شهدت العلاقات بين الجزائر والإمارات منذ وصول عبد المجيد تبون إلى رئاسة الجزائر عام 2019 حالة من التوتر المتصاعد، لم تهدأ إلا لتشتعل من جديد بين الحين والآخر، ما يعكس توتراً دبلوماسياً مستمراً.
في مايو 2025، أثارت تصريحات المؤرخ الجزائري محمد أمين بلغيث على قناة سكاي نيوز عربية، المملوكة للإمارات، جدلاً واسعاً، حيث وصف الهوية الأمازيغية بأنها “مشروع صهيوني فرنسي”. اعتُبر هذا التصريح استفزازاً، وحصل رد سريع من التلفزيون الجزائري الرسمي، الذي وصف الإمارات بـ”الدويلة المصطنعة التي تحولت إلى مصنع للفتنة والسموم”، مما دفع العلاقات بين البلدين إلى مزيد من التدهور.
من جانبها، رفضت دوائر إماراتية هذا التوصيف، واعتبرت ردود الفعل الجزائرية “غير لائقة ومبنية على تصورات خاطئة”، في حين اتهمت الجزائر أبوظبي بأنها تستغل مثل هذه التصريحات لإثارة الفتن داخلياً، خاصة مع تزامنها مع ذكرى أحداث الربيع البربري والربيع الأسود، التي شكلت محطة مؤلمة في تاريخ النضال الأمازيغي من أجل الحقوق الثقافية.
لاحقاً، اعتقلت السلطات الجزائرية المؤرخ بلغيث، في إشارة واضحة إلى حجم الخطورة التي تنسبها الحكومة الجزائرية لتصريحاته حول الهوية الأمازيغية، ما يمثل أيضاً تحذيراً لمن يفكر في الانخراط في خطابات مماثلة عبر وسائل الإعلام الإماراتية.
هذا التبادل الحاد بين وسائل الإعلام الرسمية يعبّر عن عمق الخلاف السياسي بين الطرفين، الذي يتجاوز كونه مجرد مناوشات إعلامية، ويتداخل مع صراعات أوسع تشمل فرنسا ومنطقة الساحل الإفريقي.
جذور الخلاف
تتهم الجزائر الإمارات بالانخراط في قضايا شمال أفريقيا، خاصة في الصحراء الغربية ومنطقة الساحل، وترى في التحالف الإماراتي-المغربي تهديداً مباشراً لمصالحها، خاصة بعد اتفاقيات التعاون الاقتصادي الكبرى التي أبرمت بين أبوظبي والرباط، والتي تشمل قطاعات النفط، الغاز، والصناعات الدفاعية.
في مطلع 2025، أبرمت شركة مبادلة الإماراتية اتفاقية مع المغرب للتنقيب عن النفط والغاز في غرب البحر المتوسط، ما أثار قلق الجزائر كونها إحدى الدول الكبرى المنتجة للطاقة. كما تستمر الإمارات في محاولاتها لشراء حصص في شركة الغاز الإسبانية “ناتورجي”، رغم تحذيرات الجزائر بوقف إمدادات الغاز إذا تمت هذه الصفقة.
الصراع بين البلدين، إذن، ليس مجرد نزاع سياسي حول التطبيع أو المواقف من إسرائيل، بل يرتبط بشكل أساسي بالنفوذ الإقليمي، خاصة في المغرب والصحراء الغربية، إلى جانب تنافس اقتصادي على موارد الطاقة في أفريقيا.
مشروع أنبوب الغاز العملاق الذي يربط نيجيريا بالمغرب، والذي تدعمه الإمارات بشكل رئيسي، يمثل تحدياً مباشراً للجزائر، التي ترى في المشروع المغربي منافسة قوية لأنبوب الغاز الجزائري المماثل. يهدف الأنبوب إلى ربط 15 دولة بأوروبا بطاقة إنتاجية ضخمة، ما قد يعيد تشكيل خريطة الطاقة الإقليمية.
كما يثير التنسيق الإماراتي-المغربي حول قضية الصحراء الغربية استياء الجزائر، خصوصاً بعد التطبيع الإماراتي مع إسرائيل وتدفق الاستثمارات الإماراتية والإسرائيلية على الصحراء، مثل مشروع تربية الأحياء المائية الإسرائيلي في الصحراء المغربية الذي أصبح ممكناً بفضل اتفاقيات إبراهيم.
