تتجه إسرائيل والولايات المتحدة إلى إطلاق صندوق مشترك بقيمة 200 مليون دولار لتمويل مشاريع في مجال الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي، ضمن خطة أوسع لتعزيز التعاون التكنولوجي بين البلدين، وفتح الباب أمام شراكة خليجية محتملة، تشمل الإمارات والسعودية، بحسب ما أوردته صحيفة Globes الإسرائيلية.
ويُعد هذا المشروع جزءًا من مساعي واشنطن وتل أبيب لتعزيز تحالفاتهما الإقليمية في مواجهة النفوذ التكنولوجي الصيني المتصاعد، ودعم الابتكار المتقدم في منطقة الشرق الأوسط.
ويحظى الصندوق الذي اقترحه اللواء احتياط تمير هايمن، المدير الحالي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، بدعم مشرعين أميركيين ويُتوقع إطلاقه رسميًا في الفترة بين عامي 2026 و2030، بتمويل متساوٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، بواقع 100 مليون دولار من كل طرف.
وتُطرح في المقابل إمكانية انضمام كل من الإمارات والسعودية كشريكين، بالنظر إلى امتلاكهما للبنية التحتية اللازمة في مجال الطاقة والحوسبة، إضافة إلى انخراطهما المتزايد في سباق الذكاء الاصطناعي عالميًا.
منصة إقليمية للتحول الكمي
يأتي الإعلان عن هذا الصندوق في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات استراتيجية عميقة، خاصة على مستوى العلاقات الإسرائيلية-الخليجية.
ويُنظر إلى المشروع بوصفه امتدادًا عمليًا لاتفاقيات أبراهام، بحيث لا تقتصر على التطبيع الدبلوماسي فحسب، بل تتطور نحو شراكات بحثية وتجارية عابرة للحدود.
وبحسب تقرير Globes، فإن الصندوق سيعمل على دعم مشاريع مشتركة بين شركات أميركية وإسرائيلية متخصصة في تقنيات الكوانتم، مثل شركة Quantum Source الإسرائيلية وشركة PsiQuantum الأميركية.
ويُتوقع أن يتوزع مقرا المشروع بين تل أبيب ومقاطعة أرلينغتون في فرجينيا، على أن يُموّل جزئيًا من قانون “الشرائح الأميركي” لعام 2022 (US Chips Act)، الذي يهدف إلى تعزيز الصناعات التكنولوجية المحلية وتقليل الاعتماد على الصين.
دبلوماسية الكوانتم
لا تقتصر أهمية المشروع على بعده التكنولوجي، بل تشمل أبعاده السياسية أيضًا. إذ ترى إسرائيل والولايات المتحدة في انضمام دول الخليج – وتحديدًا السعودية – إلى هذا الصندوق، فرصة لإعادة صياغة التحالفات في الشرق الأوسط على أساس “جيو-تكنولوجي”، بحيث تتشكل طاولة إقليمية تضم شركاء قادرين على مواجهة الاختراقات الصينية في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية.
وتقترح خطة INSS أن يتم في المرحلة اللاحقة ضم دول من آسيا الوسطى إلى التحالف التكنولوجي، مثل أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان، بالإضافة إلى الكويت وربما قطر، بحسب مستوى التقدم في اتفاقيات التطبيع والتعاون.
معضلة الصين وسرعة التشريع
تشير التحليلات إلى أن المشروع جاء كرد مباشر على استبعاد إسرائيل مؤخرًا من شراكة ثلاثية بين الولايات المتحدة والإمارات والسعودية في مجال الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي أثار قلق صناع القرار في تل أبيب.
وفي محاولة للّحاق بالركب، يطمح القائمون على المشروع إلى استغلال تفوق إسرائيل العلمي في المجال الكمي، عبر تسريع تشريعات تتعلق بحماية الملكية الفكرية، وتقييد تصدير التقنيات المتقدمة إلى الصين.
ووفقًا للدكتورة سمدار إيتسكوفيتش، مؤسسة مختبر “الذكاء الاصطناعي والسيادة الكمية” AIQ-Lab، فإن إسرائيل تُعد من بين أفضل خمس دول في العالم في مجال الكوانتم، وتفوقها في هذا القطاع يعود إلى كثافة الخبراء وتكامل المنظومة البحثية والأمنية.
وتقول إيتسكوفيتش: “كثافة العلماء الإسرائيليين في هذا المجال تفوق الولايات المتحدة بست مرات، وهذا مصدر قوة نادر. أميركا تدرك هذا الآن وتسعى لاستثماره عبر دعم تشريعي قبل انتخابات الكونغرس المقبلة”.
ترامب ودينامية الخليج
يتقاطع المشروع الجديد مع الخط السياسي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أعاد في الأشهر الأخيرة تنشيط نفوذه في الشرق الأوسط، من خلال زيارات واتفاقيات اقتصادية ضخمة. ووفقًا لتقرير The Guardian، فإن الإمارات وافقت على بناء أكبر حرم جامعي للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، بدعم مباشر من إدارة ترامب.
وترى المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي، هداس لوربر، أن اللحظة الراهنة “تشكل عاصفة مثالية”، على حد تعبيرها، يمكن لإسرائيل استغلالها لبناء شراكات تكنولوجية غير مسبوقة مع دول الخليج، خاصة بعد العملية الأخيرة ضد إيران التي “عززت صورة التفوق الإسرائيلي في المنطقة”، وفق قولها.
تحالف تكنولوجي استراتيجي
من جهة أخرى، يشير أريئيل سوبلمان، الباحث البارز في INSS، إلى أن إسرائيل بحاجة إلى الخليج أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط من أجل التمويل، بل من أجل البنية التحتية اللازمة لتطوير مشاريع الحوسبة الكمية.
وقال لـ Globes: “نقطة الاتصال الحقيقية مع الخليج تكمن في المزج بين الخبرة الإسرائيلية في البرمجيات والابتكار، وموارد الطاقة والحوسبة التي تملكها الإمارات والسعودية”.
ووفقًا لبيانات Israel Defense، يوجد في إسرائيل تسع شركات ناشئة متخصصة في تقنيات الكوانتم، جمعت حتى الآن نحو 650 مليون دولار من الاستثمارات، معظمها موجّه لتطبيقات ذات طابع أمني ودفاعي.
في المحصلة، يسعى المشروع إلى إعادة تموضع إسرائيل في السباق التكنولوجي العالمي بعد تأخرها في قطاع الذكاء الاصطناعي، واستغلال نوافذ سياسية يتيحها ترامب لتحويل اتفاقيات التطبيع إلى حلف تكنولوجي فعّال ومؤثر.
وفي حال انضمام السعودية والإمارات، فإن المنطقة قد تشهد ولادة أول تحالف “جيو-تكنولوجي” موجه ضد الصين، عنوانه: الكوانتم من تل أبيب إلى الرياض مرورًا بواشنطن.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71960