منذ عودته إلى البيت الأبيض، بدت سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه الصين وكأنها محكومة بالتوتر المستمر، مليئة بالرسوم الجمركية المتبادلة والتصريحات القوية. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ ترامب في تبني نهج غير تقليدي، حيث يبدو أنه يتخلى عن بعض الركائز الأساسية لاستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين، سعيًا وراء اتفاق تجاري تاريخي يُمهد له إرثًا اقتصاديًا يربط الولايات المتحدة بالصين.
محاولة جديدة لفتح صفحة جديدة مع بكين
بينما كانت التوترات بين الولايات المتحدة والصين في تزايد مستمر، مع قضايا مثل التوتر حول تايوان، والعقوبات التكنولوجية، والتحالفات المعادية لبكين، قرر ترامب أن يعيد صياغة بعض هذه القضايا لصالحه، من خلال إبرام صفقة تجارية كبرى. هذا التغيير في الأولويات يعكس التزامًا جديدًا من ترامب بعقد قمة مبهرة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، على الرغم من التحديات التي قد تصاحب هذه الصفقة.
ويبدو أن ترامب قد أصبح مهووسًا بإيجاد أكبر قطعة لغز متبقية في أجندته الاقتصادية: الاتفاق التجاري مع الصين. فمع تمديد التخفيضات الضريبية، ووضع معدلات التعريفات الجمركية على الطاولة، وتدفق الاستثمارات إلى الولايات المتحدة، أصبح تأمين هذه الاتفاقية محورًا رئيسيًا في خطته.
المخاطر المترتبة على التحولات الجذرية
لكن هذه المناورة لم تقتصر على محاولات التوصل إلى اتفاق تجاري فحسب. فقد اتخذ ترامب خطوات غير تقليدية، مثل إلغاء حظر بيع رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين، وهو ما أثار قلق الجمهوريين الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تعزيز القدرات التكنولوجية الصينية عسكريًا وتجاريًا. كما أن سياسة ترامب تجاه تايوان أصبحت أكثر ليونة مقارنة بمواقفه السابقة، حيث طلبت إدارته من الرئيس التايواني عدم إجراء توقف في نيويورك، الأمر الذي ساعد في تخفيف التوترات مع الصين.
ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة تحت ضغط مستمر من الصين بشأن قضايا أخرى. ففي مواجهة التحركات العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي والتجارة مع روسيا، اتخذ ترامب نهجًا متناقضًا في كثير من الأحيان. في الوقت الذي فرض فيه عقوبات على الهند بسبب تعاملاتها النفطية مع روسيا، بدت الصين وكأنها تنجو من العقوبات ذاتها، رغم أنها أكبر مستورد للنفط الروسي.
أزمة في العلاقات مع الهند
اتهم ترامب الهند بأنها “تغذي آلة الحرب الروسية” عبر شراء النفط الروسي، وفرض رسوماً جمركية على الهند بنسبة 50% في خطوة قوبلت بالغضب من قبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. هذه الخطوة قد تضر بالعلاقات التي بُذلت سنوات من العمل لتوطيدها بين الولايات المتحدة والهند كحصن ضد الصين في المنطقة. رد فعل مودي لم يكن بطيئًا، حيث قرر تجميد خطط شراء الأسلحة الأمريكية وألغى زيارة دفاعية هامة إلى واشنطن.
المقامرة التي قد تؤتي ثمارها أو تزعزع التحالفات
بجانب هذه الخطوات التجارية، لم يكن ترامب ليغفل عن اهتمامه الشخصي بعلاقته مع الرئيس الصيني. إذ غالبًا ما يشيد ترامب بما يعتبره علاقته الشخصية القوية مع شي جين بينغ، في محاولة لترسيخ أجواء من التعاون في خضم التوترات الاقتصادية والسياسية. وفي الوقت نفسه، تحاول إدارته الحفاظ على سمعتها الصارمة تجاه الصين من خلال إجراءات مثل الضغط على الشركات الأمريكية لتقليص علاقاتها ببكين، وتوجيه انتقادات علنية حول تهريب الرقائق.
التحديات المتزايدة
وفي نفس الوقت، يواجه ترامب تحديات متزايدة في الداخل والخارج. فبينما يسعى إلى التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، يجد نفسه محاطًا بمعارضة من داخل حزبه ومن الحلفاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي. تصريحات ترامب القاسية ضد حلفاء أمريكا تزداد بروزًا، بينما يواصل تعهده بمحاربة الصين “بطريقة ودية للغاية”. إلا أن هذه الوداعة قد تكون مجازفة تؤدي إلى تمزق علاقات واشنطن مع حلفائها الأكثر قربًا.
وقد أصبح ترامب على أعتاب مقامرة كبرى تتعلق بمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. فبينما يحاول تأمين اتفاق تجاري تاريخي مع بكين، يواجه تحديات جمة في إدارة التوترات مع حلفائه التقليديين مثل الهند وأوروبا، فضلاً عن التحركات الصينية التي قد تهدد المصالح الأمريكية على المدى الطويل. ويبدو أن استراتيجية ترامب الآن تتمثل في إبرام صفقة مربحة مع الصين في سبيل ترك إرثه التجاري، لكن هذه المقامرة قد تأتي بتكاليف قد تكون أكبر من المتوقع.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72303