إسرائيل ومجال الاستثمار في أفريقيا
ترى الجزائر أن الإمارات تمثل الواجهة الإسرائيلية للاستثمار في أفريقيا، لا سيما في دول تجمعها بها اتفاقيات تجارة حرة تشمل 54 دولة، وتشكل كتلة اقتصادية ضخمة. وتُشير مصادر إسرائيلية إلى وجود تنسيق استثماري بين المغرب وإسرائيل في ست دول أفريقية، تشمل مجالات الزراعة والاتصالات والمياه.
الاعتراف الإسرائيلي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في 2023، وتوقيع اتفاقيات التطبيع بين البلدين، عززا المخاوف الجزائرية من تحالف إماراتي-إسرائيلي متزايد للتمدد الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
رغم التهاني الإماراتية لرئيس الجزائر بإعادة انتخابه في 2024، استمر الخلاف بين البلدين على المستويات الرسمية والإعلامية، ما يشير إلى أن التوترات لم تُطفأ.
مسار العلاقات الجزائرية-الإماراتية
قبل حكم تبون، كانت العلاقات بين الجزائر والإمارات متينة، خاصة في عهد عبد العزيز بوتفليقة، الذي تربطه علاقات قوية مع حكام الإمارات منذ الثمانينيات. لكن دعم الإمارات لمغربية الصحراء وتطبيعها مع إسرائيل، وافتتاح قنصلية في العيون، أفسد هذه العلاقة.
تدهور الوضع إلى حد غياب الرئيس الإماراتي عن القمة العربية في الجزائر عام 2022، وتحذيرات جزائرية بعدم استخدام مطارات الإمارات، إضافة إلى اتهامات رسمية بتمكين المغرب من التجسس على الجزائر، وتمويل حملات لتشويه الجزائر في منطقة الساحل.
وفي أبريل 2024، أشار تبون إلى استخدام دولة عربية لأموالها في “بؤر التوتر” دون تسمية، في إشارة إلى الإمارات، رغم اجتماع لاحق بين تبون ومحمد بن زايد، الذي كان مجرد مناورة دبلوماسية دون حل جوهري للخلاف.
الصحافة الجزائرية، خاصة جريدة الخبر، اتهمت الإمارات بالتآمر ودعم الكيان الصهيوني ضد الجزائر، بينما وصفت شخصيات سياسية مثل لويزة حنون الإمارات بأنها “الممثل الرسمي للكيان الصهيوني” في المنطقة.
وجهة النظر الإماراتية
تُعتبر الإمارات أن التوترات تعكس تحولات داخلية في الجزائر أكثر منها خلافات موضوعية مع أبوظبي. وتتجنب الإمارات الردود التصعيدية، مفضلة الحفاظ على التعاون الاقتصادي وتوسيع الاستثمارات في المغرب والساحل، والتي تراها جزءاً من استراتيجيتها لتوسيع نفوذها في أفريقيا.
في ملف الصحراء الغربية، تنفي الإمارات أن موقفها يستهدف الجزائر، مؤكدة أن قنصليتها في العيون تدعم الحلول السياسية المقبولة دولياً. وترى أن تحميل الإمارات مسؤولية كل التقاربات والاستثمارات في المغرب مبالغ فيه، ويعكس حساسية جزائرية مفرطة تجاه الرباط.
أما الاتهامات بدعم التطبيع وتمكين إسرائيل من التوسع عبر الإمارات، فتعتبرها أبوظبي إسقاطات أيديولوجية قديمة لا تعكس واقع التحالفات الحالية التي ترتكز على المصالح والتنمية.
حول قضية الأمازيغ، تؤكد الإمارات أن تصريحات بعض الضيوف الإعلاميين لا تعبّر عن مواقف رسمية، وتعتبر الرد الجزائري تصعيداً غير مبرر.
رغم التوتر الإعلامي والسياسي، تحافظ الإمارات على استثماراتها في الجزائر، والتي تشمل مشروعات صناعية وزراعية كبيرة، وتُعد أكبر مستثمر خليجي هناك بقيمة تصل إلى 661 مليون دولار، مع وجود علاقات تجارية وتجهيزات عسكرية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71711