في قلب التحولات الاجتماعية والثقافية المتسارعة التي تشهدها السعودية، برزت “البارات الجافة” كأحد أبرز ملامح التغيير، حيث يُعاد تعريف تجربة الضيافة والمشروبات الراقية بعيدًا عن الكحول، مع الالتزام بالقيم المحلية والذوق العالمي.
وأورد موقع كارتر ميدل إيست، أنه قبل سنوات قليلة، كان من النادر أن تُستخدم كلمة “بار” في السياق السعودي العام، أما اليوم، فقد باتت البارات الجافة – وهي مساحات تقدم مشروبات مبتكرة خالية تمامًا من الكحول – جزءًا محوريًا من المشهد الاجتماعي في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والخبر.
هذه البارات لا تقتصر على تقديم مشروبات بديلة، بل توفر تجربة حسية متكاملة تضم تصميمًا جريئًا، وموسيقى منتقاة بعناية، وتفاعلًا مباشرًا مع صانعي المشروبات، ما يجعلها نقطة التقاء للجيل الجديد الباحث عن جودة، وقيم، وهوية متجددة.
جيل جديد يُعيد رسم المشهد
يرى ميشيل شربل، مدير المشروبات في أماكن MDLBEAST، أن صعود هذه البارات يعكس تطلعات جيل متصل بالعالم ومهتم بالصحة والعافية.
ويقول: “لم يعد الضيوف يرضون بالمشروبات الغازية فقط. إنهم يبحثون عن تجربة بار حقيقية – بلا كحول، لكن مليئة بالإبداع والتفاعل”.
ويشير ليونيداس دروغكاريس، المدير في Tonic Bar ومقهى بولود، إلى أن السعوديين كثيري السفر، والمغتربين، يدفعون الطلب نحو مشروبات مستوحاة من فن الـMixology العالمي. “الضيوف اليوم يتوقعون تجربة راقية تُحاكي أفضل بارات العالم – مع الحفاظ على الطابع المحلي”.
الكونتر: منصة تفاعل وابتكار
لم يعد “البار” أو الكونتر عنصرًا جماليًا في التصميم فقط، بل أصبح منصة حقيقية لعرض الحرفة، وتفاعل الضيوف مع تقنيات إعداد المشروبات ومكوناتها.
يقول تيبور كراشينيكس، مدير المشروبات في LPM الرياض: “الكونتر أصبح مسرحًا للابتكار، حيث يُعرض فن المزيج أمام الضيف، ما يخلق تجربة شخصية تشبه التذوق في مطبخ مفتوح”.
ورغم غياب الكحول، فإن الحرفية لم تغب. تستخدم الفرق المختصة تقنيات مثل التخمير، الكربنة الداخلية، السوفيد لاستخلاص النكهات، إلى جانب الزينة المبتكرة مثل الجيلي الصالح للأكل، ومكعبات الثلج المصممة خصيصًا.
شربل يوضح: “نستخدم التمر، الزعفران، ماء الورد، الهيل – ونقدمه بطرق حديثة، تحترم القيم وتعزز الابتكار”.
من بين الابتكارات: مشروب Naughty Amaretti، الذي يجمع بين شراب الأمارتي المحمص، والمشمش، والزعفران، وعصير اليوسفي البارد، وزيت اليوسفي العطري.
التوافق مع الطعام… بلا نبيذ
أحد التحديات كان التوفيق بين المشروبات والطعام دون اللجوء للنبيذ. لكن هذا التحدي تحوّل إلى مساحة للإبداع، حيث يتم استخدام مكونات مثل الحمضيات، الأعشاب، التوابل، أو حتى اللبن، لإيجاد توازن دقيق في النكهات.
يقول كراشينيكس: “الأمر يتطلب حسًا دقيقًا لا يقل عن التوفيق بين الطعام والنبيذ. كل مكون يُحسب بدقة”.
استثمار في الجودة والتعليم
تحضير مشروب خالٍ من الكحول ليس أرخص أو أسهل. على العكس، يتطلب تقنيات متقدمة ومكونات دقيقة يصعب الحصول عليها.
يشير دروغكاريس إلى أن الضيوف بدأوا يُقدّرون هذه الحرفة، لكنه قطاع لا يزال بحاجة للتوعية.
ويضيف شربل: “بناء تجربة سعودية أصيلة يتطلب تدريب فرق محترفة، وإنتاج مكونات محلية فاخرة، وتثقيف الجمهور”.
ملامح المستقبل
يتفق الخبراء على أن البارات الجافة ليست مجرد موضة عابرة، بل بداية لثقافة جديدة في المملكة. من قوائم تذوق مخصصة، إلى تعاونات بين صانعي المشروبات والطهاة، إلى تعليم متخصص – تتشكل هوية سعودية للمشروبات الراقية بلا كحول.
يختم كراشينيكس بقوله: “الناس لم يعودوا يقبلون بالتنازلات. يريدون تجربة كاملة – والمشروب جزء أصيل منها”.
وفي مشهد متجدد ومتحول، يبدو أن البارات الجافة في السعودية ليست فقط بدون كحول، بل مليئة بالحياة، والإبداع، والطموح المحلي المعاصر.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72093