الحرب الإيرانية-الإسرائيلية تكشف ضعفًا مقلقًا في مخزون الصواريخ الأمريكي

كشفت الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل عن خلل استراتيجي في الجاهزية الدفاعية للولايات المتحدة، تمثل في استنزاف مقلق لمخزون صواريخها الاعتراضية، وفق ما أفادت به صحيفة وول ستريت جورنال نقلًا عن مصادر رفيعة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).

 

خلال أيام الصراع، أطلق مشغلو نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي “ثاد” (THAAD) أكثر من 150 صاروخًا لاعتراض موجات متتالية من الصواريخ الباليستية الإيرانية التي استهدفت إسرائيل، وهو ما يعادل نحو ربع إجمالي الصواريخ التي اشترتها وزارة الدفاع منذ إدخال النظام للخدمة عام 2010. وكشفت الأزمة عن مستوى غير مسبوق من الاعتماد على صواريخ الدفاع الجوي، وأجبرت البنتاغون على دراسة تحويل صواريخ “ثاد” مخصصة للسعودية إلى إسرائيل، في ظل تهديد متزامن لمنشآت المملكة ومدنها خلال الحرب.

 

استنزاف مشترك للمنظومات الدفاعية

 

لم يكن نظام “ثاد” وحده من واجه ضغطًا، فقد استُهلكت كميات كبيرة من الصواريخ الاعتراضية المحمولة على السفن الأمريكية في المتوسط والبحر الأحمر، بينما استنزفت إسرائيل بدورها سريعًا مخزونها من صواريخ “آرو 3” ومقلاع داوود والقبة الحديدية.

 

ورغم الأداء الجيد لتلك الأنظمة في اعتراض غالبية التهديدات، فإن عدداً من الصواريخ الإيرانية نجح في اختراق الدفاعات والوصول إلى أهداف داخل إسرائيل. وأشاد مسؤولون إسرائيليون بالدور الأمريكي في “إنقاذ آلاف الأرواح”، إلا أن الحرب كشفت هشاشة الجاهزية اللوجستية للولايات المتحدة في حال اندلاع صراع متعدد الجبهات.

 

صواريخ باهظة وطاقات إنتاج محدودة

 

يبلغ سعر كل صاروخ “ثاد” نحو 13 مليون دولار، وقد اشترت واشنطن حوالي 650 صاروخًا فقط منذ 2010، وتخطط حاليًا لشراء 37 صاروخًا إضافيًا في العام المالي المقبل. وأعلنت شركة “لوكهيد مارتن”، المصنعة للمنظومة، أنها تستطيع إنتاج 100 صاروخ سنويًا فقط، وتعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية بالتعاون مع الحكومة.

 

ويقدر خبراء أن إعادة بناء المخزون الذي استُهلك في الحرب الأخيرة قد يستغرق أكثر من عام كامل، بتكلفة تصل إلى 2 مليار دولار، وهو ما يزيد من التحديات أمام البنتاغون في ظل تصاعد التهديدات العالمية.

 

فجوة استراتيجية في زمن الصواريخ الرخيصة

 

أدت الهجمات الصاروخية الإيرانية، إضافة إلى الضربات المتكررة من الحوثيين في اليمن على السفن الأمريكية والبنية التحتية في الخليج، إلى تسليط الضوء على التغير في طبيعة التهديدات. فبينما صُممت المنظومات الأمريكية لصد هجمات محتملة من روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية، باتت الصواريخ الرخيصة والطائرات المسيّرة الوسيلة الأكثر استخدامًا من خصوم واشنطن الإقليميين.

 

وفي هذا السياق، قال توم كاراكّو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن “الوقت قد حان لإدراك الحاجة لشراء كميات ضخمة من الذخائر الدفاعية”، مضيفًا أن الإنفاق على الحماية الصاروخية يجب أن يُنظر إليه كضرورة أمن قومي.

 

أما الأدميرال براد كوبر، الذي يستعد لتولي قيادة القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، فقد أبلغ الكونغرس في جلسة استماع يونيو الماضي أن “الذخائر وعمق المخزون” يشكلان أحد أكبر المخاوف في الشرق الأوسط، داعيًا إلى التحرك بسرعة “وبإحساس بالإلحاح”.

 

عبء لوجستي وتوزيع محدود للمنظومات

 

يتألف كل نظام “ثاد” من ست منصات إطلاق تحمل 48 صاروخًا، ويحتاج تشغيله المستمر إلى قرابة 100 جندي أمريكي بين تحليل البيانات والصيانة وإعادة التحميل. ويُعد نشر نظامين من “ثاد” في دولة واحدة – كما حدث في إسرائيل – أمرًا غير مسبوق، وفقًا لما أكده دان شابيرو، المدير السابق لسياسة الشرق الأوسط في البنتاغون خلال إدارة بايدن، واصفًا ذلك بأنه “التزام استثنائي بالتكنولوجيا والأفراد الأمريكيين من أجل أمن إسرائيل”.

 

وبحسب التقارير، تمتلك الولايات المتحدة سبعة أنظمة “ثاد” نشطة، منها اثنان في إسرائيل، واثنان في كوريا الجنوبية وغوام، وواحد في السعودية، واثنان داخل الأراضي الأمريكية. وهناك نظام ثامن مُصنّع لكنه غير جاهز للعمل بعد، ما يشير إلى هشاشة مرونة النشر السريع حال اندلاع أزمات متزامنة.

 

ويطالب مسؤولون عسكريون أمريكيون بأن يكون هناك ثلاثة أنظمة جاهزة لكل نظام يُنشر في الخارج: واحد للتشغيل، وثانٍ للصيانة، وثالث للتدريب، ما يتطلب توسيع الإنتاج والاستثمار في البنية التحتية.

 

إسرائيل كادت تنفد من صواريخها

 

رغم امتلاكها منظومة دفاع صاروخي متعددة الطبقات، كانت إسرائيل على وشك نفاد مخزونها من صواريخ “آرو 3” المتطورة في الأيام الأخيرة من الحرب. وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إن “دفعتين إضافيتين فقط من الصواريخ الإيرانية كانت كفيلة بإفراغ الترسانة”.

 

ورغم الدعم اللوجستي الأمريكي العاجل، فإن الأزمة كشفت أن حتى أكثر الدول تسليحًا في العالم يمكن أن تتعرض للاستنزاف خلال أسابيع، إذا ما استمر القصف المكثف والمعقد.

 

مخاوف مستقبلية… وتحديات صناعة الدفاع

 

أظهر الصراع الأخير أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تسريع وتيرة الإنتاج والتوسع في مخازن الذخيرة الدفاعية، استعدادًا لاحتمال اندلاع صراعات متعددة في آنٍ واحد، سواء في الشرق الأوسط أو في المحيطين الهندي والهادئ.

 

كما يسلط الضوء على أهمية الاستثمار في أنظمة أقل تكلفة وأكثر مرونة، وربما اعتماد أكبر على الذكاء الاصطناعي في تحديد واعتراض التهديدات، لتفادي الاعتماد الكلي على منظومات باهظة ومعقدة يصعب تعويضها في الأزمات.

 

وبينما تهدأ نيران الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، يبقى التحدي الأكبر للولايات المتحدة هو الاستعداد للصراع القادم، في عالم تتسارع فيه وتيرة التصعيد وتُعاد فيه صياغة مفاهيم الردع والدفاع.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.