كيف ارتدت السياسة الخارجية للإمارات في سوريا والسودان بنتائج عكسية؟

واجهت السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الانتكاسات التي أضعفت رهاناتها الإقليمية وأضرّت بسمعتها الدولية، بعدما استثمرت أبوظبي رأس مال سياسي وأمني هائل في ملفات حساسة مثل سوريا والسودان، لتجد نفسها أمام نتائج عكسية خالفت توقعاتها، بل وأدخلتها أحيانًا في مسار تصادمي مع حلفائها الخليجيين والولايات المتحدة.

إذ قبل سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد على يد هجوم كاسح شنته هيئة تحرير الشام، كانت الإمارات تتصدر جهود إعادة تأهيل الأسد سياسيًا، معتبرة أن عودته إلى المحيط العربي ستقلص نفوذ إيران في سوريا وتضع حدًا لتجارة المخدرات التي أرهقت الخليج، خصوصًا مخدر الكبتاغون.

ففي عام 2018، كانت الإمارات أول دولة خليجية تعيد فتح سفارتها في دمشق بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية. وخلال حفل اليوم الوطني الإماراتي في دمشق، عبّر القائم بالأعمال الإماراتي عبد الحكيم نعيمي عن أمل بلاده في “الأمن والاستقرار في سوريا في ظل القيادة الحكيمة للدكتور بشار الأسد”.

لاحقًا، التقى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد الأسد في دمشق عام 2021، لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية، وهو لقاء أثار استياء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية حينها، نيد برايس: “نشعر بالقلق من تقارير هذا الاجتماع… هذه الإدارة لن تعبر عن أي دعم لجهود تطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد، الذي يُعد دكتاتورًا وحشيًا.”

وفي عام 2022، زار الأسد الإمارات في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب السورية، ما شكل تحديًا مباشرًا للإدارة الأميركية التي كانت تحاول عزل روسيا، الحليف الأبرز للأسد، على خلفية غزوها لأوكرانيا.

وفي يناير 2024، توجت أبوظبي مسار إعادة العلاقات بتعيين حسن أحمد الشحي سفيرًا لها في دمشق، ليكون أول سفير إماراتي في سوريا منذ نحو 13 عامًا.

سقوط الأسد يهدر استثمارات أبوظبي

لكن بعد مرور 11 شهرًا على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، انهار نظام الأسد بشكل مفاجئ أمام هجوم هيئة تحرير الشام، التي اجتاحت مدنًا سورية واحدة تلو الأخرى. ومع انشغال روسيا في حربها بأوكرانيا، وتعرض الميليشيات الإيرانية لضربات موجعة، وجد الأسد نفسه معزولًا، فلاذ بالفرار خارج البلاد.

هذا التطور مثّل انتكاسة قاسية للسياسة الإماراتية، إذ أهدرت أبوظبي سنوات من الاستثمار السياسي في إعادة تأهيل الأسد، ووجدت نفسها في مأزق أمام الحكومة السورية الجديدة، ذات التوجه الإسلامي، والتي تنظر بعين الريبة إلى الإمارات ودورها في دعم النظام السابق.

ورغم أن هجوم هيئة تحرير الشام كان مباغتًا وأربك حسابات الجميع، إلا أن الإمارات لم تجن ثمار رهانها على الأسد حتى قبل سقوطه. فقد أخفقت مساعيها في تحقيق الهدفين الرئيسيين من التطبيع: تقليص نفوذ إيران في سوريا، ووقف تهريب الكبتاغون إلى الخليج.

الكبتاغون… تجارة مستمرة رغم التطبيع

الكبتاغون، المخدر الصناعي الشديد الإدمان، ظل يتدفق إلى الخليج حتى بعد إعادة العلاقات مع دمشق. ففي فبراير 2023، أحبطت سلطات مطار أبوظبي محاولة تهريب 4.5 مليون حبة كبتاغون مخبأة في علب طعام.

ولاحقًا في العام ذاته، صادرت سلطات ميناء جبل علي 86 مليون حبة كبتاغون مخبأة في خمس حاويات شحن، بقيمة سوقية تجاوزت مليار دولار.

ورغم محاولات أبوظبي دفع الأسد لاتخاذ خطوات جادة لوقف تجارة المخدرات، فإن النظام السوري لم يُبدِ أي استعداد للتخلي عن مصدر دخله الرئيسي، الذي قدرت عوائده في 2022 بنحو 7.3 مليار دولار، وفق تقديرات الناشونال انترست.

وإلى جانب الفشل في ملف المخدرات، أخفقت الإمارات أيضًا في إبعاد الأسد عن إيران. إذ ظلت دمشق على علاقة وثيقة بطهران، بل إن إيران نفسها دعمت علنًا جهود إعادة الأسد إلى الحظيرة العربية، ما بدد رهانات أبوظبي على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا من خلال التطبيع.

السودان… انتكاسة جديدة

ولا تقتصر الانتكاسات الإماراتية على الساحة السورية. ففي السودان، راهنت أبوظبي على قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تُتهم بارتكاب انتهاكات واسعة تصل إلى حد الإبادة الجماعية.

غير أن هذه القوات تعرضت في الآونة الأخيرة لهزائم عسكرية كبيرة، ما وضع الإمارات في مأزق دبلوماسي جديد، وأثار انتقادات دولية لدورها في تأجيج الصراع السوداني.

وبحسب ناشونال انترست، أدت هذه التطورات إلى تدهور صورة الإمارات عالميًا، وأوجدت توترًا بينها وبين بعض حلفائها الخليجيين، كما وضعتها في مسار تصادمي مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية، خصوصًا في ظل إدارة بايدن التي تركز على خفض التوترات الإقليمية.

وفي ظل هذه المعطيات، يرى مراقبون أن أبوظبي تواجه تحديًا كبيرًا في إعادة صياغة سياستها الخارجية على أسس أكثر براغماتية، بعدما وجدت أن بعض رهاناتها الإقليمية تحوّلت إلى عبء سياسي ودبلوماسي قد يصعب التخلص منه قريبًا.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.