ما بعد حرب غزة: هل تتوسّع «اتفاقات أبراهام» أم تتجمّد؟

بينما يَعرضُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقفَ إطلاق النار على أنه «فجرٌ تاريخي لشرق أوسط جديد»، تعود «اتفاقات أبراهام» إلى واجهة النقاش: هل سيفتح إنهاء حرب غزة بابًا لتوسيعها، أم أن شروط ما بعد الحرب تجعلها في «هدنة استراتيجية» طويلة؟.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإنه لفهم فرص التوسّع، يلزم تفكيك ثلاثة محاور: معادلة السعودية، مزاج الرأي العام العربي، وميزان السياسة داخل إسرائيل والولايات المتحدة.

ما هي اتفاقات أبراهام وما الذي حققته؟

انطلقت الاتفاقات في سبتمبر/أيلول 2020 من البيت الأبيض مُقيمةً علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكلٍّ من الإمارات والبحرين ولاحقًا المغرب (مع مسار متعثر في السودان).

عمليًا، فتحت الاتفاقات مسارات تجارة وسياحة واستثمار واسعة، خصوصًا بين الإمارات وإسرائيل، حيث تجاوزت التجارة السلعية بينهما 3.2 مليارات دولار في 2024، فضلًا عن استثمارات بمليارات الدولارات وتدفّق ملايين الزوار خلال خمس سنوات.

لكنها لم تُقدِّم اختراقًا في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ما يعيد سؤال «السلام مقابل السلام» إلى نقطة الصفر بعد حرب غزة.

السعودية… «الجائزة الكبرى» المُعلّقة

تبقى المملكة العربية السعودية محور أي توسّع نوعي؛ فوزنها الديني والاقتصادي يجعل تطبيعها مع إسرائيل تغييرًا بنيويًا في بنية الإقليم. لكن الرياض ثبّتت شرطًا واضحًا: لا اعتراف دون دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

هذا الإطار لم يتبدّل بعد حرب غزة، بل ازداد صلابةً سياسيًا ورمزيًا؛ ما يعني أن أي صفقة أمريكية–سعودية (دفاع، تقنية، طاقة نووية مدنية) لن تُترجم اعترافًا ما لم يتحقق مسار سياسي ملموس للفلسطينيين.

وحتى الآن، تَحولُ معارضة الحكومة الإسرائيلية لقيام دولة فلسطينية دون سيادة حقيقية دون أرضية مشتركة.

 

الرأي العام العربي… قيدٌ على صانعي القرار

بعد حرب غزة، هبطت قابلية الشارع العربي لتقبّل التطبيع إلى مستويات متدنية جدًا. تُظهر موجات «الباروميتر العربي» تراجعًا حادًا في تأييد التطبيع عبر المنطقة، بما يقيّد هوامش المناورة الحكومية من دون تقدّم حقيقي على المسار الفلسطيني.

وفي السعودية تحديدًا، تُظهر استطلاعات حديثة لمعهد واشنطن أن الحماسة – المنخفضة أصلًا – انكمشت أكثر، مع تمييزٍ بين «روابط أعمال محدودة» و«اعتراف دبلوماسي كامل»، وهو فارق مهم لكنه لا يكفي لتسويق اتفاق سياسي كبير.

والخلاصة أن أي توسّع للاتفاقات من دون ثمن سياسي للفلسطينيين سيصطدم بسقفٍ شعبيّ صلب.

كما أن توسيع الاتفاقات يحتاج من إسرائيل إشارات «قابلة للبيع» عربيًا: كبح الاستيطان، خريطة طريق لدولة فلسطينية، وترتيبات حكم انتقالية في غزة لا تُقصي الفلسطينيين.

لكن السياسة الإسرائيلية ما بعد الحرب اتجهت عكسيًا، مع ممانعةٍ صريحة لأي دولة فلسطينية ذات معنى.

