أعلنت شركة بلاكستون (Blackstone Inc.)، عملاق الاستثمار الأميركي، عن شراكة استراتيجية مع شركة “هيومن” (Humain) — الشركة السعودية الجديدة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي — لبناء مراكز بيانات ضخمة في المملكة العربية السعودية باستثمار أولي يُقدّر بنحو 3 مليارات دولار، في خطوة تُعدّ من أضخم استثمارات البنية التحتية الرقمية في المنطقة.
ووفقًا لوكالة بلومبيرغ ستعمل شركة AirTrunk التابعة لبلاكستون وصندوق التقاعد الكندي (Canada Pension Plan Investment Board) إلى جانب “هيومن” لتطوير شراكة طويلة الأمد تركز على تمويل وتطوير وتشغيل مراكز بيانات وبنية تحتية للذكاء الاصطناعي في مختلف مناطق المملكة.
وجاء الإعلان على هامش فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) المنعقدة في الرياض، في إشارة واضحة إلى تسارع التحول السعودي نحو الاقتصاد الرقمي وتوطين تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وذكرت بلومبيرغ سابقًا أن بلاكستون و”بلاك روك” كانتا في سباق على استثمار مليارات الدولارات مع “هيومن” منذ إطلاقها.
تحوّل استراتيجي نحو الذكاء الاصطناعي
تمثل الصفقة الجديدة علامة فارقة في مساعي المملكة لتصبح مركزًا عالميًا للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الحكومة إلى جذب الشركات العملاقة المتخصصة في التقنية والحوسبة السحابية، مستفيدة من موقعها الجغرافي وشبكات الطاقة المتجددة المتنامية.
وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية السعودية 2030 التي تضع التحول الرقمي في صميم استراتيجيتها التنموية، وتُظهر رغبة الرياض في منافسة الولايات المتحدة والصين في هذا القطاع الحساس.
وتعهد مستثمرون كبار وشركات تكنولوجيا عالمية مؤخرًا بضخ مليارات الدولارات لبناء مراكز بيانات متقدمة تدعم الخدمات والنماذج التوليدية مثل ChatGPT من شركة OpenAI، في ظل سباق عالمي محموم لتأمين قدرات حوسبة عالية للطاقة.
وتُعد بلاكستون من أكبر المستثمرين في مراكز البيانات عالميًا. فقد استحوذت العام الماضي على شركة AirTrunk في صفقة بلغت قيمتها نحو 16 مليار دولار، وتدير الآن منشآت ضخمة في أستراليا وسنغافورة وهونغ كونغ واليابان وماليزيا.
وفي جلسة ضمن منتدى الاستثمار، صرّح الرئيس التنفيذي لبلاكستون ستيفن شوارتزمان بأن الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات يمثلان “أكثر مجالات الاستثمار إثارة في الوقت الحالي”، لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن الطلب الهائل على الطاقة الكهربائية قد يصبح أحد أكبر التحديات أمام هذا التوسع العالمي.
“هيومن”.. بطل وطني جديد للذكاء الاصطناعي
تأسست شركة “هيومن” في مايو الماضي بمبادرة من صندوق الاستثمارات العامة (PIF) لتكون بمثابة “بطل وطني” في قطاع الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية. وبدأت الشركة فعلاً أعمال البناء في أول مراكز بياناتها داخل المملكة، على أن تبدأ التشغيل مطلع العام المقبل.
وتخطط الشركة لإضافة 1.9 غيغاواط من قدرات مراكز البيانات بحلول عام 2030، في إطار مسعى لتحويل السعودية إلى ثالث أكبر مزوّد للبنية التحتية للذكاء الاصطناعي عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين، وفق تصريحات طارق أمين، الرئيس التنفيذي للشركة.
وأضاف أمين خلال الجلسة أن الشراكة مع بلاكستون “تمثل لحظة محورية في بناء قدرات قابلة للتوسع وآمنة ومستدامة لدعم النمو السريع للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في المملكة”.
وتتعاون “هيومن” حاليًا مع شركات عالمية من بينها Qualcomm وCisco Systems، كما تخوض محادثات مبكرة مع شركة xAI المملوكة لإيلون ماسك بشأن إنشاء مركز بيانات مشترك في السعودية.
وفي خطوة لتمويل توسّعها، أطلقت الشركة الصيف الماضي صندوق Humain Ventures بقيمة 10 مليارات دولار، وبدأت بالفعل في ضخ استثماراته في مشاريع الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية.
كما تعمل الشركة على شراء رقائق إلكترونية متقدمة من شركتي Nvidia وAMD، لتشغيل مراكزها الجديدة، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت قد حصلت على الموافقات الأميركية اللازمة لتصدير الشرائح المتطورة إلى الخليج، بعد أن كانت إدارة ترامب قد سمحت سابقًا بتصدير بعض هذه التقنيات إلى المنطقة.
ويُنظر إلى هذه الصفقة على أنها تأكيد جديد على مكانة السعودية كمحور رئيسي للاستثمارات التقنية في الشرق الأوسط، إذ تسعى المملكة إلى جذب كبرى شركات التكنولوجيا العالمية لتوطين عملياتها في الرياض، تزامنًا مع طفرة في الطلب على البنية التحتية الرقمية والحوسبة الفائقة.
وبينما تتزايد التحديات المرتبطة بالطاقة وسلاسل التوريد للرقائق، يرى محللون أن الاستثمارات الخليجية ستصبح ركيزة أساسية في النمو العالمي لصناعة الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، مع تحوّل المنطقة من مستهلك للتقنية إلى شريك رئيسي في إنتاجها وتشغيلها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73038