تسجل البنوك السعودية بوادر تباطؤ في الإقراض بعد سنوات من النمو السريع، في تحول لافت يشير إلى ضغوط سيولة وتشديد رقابي قد ينعكس على تمويل المشاريع المحلية وخطط التحول الاقتصادي.
وأظهرت المؤشرات الأخيرة انخفاضًا في القروض متوسطة الأجل خلال الربع الثالث، وهو أول تراجع فصلي منذ 2022، ما وضع حدس المسؤولين حول احتمال اتساع نطاق التباطؤ في الأشهر المقبلة.
وقالت وكالة بلومبيرغ إن هذا التحول لم يأتٍ بمفرده، بل جاء مقترناً بعوامل متعددة: تباطؤ نمو الودائع الذي قضى على سلاسة التمويل التقليدي، وتشديد متوقع لمتطلبات رأس المال على البنوك يفرض حفظ مستويات أكبر من السيولة في الميزانيات، ما يقلص قدرة المؤسسات على تلبية الطلب المتزايد على الائتمان.
وفي ظل هذه المعادلة، باتت البنوك أكثر انتقائية في منح القروض، إذ تحولت نسبة الطلبات الممنوحة فعليًا إلى جزء أصغر من الإجمالي، وفقًا لتقديرات مسؤولي مخاطر ومحللين في السوق.
وأبرزت الوكالة أن الجانب المهم في المشهد هو الضغوط التمويلية المرتبطة بتنفيذ برامج “رؤية 2030”.
إذ مع تركيز الحكومة على مشاريع ضخمة في قطاعات مثل التكنولوجيا والسياحة والطاقة المتجددة، ارتفعت حاجة الجهات الحكومية والشركات إلى تمويل بنكي واسع.
لكن مع تقلص السهولة في الحصول على الائتمان، أصبحت البنوك تضطر إلى الاعتماد على أدوات بديلة، بما في ذلك إصدار سندات رأسمالية من المستويين الأول والثاني لتمويل محفظة القروض والالتزام بمعايير الملاءة.
تضاف إلى ذلك اعتبارات مالية داخلية؛ فالعجز في الموازنة العامة واحتياجات صندوق الاستثمارات العامة لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق يضعان مزيدًا من الأعباء على القطاع المصرفي ليكون المورد الرئيسي للتمويل.
ويضع هذا التحوّل في أدوار البنوك ضغوطًا على ميزانياتها خصوصًا مع توقع رفع متطلبات رأس المال بنسبة إضافية منتصف 2026، وهو ما قد يُسرّع وتيرة تخفيف نشاط الإقراض إذا لم تتوافر مصادر بديلة للتمويل.
وقد يؤدي تشدد البنوك في منح القروض إلى إبطاء وتيرة نمو القروض الإجمالية، ويؤثر على سيولة الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على التمويل البنكي للتشغيل والتوسع.
كما قد يسهم هذا التشديد في تحسين جودة الأرصدة وتقليل المخاطر الائتمانية الطويلة الأجل إذا صاحبته رقابة أفضل وتقييم أكثر تحفظًا للمخاطر.
وأظهر المشهد المصرفي كذلك استمرار نمو القروض قصيرة وطويلة الأجل في مربع من المحاور، ما يعكس وجود طلب قائم لكن موزعًا بشكل يفرض على البنوك مزيدًا من التمحيص. بعض المؤسسات تتوقع توسعًا معتدلاً مع نهاية العام رغم التحديات الراهنة، فيما أكدت أخرى أنها اتخذت مواقف أكثر حذراً وانتقائية في منح التمويلات الجديدة.
في المحصلة، يتحرك القطاع المصرفي في مفترق طريق: فإما أن تتسنى له تعبئة مصادر تمويل بديلة وإدارة متوازنة لرأس المال والودائع تسمح باستمرار دوره كمموٍّ رئيسي للمشاريع، أو أن يؤدي استمرار ضيق السيولة ورفع متطلبات رأس المال إلى تباطؤ ملموس في الإقراض يؤثر على وتيرة النمو الاقتصادي المحلي.
وسيعتمد القرار النهائي على مدى قدرة الجهات التنظيمية والمالية على إيجاد توازن بين حماية ملاءة البنوك واستمرار تدفق الائتمان الحيوي لاقتصاد يتطلع إلى تحول هيكلي عميق.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73020