ستشمل مناقشة “العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية”، في لقاء هو الأول لمسؤول رفيع في الحكومة السورية الجديدة مع القيادة الروسية منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
دعم قديم… ومرحلة جديدة
لطالما كانت روسيا الحليف الأبرز لنظام بشار الأسد خلال سنوات الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011، حيث قدمت له دعماً عسكرياً وسياسياً مكّن النظام من استعادة مساحات واسعة من الأراضي على مدى السنوات الماضية.
لكن في تحول دراماتيكي، امتنعت موسكو عن التدخل المباشر عندما شن المتمردون هجوماً خاطفاً وصل إلى العاصمة دمشق نهاية العام الماضي. وأجبر هذا الهجوم الأسد على الفرار، حيث كشف لاحقاً أنه لجأ إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية، قبل أن يتم نقله وعائلته خارج سوريا بعد تعرّض القاعدة لهجوم مفاجئ.
ورغم دعمها الطويل للأسد، لم تعترف روسيا علناً بنهاية حكمه، لكنها تأقلمت بسرعة مع الحكومة الجديدة التي تشكلت برئاسة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، الذي تعهد بالعمل على “إعادة التوازن لعلاقات سوريا الدولية والداخلية”، وفق تصريحاته عقب تنصيبه.
القواعد العسكرية في قلب الاستراتيجية الروسية
لاتزال المنشآت العسكرية الروسية في سوريا – لا سيما القاعدة الجوية في حميميم والقاعدة البحرية في طرطوس – من الركائز الاستراتيجية لموسكو في شرق المتوسط، وحرصت موسكو بعد التغيرات السياسية في دمشق على تأمين هذه المواقع بأي ثمن.
في يناير الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها تدرس تحويل هذه القواعد إلى “مراكز إنسانية دائمة”، لتقديم المساعدة للسوريين في مناطق النزاع، وتجنب المواجهة مع القوى السياسية الجديدة التي ظهرت في سوريا بعد سقوط الأسد.
الشيباني ولافروف… ملفات ثقيلة على الطاولة
من المتوقع أن تتناول المحادثات بين الشيباني ولافروف ملفات حساسة، بينها:
مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا بعد تغيير النظام.
التعاون الاقتصادي والإنساني في ظل تدهور البنية التحتية السورية.
الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، والتي أدانتها روسيا مراراً.
إمكانية دعم موسكو للعملية السياسية الانتقالية التي أطلقتها الحكومة الجديدة بمشاركة فصائل معارضة.
ويرى مراقبون أن هذه الزيارة تأتي في وقت تسعى فيه موسكو إلى الحفاظ على نفوذها في سوريا دون التصادم مع اللاعبين الجدد، خصوصًا بعد أن أبدت الحكومة الجديدة انفتاحًا على علاقات متوازنة مع كل من روسيا والغرب، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول العربية.
اتصال بوتين والشرع: بوادر إعادة تطبيع
في فبراير الماضي، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، شكره خلاله الأخير على الموقف الروسي من الغارات الإسرائيلية، في بادرة أعادت بعض الدفء للعلاقات التي توترت قليلاً بعد تخلي موسكو عن الأسد في لحظة حرجة.
كما زار وفد روسي دمشق في يناير، في أول محاولة رسمية لجسّ نبض السلطة الجديدة بشأن مستقبل التعاون الأمني والعسكري.
موقف دمشق: صمت رسمي
حتى مساء الأربعاء، لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة السورية بشأن الزيارة، مما يعكس حذرًا دبلوماسيًا في تعاطي دمشق مع العلاقة التاريخية التي جمعت موسكو بالنظام السابق.
لكن مصادر مطلعة في العاصمة السورية أشارت إلى أن الشيباني يسعى لإعادة صياغة العلاقة مع روسيا “وفق أسس جديدة قائمة على المصالح المشتركة لا التبعية السياسية”، على حد وصف أحد المحللين المحليين.
نحو مرحلة إعادة التوازن
تأتي هذه الزيارة في وقت تواجه فيه سوريا تحديات إنسانية واقتصادية هائلة، وسط استمرار الاشتباكات في بعض مناطق الشمال، وتراجع في مستوى الخدمات العامة.
وفيما تحاول الحكومة الجديدة إعادة فتح قنوات التعاون مع مختلف القوى الدولية، تبقى موسكو لاعبًا لا يمكن تجاهله، لا سيما في ظل موقعها الاستراتيجي في معادلة شرق المتوسط، وعلاقاتها المعقدة مع كل من إيران وإسرائيل، المتداخلتين بشدة في الشأن السوري.
وبينما يسعى الوزير الشيباني إلى بناء صفحة جديدة في العلاقات السورية-الروسية، فإن زيارته إلى موسكو قد تكون مؤشرًا على ما إذا كانت دمشق الجديدة تسير في طريق الاستقلال السياسي الحقيقي… أم مجرد تغيير في الوجوه.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72177