مصر تشهد تدفقًا متجددًا لرؤوس الأموال الخليجية: الكويت وقطر تستثمران المليارات

تشهد مصر تدفقًا متجددًا لرؤوس الأموال الخليجية، مع تحوّل لافت في طبيعة الاستثمارات من الدعم المالي المباشر إلى التركيز على الأصول الملموسة، في خطوة تعكس تحوّلاً في استراتيجية التمويل الخليجي للاقتصاد المصري الذي يواجه تحديات متزايدة.

 

ووفقًا لتقرير نشرته منصة سيمافور، فإن جهاز قطر للاستثمار – وهو صندوق الثروة السيادي لدولة قطر – على وشك إنهاء صفقة استثمار سياحي بقيمة 4 مليارات دولار في منطقة رأس علم الروم، الواقعة شرق مدينة الإسكندرية، على ساحل البحر المتوسط. وتُعد هذه الخطوة جزءًا من خطة قطرية أوسع لضخ نحو 7.5 مليار دولار في قطاعات متعددة داخل مصر.

 

مشاريع عملاقة في الطاقة والسياحة

الصفقة القطرية المرتقبة تُعد من بين أبرز التحركات الاستثمارية الخليجية في مصر هذا العام، حيث يُخطط المشروع لأن يكون وجهة سياحية كبرى تُضيف قيمة عقارية وسياحية للمنطقة الساحلية، كما يندرج ضمن توجه إقليمي خليجي للاستثمار في قطاعات التجزئة والضيافة والعقارات الفاخرة على السواحل المصرية.

 

في موازاة ذلك، أعلنت شركة كوفبيك الكويتية (الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية)، بالشراكة مع شركة شل مصر، عن إطلاق مشروع تنقيب جديد للغاز الطبيعي في المياه البحرية المصرية، ما يعزز من توجه مصر لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط.

 

توجه استثماري بدلًا من الدعم

وتعكس هذه التحركات توجهًا جديدًا من قبل حكومات الخليج، التي كانت لعقود تُقدّم دعماً مالياً مباشراً لمصر على شكل منح وقروض، لكنها باتت اليوم تميل أكثر نحو الاستثمار في أصول استراتيجية وعقارات ومشاريع طاقة، بما يضمن لها عوائد طويلة الأجل وتحكمًا أوثق في المشاريع.

 

وقال مصدر استثماري خليجي لـ”سيمافور” إن “التركيز بات على الشراكات الاستثمارية المستقرة، لا على منح سيولة عاجلة”. وأوضح أن دول الخليج باتت تعتبر مصر فرصة استثمارية واعدة، لكنها تحتاج إلى بيئة أكثر انفتاحًا وجاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية.

 

القاهرة تسعى لجذب 42 مليار دولار

تأتي هذه الاستثمارات ضمن خطة مصرية طموحة تهدف إلى جذب 42 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام المالي الجاري، في محاولة لتعويض النقص في النقد الأجنبي، وتعزيز احتياطيات البنك المركزي، وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية.

 

وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت سلسلة من التيسيرات القانونية والإدارية خلال الشهور الماضية، شملت تسهيلات لتملك الأجانب، وتبسيط إجراءات التراخيص، بهدف جعل السوق أكثر جذبًا للمستثمرين الخليجيين والغربيين على حد سواء.

 

مخاوف داخلية من تداعيات الاستثمارات الخليجية

ورغم الترحيب الرسمي بهذه الاستثمارات، تتزايد المخاوف داخلية بين المصريين من بعض التداعيات السلبية لهذه الأموال الخليجية، لا سيما في قطاع العقارات.

 

ويخشى مراقبون وخبراء اقتصاديون أن تسهم الاستثمارات الخليجية الضخمة، خصوصًا في المشاريع الساحلية والعقارية، في رفع أسعار الأراضي والمساكن، وتوسيع الفجوة بين طبقات المجتمع، فضلًا عن تغيّر الطابع العمراني للمدن المصرية التقليدية، حيث تُحوَّل بعض الأحياء إلى نُسخ مصغّرة من مدن خليجية مثل دبي أو الدوحة.

 

ويقول المحلل الاقتصادي هاني سرحان إن “التحول العقاري الحاصل في الساحل الشمالي والعاصمة الإدارية الجديدة يعكس نفوذًا خليجيًا متزايدًا في قطاع العقارات المصري”، مشيرًا إلى أن ذلك “قد يخلق طلبًا غير واقعي ويدفع المواطنين خارج نطاق التملّك في بعض المناطق”.

 

مستقبل الشراكة الخليجية – المصرية

مع تصاعد الضغوط الاقتصادية في مصر، وارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الجنيه، تبقى الاستثمارات الخليجية شريانًا مهمًا لإنعاش الاقتصاد، لكن التحدي يكمن في إدارتها بشكل يحقق التوازن بين جذب رؤوس الأموال والحفاظ على السيادة الاقتصادية.

 

وتتوقع مصادر مطلعة أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من الاتفاقيات الاستثمارية في مجالات الطاقة، والموانئ، والمياه، والبنية التحتية، ضمن ما يُعرف بـ”خطة التمركز الخليجي طويل الأمد في الاقتصاد المصري”.

 

وفيما ترحب القاهرة بهذه الأموال باعتبارها “طوق نجاة” في مرحلة اقتصادية حساسة، يبقى السؤال الأساسي: هل ستحقّق هذه الاستثمارات الخليجية تنمية عادلة ومستدامة داخل مصر، أم أنها ستكرّس واقعًا اقتصاديًا جديدًا يُعيد رسم الخريطة العمرانية والطبقية للبلاد؟ هذا ما ستكشفه تطورات الأشهر المقبلة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.