سجّل القطاع الخاص غير النفطي في المملكة العربية السعودية نمواً هو الأسرع منذ ستة أشهر، مدفوعاً بقوة الطلب المحلي والخارجي واستمرار التوظيف، بحسب أحدث مسح لمؤشر مديري المشتريات (PMI) للمملكة الصادر عن ستاندرد آند بورز جلوبال.
وارتفع المؤشر الرئيسي إلى 57.8 نقطة في سبتمبر، مقارنةً مع 56.4 نقطة في أغسطس، ليبقى بفارق مريح فوق عتبة 50 نقطة الفاصلة بين الانكماش والتوسّع. ويعكس هذا الارتفاع أقوى تحسّن في ظروف الأعمال منذ مارس، بدعم من قفزة واضحة في الإنتاج وتدفقات الطلبيات الجديدة.
نحو ثلاث شركات من كل عشر أفادت بزيادة نشاطها، مقابل 1% فقط سجّلت تباطؤاً.
تُعدّ زيادة الإنتاج الأكبر من حيث الزخم الشهري في أربع سنوات، وفقاً للشركة المُعدّة للمسح.
وعزت الشركات هذا الأداء إلى متانة الطلب في السوق، وفاعلية الحملات التسويقية، وتحسّن مبيعات السوقين المحلية والدولية.
مشتريات ومخزونات تعكس الثقة
دفعت توقعات المبيعات الأقوى الشركات إلى توسيع المشتريات وبناء المخزونات احترازياً. وسجّل نشاط شراء المدخلات أسرع وتيرة في ثلاثة أشهر، ما قاد إلى أكبر زيادة في مستويات المخزون منذ أبريل.
وتقول شركات إن تعزيز الإمدادات بات أولوية تشغيلية لضمان سلاسة العمليات والاستعداد للطلبات المتوقعة.
وظلّ التوظيف نقطة ساطعة؛ إذ واصلت الشركات في مختلف القطاعات غير النفطية الاستقدام بوتيرة نشطة لمجاراة الطلب وتحسين الكفاءة.
وبعد شهرين من تراكم الأعمال غير المُنجزة، استقرت الأعباء الكلية، في إشارة إلى أن القدرات التشغيلية باتت أكثر توافقاً مع وتيرة الطلب.
ضغوط التكلفة وهوامش الربح
في المقابل، لم تخلُ الصورة من تحديات. فقد ارتفعت تكاليف المدخلات—ومن ضمنها الأجور وأسعار المورّدين—بـ وتيرة تفوق متوسطها طويل الأجل، ما ضغط على الهوامش.
ورغم تمرير جزء من الزيادات إلى العملاء، هبط تضخّم أسعار البيع إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر، بعدما فضّلت العديد من الشركات تثبيت الأسعار للحفاظ على قدرتها التنافسية وحصصها السوقية.
وقد تحسّنت ثقة الشركات للشهر الثاني توالياً، مدفوعةً بتوقعات طلب أقوى، وارتفاع استفسارات المبيعات، واكتساب عملاء جدد. هذا التفاؤل لا يزال حذراً بفعل استمرار ضغوط التكلفة وبيئة الطلب العالمية غير المتوازنة، لكنه يعزّز الرهان على استمرار التوسّع غير النفطي في الأجل القريب.
الصورة الكليّة: نمو مرجّح وتساؤلات مالية
على الصعيد الكلي، يُتوقع أن يتسارع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في السعودية إلى 3.9% في 2026، بحسب صندوق النقد الدولي، مستفيداً من جدول التخلص التدريجي من قيود أوبك+ على الإنتاج وما يصاحبه من دعم للنشاط غير النفطي عبر الاستثمار والإنفاق الرأسمالي.
في المقابل، حذّرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن الطموحات التوسعية في الإنفاق قد تواجه مخاطر ملموسة، وذلك في أعقاب نشر بيان ما قبل الميزانية لعام 2026 الأسبوع الماضي.
وتشير الحكومة إلى تشديد الانضباط المالي بعد اتساع عجز الميزانية لعام 2025 بما يفوق التوقعات، في خطوة تستهدف إبقاء المسار المالي تحت السيطرة من دون خنق زخم النمو غير النفطي.
وإذا استمرت قوة الطلب المحلي وتحسّنت الظروف الخارجية تدريجياً، فمن المرجّح أن يحافظ الاقتصاد غير النفطي على مسار توسّع مستدام خلال الأشهر المقبلة—على أن تظل إدارة التكاليف والانضباط المالي عاملَيْن حاسمَيْن في ترجمة هذا الزخم إلى تحسّنٍ متينٍ في الربحية والنمو الكلي.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72858