رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لعام 2025 إلى 3%، أي بزيادة قدرها 0.2 نقطة مئوية مقارنة بتوقعاته السابقة في أبريل/نيسان. ويأتي هذا التحديث في ظل استمرار حالة من عدم اليقين التجاري بسبب سياسات الرسوم الجمركية التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ورغم التوترات المتصاعدة في مجال التجارة الدولية، أشار التقرير إلى مرونة ملحوظة في أداء الاقتصاد العالمي خلال النصف الأول من العام، مدفوعًا بما وصفه الصندوق بـ”تحميل مسبق” للأنشطة الاقتصادية تحسبًا للرسوم، وضعف الدولار، وزيادة الإنفاق المالي في عدد من الاقتصادات الكبرى.
مرونة اقتصادية “هشة”
قال بيير أوليفييه جورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد، إن العالم يشهد نوعًا من المرونة الاقتصادية، لكنه وصفها بـ”الهشة”، مشيرًا إلى أن سياسات ترامب التجارية لا تزال تشكل مصدر قلق رئيسي. فبينما تبقى الرسوم المفروضة أدنى من المستويات المعلنة، فإن التقلبات السياسية وتهديدات التصعيد الجمركي قد تُعرقل النشاط التجاري وتضعف مناخ الثقة في الأسواق.
سياسات ترامب: تصعيد مستمر
في أبريل الماضي، كشف ترامب عن سياسة جمركية واسعة النطاق تشمل جميع الشركاء التجاريين تقريبًا، وفرض تعريفات “متبادلة” صارمة على عشرات الدول. ورغم تراجع في أسعار السندات، قررت الإدارة الأمريكية تأجيل التطبيق الرسمي لتلك الرسوم إلى الأول من أغسطس.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول مثل اليابان والاتحاد الأوروبي، ألمح ترامب مؤخرًا إلى نيته رفع الرسوم الشاملة بنسبة تتراوح بين 15% و20% على واردات الدول التي لم تبرم اتفاقات مع واشنطن، من بينها دول الخليج العربي مثل الإمارات والسعودية، ما قد يؤثر على العلاقات التجارية بين واشنطن والمنطقة.
هدنة أمريكية–صينية تخفف الضغط
من جانب آخر، أعلن كل من الولايات المتحدة والصين عن هدنة تجارية وخفضا مشتركًا للرسوم المفروضة، ما خفف من حدة المخاوف بشأن انهيار العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. ومن المتوقع أن تستأنف المفاوضات في السويد هذا الأسبوع لتمديد هذه الهدنة قبل الموعد النهائي في 12 أغسطس.
نمو متفاوت بين الاقتصادات
الولايات المتحدة: يتوقع الصندوق نموًا بنسبة 1.9% في 2025، يرتفع إلى 2% في 2026، مستفيدًا من دعم قانون “One Big Beautiful Act” الذي قدمه ترامب.
الصين: حصلت على أعلى تعديل تصاعدي، إذ من المتوقع أن تحقق نموًا قدره 4.8% هذا العام، ارتفاعًا من التقدير السابق البالغ 4%.
السعودية: يُتوقع أن ينمو اقتصادها بنسبة 3.6% في 2025، و3.9% في 2026، مدعومًا بزيادة إنتاج النفط.
منطقة اليورو: يُتوقع نمو بنسبة 1% في 2025 و1.2% في 2026، مع أداء قوي في إيرلندا.
الهند: معدلات النمو ستستقر عند 6.4% في 2025 و2026.
أفريقيا جنوب الصحراء: ستُحافظ على نمو مستقر بنحو 4%.
أمريكا اللاتينية: ستشهد تباطؤًا إلى 2.2% هذا العام، ثم تعود للارتفاع إلى 2.4% في 2026.
التضخم ومقايضات البنوك المركزية
يتوقع الصندوق انخفاض التضخم العالمي إلى 4.2% في 2025، و3.6% في 2026، لكنه حذّر من تفاوت في ديناميكيات الأسعار بسبب السياسات الجمركية. ففي الولايات المتحدة، من المرجح أن تنتقل أعباء الرسوم الجمركية إلى المستهلكين وتزيد الضغوط التضخمية في النصف الثاني من 2025.
في المقابل، يتوقع الصندوق أن تلعب الرسوم الجمركية في أماكن أخرى دورًا معاكسًا، حيث تمثل صدمة سلبية للطلب، وقد تُخفف من الضغوط التضخمية.
وقد أدت هذه التباينات إلى اتباع سياسات نقدية متباينة:
الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ثبت أسعار الفائدة بين 4.25% و4.5%، رغم انتقادات ترامب.
البنك المركزي الأوروبي خفّض الفائدة ثلاث مرات هذا العام إلى 2.25%.
مخاطر جيوسياسية قائمة
أشار صندوق النقد إلى أن المخاطر الجيوسياسية لا تزال تضغط على الآفاق الاقتصادية، خصوصًا بعد الاشتباكات بين إسرائيل وإيران التي رفعت أسعار النفط مؤقتًا. كما أن تطورات الحرب في أوكرانيا تبقى عاملاً مقلقًا.
وقال الصندوق: “البنوك المركزية قد تواجه مقايضات أكثر تعقيدًا في وقت تتصاعد فيه تحديات السياسة التجارية والجغرافية”.
ورغم التفاؤل النسبي بشأن النمو العالمي في 2025، تبقى سياسات ترامب الجمركية مصدرًا رئيسيًا للتقلب وعدم اليقين، ويعتمد الأداء الاقتصادي في نهاية المطاف على قدرة صناع السياسات على إدارة هذه التوترات بحذر. كما سيكون للمفاوضات التجارية المقبلة وقرارات البنوك المركزية دور حاسم في تحديد المسار الاقتصادي العالمي في النصف الثاني من العقد.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72168