على الضفة الأخرى، يعرض ترامب الاتفاق على أنه منصة لسلامٍ وازدهار إقليميين ويُحيطها بخطاب انتصاري، لكن الغموض في القضايا الجوهرية (مستقبل غزة، الدولة الفلسطينية، شكل الضمانات) يجعل الوعود شديدة الهشاشة، ويحوّل التوسيع إلى رهانٍ على ضغوط أمريكية يومية أكثر منه مسارًا ذاتي الدفع.

المرشحون «الثانويون»: أين تقف بقية الدول؟

على الورق، تظهر أسماء مثل عُمان أو موريتانيا أو دول إفريقية–آسيوية لها حسابات ثنائية مع واشنطن. لكن دروس السنوات الخمس الماضية تشير إلى أن المكاسب الاقتصادية وحدها لا تكفي إذا كانت الكلفة السياسية عالية.

حتى البحرين – الطرف الأصغر في الاتفاقات – شهدت احتجاجاتٍ متكررة ضد التطبيع، ما يذكّر بأن «التوافق الهادئ» داخل الدولة لا يلغي حساسيات المجتمع.

أما المغرب، فرغم المكاسب الأمريكية في ملف الصحراء، وجد نفسه تحت ضغطٍ شعبي متصاعد بعد غزة، ما حدّ من وتيرة الاختراقات الرمزية مع تل أبيب. هذه النتوءات تُقلّل حاليًا فرص «عدوى» سريعة لدول جديدة.

الاقتصاد كرافعة… لكنه ليس بديلًا عن السياسة

يُجادل أنصار التوسّع بأن مصالح الأعمال والسياحة والاستثمار يمكن أن تُراكم كتلة حرجة تدفع دولًا مترددة إلى الانضمام. بالفعل، تبدو أرقام التجارة بين الإمارات وإسرائيل لافتة.

لكن معادلة ما بعد غزة مختلفة: العائد الاقتصادي لن يُعوّض غياب سقفٍ سياسي للفلسطينيين، ولن يُبدّد المخاطر الأمنية والرمزية على الأنظمة العربية. لذلك، تبدو مقاربة «الاقتصاد أولًا» محتاجةً إلى «سياسة مواكِبة» تضمن أن التطبيع ليس جائزةً مجانية وأن له ثمنًا واضحًا في الملف الفلسطيني.

وخلاصة المشهد أن توسيع اتفاقات أبراهام بعد إنهاء حرب غزة ممكنٌ من حيث المبدأ لكنه مشروطٌ بثلاث حزم مترابطة:

1. تعريفٌ عملي لـ«أفق الدولة»: حتى لو كان مرحليًا أو على مراحل، مع خطوات يمكن قياسها (وقف الاستيطان، صلاحيات مدنية–أمنية فلسطينية قابلة للتعاظم، جدول زمني للمفاوضات).

2. ضمانات أمريكية–دولية مُلزِمة: تربط أي اتفاقات دفاعية أو اقتصادية كبيرة مع دول عربية بتقدّمٍ ملموس على المسار الفلسطيني، لا بوعودٍ خطابية.

3. هندسة رأي عام: عبر تخفيف الكلفة الرمزية للتطبيع بمكاسب سياسية وإنسانية واضحة للفلسطينيين، وإلا ستبقى الحكومات أسيرة قيود داخلية مشروعة.

ومن دون هذه الشروط، سيظلّ التوسيع شعارًا مُعلّقًا: تُحافظ الاتفاقات الحالية على خطوطها، وربما تنمو اقتصاديًا في الدول المُوقِّعة، لكنها لن تشهد «قفزةً كبرى» تُغيّر ثابتة المنطقة.

أما إذا تشكّلت صفقة تُشبه «السلام مُقابل الدولة»، عندها فقط يمكن الحديث عن نافذةٍ سعودية – ومن ثم نوافذ أخرى – تُعيد تعريف خريطة العلاقات في الشرق الأوسط.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.