في الوقت الذي تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية متزايدة، تتجه الأنظار إلى قناة السويس، أحد أهم الشرايين الحيوية للاقتصاد المصري، كمحور رئيسي في معركة النفوذ الإقليمي.
فقد تصاعدت في الآونة الأخيرة التحركات الإماراتية للاستثمار في مشروعات متعلقة بالموانئ والمناطق اللوجستية المحيطة بالقناة، وسط تحذيرات من أن هذه الاستثمارات تتجاوز الطابع الاقتصادي لتأخذ أبعادًا سياسية وجيوسياسية أكثر خطورة.
تحركات إماراتية لترسيخ النفوذ
منذ عام 2013، شرعت الإمارات في تعزيز وجودها داخل السوق المصري، مستغلةً الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
لم يكن الدعم المالي الإماراتي لمصر، الذي تجاوز في بداياته 5 مليارات دولار مع وعود بمنح إضافية تصل إلى 20 مليار دولار، مجرد مساعدة اقتصادية، بل اعتُبر مدخلاً لبسط النفوذ والتحكم في ملفات استراتيجية، وعلى رأسها إدارة الموارد الحيوية.
ضمن هذا الإطار، كثفت أبو ظبي جهودها للاستحواذ على مشاريع تطوير الموانئ والمناطق اللوجستية المحاذية لقناة السويس.
ووفق تقارير متعددة، ألغت الحكومة المصرية صفقة بقيمة ملياري دولار مع شركة صينية كانت تهدف لتطوير منطقة القناة، لصالح عروض إماراتية أقل جدوى اقتصادية، ما تسبب بخسائر تقدر بـ4.1 مليار دولار سنويًا.
منافسة غير عادلة مع جبل علي
وتأتي هذه التحركات في سياق تنافسي حاد بين الموانئ المصرية وميناء جبل علي في دبي، الذي يستقبل سنويًا نحو 18 مليون حاوية.
وبفضل الدعم الحكومي المباشر، تمكنت الإمارات من تقليص تكاليف الشحن عبر جبل علي بنسبة تصل إلى 35% مقارنة بالموانئ المصرية، ما زاد من الفجوة الاقتصادية وأضعف قدرة مصر على الاستفادة الكاملة من مواردها البحرية.
تحالف استراتيجي مع إسرائيل: ممر حيفا-جبل علي
الأخطر في هذه التحركات هو تزامنها مع مشاريع إسرائيلية إماراتية مشتركة تهدف إلى خلق بدائل لقناة السويس. من أبرز هذه المشاريع “ممر حيفا-جبل علي”، الذي يسعى لربط ميناء حيفا الإسرائيلي بميناء جبل علي عبر شبكة نقل بري وبحري تتجاوز قناة السويس كممر رئيسي للتجارة بين آسيا وأوروبا.
بحسب دراسات متخصصة، قد يؤدي هذا المشروع إلى تقليص عائدات قناة السويس بنسبة تتراوح بين 15% و40%، وهو ما سيشكل ضربة موجعة للاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات القناة كمصدر رئيسي للعملة الصعبة.
أبعاد أمنية تتجاوز الاقتصاد
بعيداً عن الأرقام والعوائد المالية، تكمن خطورة هذا التوجه في البعد الأمني المرتبط بالتحكم في حركة الملاحة الدولية.
فتمدد النفوذ الإماراتي الإسرائيلي في الموانئ القريبة من القناة يفتح الباب أمام ترتيبات أمنية جديدة قد تُقصي مصر تدريجيًا من موقعها الاستراتيجي كمتحكم رئيسي في هذا الممر العالمي.
كما أن الشراكة الإماراتية مع إسرائيل في هذه المشاريع تعكس تحولا في موازين القوى الإقليمية، حيث لم تعد المصالح الاقتصادية منفصلة عن الأجندات السياسية، بل أصبحت أداة لإعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.
قناة السويس بين الضغوط الاقتصادية وتحديات السيادة
في ظل ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 165 مليار دولار، تجد القاهرة نفسها في موقف صعب، إذ لم تعد تمتلك ذات القوة التفاوضية لحماية مقدراتها الاستراتيجية.
فالقناة التي كانت تمثل رمزاً للسيادة الوطنية أصبحت اليوم عرضة لصفقات وتحالفات قد تعمق من التبعية الاقتصادية وتضعف القرار السيادي المصري.
ورغم ما تطرحه الحكومة من مشاريع لتطوير القناة وتعزيز عوائدها، إلا أن التحديات تبقى قائمة في ظل اختلال ميزان القوى الاقتصادي والسياسي لصالح تحالفات إقليمية تسعى لفرض رؤيتها على مستقبل الممر الملاحي الأهم في العالم.
وتتجاوز خطورة الاستثمارات الإماراتية في قناة السويس حدود الأرقام والعقود الاستثمارية، لتلامس جوهر الأمن القومي المصري. فمع تنامي الشراكة الإماراتية الإسرائيلية، تصبح السيطرة على مقدرات القناة رهينة لمعادلات إقليمية لا تصب في مصلحة مصر.
يبقى التحدي الأساسي أمام صناع القرار في القاهرة هو كيفية استعادة زمام المبادرة عبر مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية ووضع استراتيجيات تضمن بقاء القناة في قلب معادلة السيادة الوطنية، بعيداً عن تحالفات تضعف النفوذ المصري وتفتح الباب أمام أطراف خارجية للتحكم في شريان حياة الأمة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71593