دخل النزاع السياسي بين الإمارات والسودان طورًا أكثر حدّة مع فرض أبوظبي قيودًا على التعامل مع الشحنات القادمة من وإلى ميناء بورتسودان منذ أوائل أغسطس، وفق إشعارات رسمية لقطاع الموانئ والعملاء البحريين.
وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تأتي الخطوة على وقع اتهامات سودانية للإمارات بدعم قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حربٍ أهليةٍ تجاوزت خسائرها 150 ألف قتيل خلال عامين.
وقد أدى الحظر إلى اضطراب في أحد أكثر مراكز وقود السفن ازدحامًا عالميًا، بعدما منعت القيود شركة فيتول—أكبر تاجر نفط مستقل في العالم—من شحن الخام المفضّل إلى مصفاتها في الفجيرة.
ويجري هناك تصنيع خام جنوب السودان إلى وقود منخفض الكبريت لتزويد ناقلات النفط وسفن الشحن، ما جعل القرار ينعكس مباشرة على سوق الـBunker Fuel في منطقة الخليج.
ووفق بيانات شركة التحليلات Kpler، لم تصل أي شحنات من خام جنوب السودان إلى الإمارات منذ 30 يوليو، ما أجبر منشأة بطاقة تقارب 100 ألف برميل يوميًا على البحث عن بدائل أكثر كلفة على المدى القصير.
وتشير البيانات إلى أن «فيتول» اشترت نحو مليوني برميل من خام بديل وصل إلى الإمارات في أغسطس لتعويض النقص، فيما نُقلت شحنات جنوب السودان إلى وجهات أخرى، أبرزها ماليزيا حيث تمتلك الشركة مصفاة بديلة لوقود السفن.
جذور الأزمة: حرب السودان واتهامات العسكرة
تتهم الخرطوم أبوظبي بتسليح «الدعم السريع» وتأجيج الصراع ضد الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان.
وفي مايو، قطعت الحكومة السودانية العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات بعدما شنّت طائرات مسيّرة تابعة لـ«الدعم السريع» هجومًا على ميناء بورتسودان—الذي يشكّل قاعدة للحكومة خلال الحرب—وألقت الخرطوم باللوم جزئيًا على الدولة الخليجية.
وتنفي الإمارات قطعًا دعم أي طرف، ولم تُجب وزارة خارجيتها على طلبات للتعليق بشأن دوافع القيود على الميناء.
وبحسب مصادر القطاع، أصدرت وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية في 7 أغسطس مرسومًا يُحظر التعامل مع أي شحنات إلى أو من بورتسودان، ما نقل الخلاف السياسي إلى مستوى الإجراء الاقتصادي المباشر الذي يطال تجارة النفط والنقل البحري والتأمين.
جنوب السودان… المتضرر الصامت
ينتج جنوب السودان نحو 149 ألف برميل يوميًا وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ويعتمد على خط أنابيبٍ يمر عبر السودان وصولًا إلى بورتسودان لتصريف صادراته—مصدر إيراده الحيوي.
إلا أن إغلاقاتٍ متكررة للخط وتعطل الميناء منذ أشهر سبقت الحظر الراهن؛ ومع القيود الإماراتية، تسارعت إعادة توجيه الشحنات إلى جنوب شرق آسيا.
فخلال أغسطس وحده، تجاوزت الشحنات المتجهة إلى ماليزيا 100 ألف برميل قادمة من السودان، مقارنة بمتوسط شهري لا يتجاوز 27 ألف برميل خلال خمس سنوات.
فيتول: التشغيل مستمر لكن الكلفة ترتفع
رفضت «فيتول» التعليق على تفاصيل تشغيل مصفاتها في الفجيرة، لكنها نفت توقف التكرير بسبب غياب الخام الجنوب سوداني.
غير أن التحول إلى خامات بديلة يُعد أكثر كلفة ولوجستيًا، وقد ينعكس على أسعار تزويد السفن في الممرات البحرية القريبة من مضيق هرمز، حيث توفر منشآت الإمارات خدمات التزويد لنحو 1,800 سفينة سنويًا بحسب الشركة.
وتزامن القرار الإماراتي مع تصعيد لفظي بين الجيش السوداني وحلفاء محليين له من ميليشيات إسلامية، ومع تدهور في علاقتهما بأبوظبي على خلفية الحرب.
وفي المقابل، تحاول الإمارات تأكيد حيادها المعلن، لكنها تجد نفسها في قلب اتهامات الخرطوم، فيما يضغط تعطل بورتسودان على توازنات الطاقة والتجارة في البحر الأحمر والخليج.
تداعيات أوسع على سوق الوقود البحري
يهدد استمرار القيود بإعادة تشكيل سلاسل توريد وقود السفن منخفض الكبريت في المنطقة، ورفع كلفة التشغيل على الناقلات وشركات الشحن، وقد يدفع مزيدًا من اللاعبين إلى إعادة توجيه شحنات الخام والمنتجات نحو آسيا.
كما يضع الضغوط على موازنة جوبا المعتمدة على صادرات النفط، ويزيد تعقيد المشهد الإنساني والاقتصادي في السودان.
وقد حولت القيود الإماراتية على بورتسودان خلافًا سياسيًا محتدمًا إلى أزمة طاقة ولوجستيات إقليمية تمسّ الخليج والبحر الأحمر على حدٍ سواء.
وبين نفي أبوظبي لأي انحياز، واتهامات الخرطوم بالدعم العسكري لخصومها، يبقى المتغير الحاسم هو قدرة الأطراف على فك الارتباط بين الجغرافيا السياسية وسلاسل الإمداد، قبل أن تتحول كلفة الوقود والبحر إلى عامل إضافي يؤجج حربًا طاحنة ويمتد أثرها إلى ما وراء السودان.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72904